نبض أرقام
21:04
توقيت مكة المكرمة

2024/05/10

طباعة الدولار .. من أين سيأتي الفيدرالي بالتريليونات التي سيضخها في الاقتصاد الأمريكي الأسابيع القادمة؟

2020/05/21 أرقام - خاص

في التاسع من أبريل الماضي أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة عزمه ضخ 2.3 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي بهدف مساعدة الأخير على مواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا. ولاحقًا، أعلن رئيس الفيدرالي "جيروم باول" استعداد البنك المركزي الأمريكي لضخ أي كمية من الأموال قد يحتاجها الاقتصاد.

 

 

والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه الآن هو: أين وجد الفيدرالي الأمريكي 2.3 تريليون دولار؟ هل هي أموال دافعي الضرائب الأمريكيين؟ قد لا تصدق، ولكن هذا ما حدث فعلًا: الفيدرالي أوجد هذه التريليونات من الهواء باستخدام حركة سحرية تسمى "تسييل الدين" (Monetizing the debt).

 

الدائرة .. منها وإليها

 

لنأخذ القصة من بدايتها ونعيد ترتيب الأحداث كي تتضح الصورة. في البداية، وعدت الحكومة الفيدرالية الشركات والأسر والحكومات المحلية بأن توفر لهم كمًا هائلًا من المساعدات المالية التي ستعينهم على الصمود في وجه أزمة كورونا المستمرة. وبما أن هذه الأموال من المفترض أن تمنحهم إياها وزارة الخزانة، فسوف تضطر الأخيرة إلى الاقتراض من خلال إصدار سندات طويلة وقصيرة الأجل.

 

على الجهة الأخرى وفي التوقيت ذاته، سيدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى سوق الدين ليشتري سندات توازي قيمتها قيمة تلك التي ستصدرها وزارة الخزانة، وهكذا سيخلق الفيدرالي السيولة التي وعد بها. ولكن مرة أخرى، من أين سيأتي الفيدرالي بالأموال التي سيشتري بها تلك السندات؟ هذه ليست عقبة، بل هي في الحقيقة أسهل خطوة.

 

 

ببساطة إن كل ما على الفيدرالي فعله هو طباعة أي كم يحتاجه من الأموال، وضخه في حسابات البنوك الأمريكية. ولكن انتبه، كلمة الطباعة هنا مجرد مجاز، فلا يوجد لدى الفيدرالي مطابع تمكنه من طباعة الدولار ورقيًا، لأن هذه هي وظيفة وزارة الخزانة الأمريكية التي تشرف على المطابع وتجمع الضرائب وتصدر الديون بتوجيه من الكونجرس.

 

الفيدرالي يطبع الدولار بطريقة مختلفة بعض الشيء، فمن خلال بضع ضغطات على لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر يتمكن الفيدرالي من زيادة أرصدة البنوك الأمريكية لديه. باختصار هي دائرة تبدأ حين تذهب بنوك مثل "جولدمان ساكس" و"ويلز فارجو" و"مورجان ستانلي" لتشتري السندات من وزارة الخزانة، قبل أن تبيعها للفيدرالي، والذي يقوم بإيداع  ثمنها إلكترونيًا في أرصدة هذه البنوكلديه.

 

في الوقت ذاته تستدير البنوك لتستخدم الأموال التي أودعت في حساباتها في توفير الائتمان الرخيص للأسر والشركات، دون أن تقلق من احتمال نفاذ السيولة لديها إذا ساد الذعر بين الناس لأي سبب. بعبارة أخرى، يتمكن الفيدرالي من خلال الآلية من زيادة المعروض النقدي في السوق وخفض أسعار الفائدة، مما يوفر الائتمان الرخيص لمن يحتاجه.

 

 

وبالمناسبة، لا يشتري الفيدرالي السندات مباشرة من وزارة الخزانة، بل يقوم بدلًا من ذلك بشراء تلك التي أصدرتها الوزارة سابقًا من البنوك التجارية، ويحصل كغيره من حاملي هذا النوع من السندات على الفوائد من وزارة الخزانة، ولكنفي الوقت نفسه يلزم القانون الفيدرالي بإرجاع كل الأموال التي حصلها كفائدة من هذه السندات إلى وزارة الخزانة مرة أخرى. دائرة!

 

 عن هذه الاستراتيجية يقول الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي "بن برنانكي": "حين نريد أن نقرض أحد البنوك فإننا نستخدم ببساطة جهاز الكمبيوتر لتعديل رصيد هذا البنك لدى الفيدرالي. وهذه العملية أشبه ما تكون بطباعة النقود، أكثر من كونها مجرد عملية إقتراض."

 

"الامتياز باهظ الثمن" .. لماذا لا يستطيع فعلها غير الأمريكيين؟

 

نظريًا، يمكن لأي دولة في العالم تصدر عملتها الخاصة أن تقوم بهذه هذه الحركة اللطيفة، ولكنها حتمًا ستقود نفسها إلى هاوية التضخم الجامح الخارج عن نطاق السيطرة ومعدلات البطالة الهائلة. اسألوا المجر وتشيلي والأرجنتين وبوليفيا والصين، ومن قبلهم جميعًا ألمانيا في العشرينيات.

 

كل من لجأ إلى دعم وتحفيز اقتصاده بهذه الطريقة احترق، إلا الولايات المتحدة، والتي تلعب نفس اللعبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دون أن تلسعها النار أو تواجه أي عواقب. ما السر؟ سطوة الدولار الأمريكي أو "الامتياز باهظ الثمن" كما سماه وزيرماليةفرنسا (ورئيسهالاحقا في النصف الثاني من السبعينات) "فاليريجيسكارديستان" في معرض انتقاده للوضع الخاص الذي تمتعت به الولايات المتحدة نتيجة مكانة الدولار في النظام النقدي العالمي.

 

الورقة الخضراء هي العملة التي تشكل الجزء الأكبر من احتياطيات جميع البنوك المركزية حول العالم، وتستخدمها الدول حين تريد دعم عملتها الخاصة في أسواق الصرف الأجنبي أو سداد ديونها الأجنبية. وهي أيضًا العملة المستخدمة في تسعير ودفع ثمن معظم السلع المتداولة في العالم، سواء المشروع منها مثل النفط والمعادن أو غير المشروع كالمخدرات والسلاح غير القانوني.

 

 

وفي الوقت ذاته، لا تحتفظ البنوك المركزية أو الحكومات بحيازاتها من الدولار متراصة داخل قبو تحت الأرض، بل يقوم أكثرهم باستخدام جزء كبير من هذه الأموال في شراء سندات الخزانة الأمريكية، وذلك لثلاثة أسباب: الأول هو أنها ذات جودة ائتمانية عالية، والثاني أنها تدفع فوائد، أما الثالث والأخير فهو أنها كثيفة السيولة ويمكن بيعها بسهولة.

 

الإقبال الكبير من قبل الجميع على شراء السندات الأمريكية يقود معدل الفائدة عليها إلى الانخفاض، مما يسمح للولايات المتحدة بإدارة عجز ميزانيتها وعجز ميزانها التجاري وتحفيز اقتصادها دون أن تتأثر قيمة عملتها سلبًا أو تعاني من معدل تضخم كبير.

 

هذه الميكانيزم هي التي تمكن الولايات المتحدة اليوم من المشي وسط النار دون أن تحترق. فاليوم، وعلى إثر حالة الذعر وعدم اليقين التي تسيطر على الأجواء منذ بداية أزمة كورونا في فبراير الماضي، تتسابق الحكومات والمستثمرون حول العالم على شراء سندات الخزانة الأمريكية بحثًا عن ركن آمن يؤون إليه لحين انتهاء الأزمة.

 

البنوك المركزية الآن في حاجة ماسة للدولار، لدرجة أن الفيدرالي اضطر لإعداد برامج خاصة لمبادلة الدولار المطبوع حديثًا بالعملات الأخرى. ولحسن حظ الأمريكيين، يحدث هذا في نفس الوقت الذي تستعد فيه وزارة الخزانة لإصدار تريليونات الدولارات من السندات الجديدة.

 

كالشعرة من العجين .. خطة الخروج

 

السؤال الذي ربما خطر ببال كثيرين بينما يقرأون السطور السابقة، هو كيف سيسحب الفيدرالي هذه الأموال مرة أخرى من السوق حين تنتهي الأزمة؟ هل ستضطر وزارة الخزانة في نهاية المطاف إلى دفع الـ2.3 تريليون دولار إلى الفيدرالي حين يحين موعد استحقاق هذه السندات، وبالتالي سيتحمل دافع الضرائب الأمريكي التكلفة؟

 

 أولًا، يوجد للسندات التي اشترها وسيشتريها الفيدرالي في الفترة القادمة مدد استحقاق محددة، وحينما تقترب هذه المدد من الانتهاء إما سيقبل أن تقوم وزارة الخزانة بتدويرها (Roll over) أي استبدالها بأخرى جديدة لها نفس المواصفات، وإما سيبيعها. وطالما استمرت الأزمة الحالية ستستمر وزارة الخزانة في تدوير هذه السندات ودحرجتها إلى الأمام، أي أنه كلما يحين موعد الدفع ستؤجله، وهكذا إلى ما شاءت الحكومة.

 

 

مهما طال الزمن، ومهما بلغ عدد مرات التدوير أو التأجيل، ستصبح هذه السندات مستحقة في نهاية المطاف. لكن الحكومة الأمريكية لن تتوقف عن تدوير هذه السندات إلا بعد أن يتعافى الاقتصاد ويقف على قدميه، وحينها سيقرر الفيدرالي أنه لا حاجة لهذا الكم الهائل من الأموال المتداول في النظام النقدي، وسيقوم بعكس عملية "التيسير الكمي" من خلال بيع حيازاته من السندات في السوق وسحب الأموال التي خلقها من الهواء.

 

هذه ببساطة هي قصة آلة الطباعة السحرية التي يمتلكها الفيدرالي والذي أبدى رئيسه استعداده قبل أيام لضخ أي كمية من الأموال في النظامين المالي والنقدي للولايات المتحدة. ولطبع هذه الأموال لن يحتاج إلى حبر أو ورق بل إن بضع ضغطات على لوحة المفاتيح قادرة على إيجاد تريليونات الدولارات من العدم.

 

الثقة التي يتمتع بها "باول" هي ذاتها التي كانت لدى رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق "آلان جرينسبان" والذي صرح لـ"سي إن بي سي" في 2011 قائلًا "يمكن للولايات المتحدة دفع أي ديون عليها، وذلك ببساطة لأنها تستطيع دائمًا طباعة الأموال التي تمكنها من ذلك. لذا أقول إنه لا يوجد احتمال بأن نتخلف أبدًا عن السداد."

 

 

المصادر: أرقام – واشنطن بوست – نيويورك تايمز – فاينانشيال تايمز – فايس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة