نبض أرقام
18:05
توقيت مكة المكرمة

2024/05/15

كيف يؤدي غياب "الوظائف الجيدة" لأزمات الاقتصادية؟

2019/11/01 أرقام - خاص

قبل عدة أعوام أصدرت منظمة العمل الدولية مجموعة من المعايير التي اعتبرتها قياسًا لمدى "جودة العمل"، وتضمنت المخاطر المرتبطة بالعمل، ومدى ملاءمة الدخل للجهد المبذول والقدرات التي يحوزها العامل، وعدد ساعات العمل، والعديد من العوامل الأخرى المرتبطة بمدى توفير الوظيفة لحقوق العامل.

 

 

لا يوجد توظيف كامل

 

الكاتب والأكاديمي في كلية "دارتموث" "ديفيد بلانشفلاور" اهتم في كتابه "لا تعمل: أين ذهبت كل الوظائف الجيدة؟" باستعراض الأسباب التي أدت لتراجع "جودة العمل" والوظائف في العديد من الحالات، بما يتناقض تمامًا مع الرغبة في وظائف أفضل وفقا لما تعلنه المنظمات الدولية والحكومات.

 

ويشير "بلانشفلاور" إلى أنه على الرغم من وصول العديد من الدول الغربية إلى نسب قياسية من تدني معدلات البطالة إلا أن أيًا منها لم يصل إلى -أو حتى يقترب من- معدلات التشغيل الكامل، وذلك لأكثر من سبب من بينها استمرار وجود أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل، وإن كان من بينهم بعض من يشغلون وظائف بالفعل.

 

كما يستلزم الوصول لحالة التشغيل الكامل أو الاقتراب منها ارتفاع الأجور بشكل لافت، وذلك تطبيق بسيط لقوانين العرض والطلب فمع الندرة في عنصر العمالة ينبغي ارتفاع سعر تشغيلها، ولكن ذلك لم يحدث فعليا على أرض الواقع، إذ استمرت الأجور في مستويات متدنية، قياسًا بما تحققه الكثير من الأعمال من أرباح على الأقل.

 

وبناء على ذلك لا تعتبر نسبة البطالة معبرة عن وجود حالة توظيف جيدة، ولكن مدى جودة الوظائف التي يعتبرها متدنية، ففي الوقت الذي ازدادت فيه نسبة المنظمين من الربحية التي تحصدها المؤسسات في الدول الغربية بنسبة 60% خلال العقدين الماضيين، نمت نسبة ملاك الأراضي بنسبة 30% ليحصل العاملون على 10% فحسب.

 

غياب المستهلك القادر

 

والأزمة هنا أنه عندما يتم احتساب تأثير التضخم على أجور العمال (والموظفين) فإن الكثير منهم يعانون من تراجع الدخل الحقيقي، فعلى الرغم من تزايد ما يمتلكه العاملون بشكل عام من أدوات وأجهزة، كالجوال والأجهزة الكهربائية مثلًا، إلا أن جودة الغذاء وتنوعه، وجودة السكن تراجعت بنسب متفاوتة.

 

وعلى الرغم من أهمية تأثير تواضع الأجور الحقيقية الإنسانية على العاملين، وعلى قدرتهم على توفير حياة كريمة لهم ولذويهم، إلا أن لذلك أثرا بشكل عام على الاقتصاد ككل، فعدم وجود مستهلك قادر على  الإنفاق ينعكس بالضرورة على تراجع الإنفاق العام بشكل تدريجي، بما يؤدي نهاية الأمر للكساد أو الأزمات المالية.

 

 

ويشير "بلانشفلاور" إلى تمكنه من تقدير وقوع الأزمة المالية العالمية، والتي بدأت عام 2007، قبلها بعام كامل، فعلى الرغم من أن السبب الرئيسي لها كان أزمة الرهن العقاري، إلا أن السبب الرئيسي من وجهة نظر مغايرة هو غياب الوظائف الجيدة في واقع الأمر.

 

فمع عجز الكثيرين عن الوفاء بمتطلبات حياتهم اليومية -المتصاعدة- بدأت مستويات الديون ترتفع إلى مستويات قياسية، ولما كان الرهن العقاري هو القطاع الذي يتمتع (قبل الأزمة) بمرونة نسبية في السداد، قياسًا بشركات القروض الصغيرة أو القروض للبنوك التقليدية، فقد كان منطقيًا تفاقم الضغوط على القطاع العقاري مما أدى في نهاية الأمر لانهياره تمامًا.

 

أزمة قريبة

 

وعلى ذلك يتوقع حصول أزمة مالية جديدة في المنظور القريب، وإن احتاطت البنوك في مسألة الرهن العقاري، إلا أن قطاع الديون الصغيرة وديون الطلاب تشهد حالة من التضخم غير المسبوقة التي تنذر بانطلاق الأزمة المقبلة من أي منهما أو حتى من أي قطاع تمويلي آخر يحاول الإبقاء على خط النمو باستخدام القروض التي لا يستطيع المدينون الوفاء بها.

 

ولحل معضلة غياب العمل الجيد -أو الأجر الجيد بالأحرى- يقترح مؤلف الكتاب وضع قواعد مُلزمة لتوزيع الأرباح في الشركات تتضمن حصول العاملين على نسبة لا تقل عن 20% منها، ويفضل ارتفاعها إلى 30%، مع تقليص حصة أرباب العمل وملاك الأراضي، بما يؤدي لتقوية مؤقف "المستهلك العادي".

 

 

ويرى الكاتب أنه بذلك يضمن الاقتصاد وجود قدر من الثروة لدى العاملين في الشركات الناجحة، وتصبح الأخيرة مطمعًا للعمل من قبل أفضل المواهب بما يؤدي لنموها.

 

كما سيساعد هذا على تحقيق أحد أهم مبادئ الاقتصاد الحر بأن تطرد العملة الجيدة مثيلتها الرديئة من خلال انصراف العمالة المتفوقة عن العمل لحساب الشركات غير الناجحة والتوجه لنقيضتها، بينما اقتراب مستويات الدخول في الشركات العاملة في نفس المجال مع اختلاف مستويات النجاح لا يخدم تطبيق هذا المبدأ.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة