نبض أرقام
19:54
توقيت مكة المكرمة

2024/05/30

بسبب مدير متعجرف .. كيف اقتربت "كوكاكولا" من القضاء على نفسها؟

2020/09/19 أرقام - خاص

في الخامس عشر من يونيو 1999 اضطر رئيس الوزراء البلجيكي السابق "جان لوك ديهاين" للاستقالة من منصبه بعد أن مني تحالفه الانتخابي بهزيمة مذلة قبل ذلك التاريخ بثلاثة أيام وتحديدًا في الثاني عشر من يونيو 1999.
 

 

وكان السبب الرئيسي وراء تلك الهزيمة الانتخابية هي حالة الذعر التي أصابت الشعب البلجيكي عقب اعتراف الحكومة بأن جزءاً كبيراً من الثروة الحيوانية للبلاد تم إطعامه أعلافاً ملوثة بمادة الديوكسين (Dioxin) وهي إحدى أخطر المواد الكيميائية وأكثرها سمية وتأثيرًا على صحة الإنسان.
 

تسبب هذا الاعتراف في اندلاع أزمة غذائية في البلاد عقب عزوف الناس عن شراء منتجات اللحوم والألبان حتى تلك التي أكدت الحكومة أنها آمنة ورفضت سحبها من الأسواق، وفي الوقت نفسه، علقت أغلب بلدان العالم وارداتها الغذائية من بلجيكا.
 

في الوقت الخاطئ تمامًا
 

في وسط هذه الأجواء المشحونة بقلق شديد من قِبل البلجيكيين تجاه سلامة الغذاء، وقعت أزمة غير متوقعة لشركة المشروبات الغازية "كوكاكولا" في بلجيكا هددت وجودها في البلاد، حيث وجدت الشركة الأمريكية نفسها فجأة في مرمى نيران الرأي العام البلجيكي الذي كان شديد التحفز ضد أي شيء من شأنه تهديد سلامة الغذاء.
 

بعد أيام فقط من سقوط حكومة "ديهاين" خرجت عدة تقارير تشير إلى إصابة عدد من أطفال المدارس في بلجيكا بوعكة صحية نقلوا على إثرها إلى المستشفيات وذلك عقب تناولهم مشروبات كوكاكولا.
 

 

في البداية نفت كوكاكولا أن يكون لمنتجاتها علاقة بالأمر رغم تأكيد عدد كبير من المستهلكين على أنهم لاحظوا تغير رائحة المنتج إلى "رائحة غريبة"، ولكن الحكومة البلجيكية التي وجدت نفسها تحت ضغوط شعبية أصدرت بياناً حذرت فيه المواطنين من تناول منتجات كوكاكولا التي تم رفعها بعد أيام قليلة من أرفف المتاجر في جميع أنحاء البلاد.
 

لم يمض وقت طويل قبل أن تقوم كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا هي الأخرى بحظر منتجات كوكاكولا، وذلك بعد أن تم الإبلاغ عن إصابة نحو 200 شخص بالغثيان والصداع وآلام المعدة، حتى تلك اللحظة كانت كوكاكولا لا تزال مُصرّة على أنه من غير المحتمل أن تكون منتجاتها هي السبب، ولكنها رغم ذلك واصلت التحقيق داخليًا في الأمر.
 

المشكلة في مصنعين
 

بعد فترة قصيرة اكتشفت الشركة أن العامل المشترك بين جميع المصابين هو أنهم جميعًا تنالوا مشروبات تمت تعبئتها في مصنعي كوكاكولا في أنتروب البلجيكية ودونكيرك الفرنسية، واتضح أن مسؤولي مصنع أنتروب لم يقوموا بإجراء اختبارات الجودة المطلوبة لكميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المستخدم في تصنيع المشروبات الغازية.
 

أما في مصنع دونكيرك، فقد اتضح أن عدداً من الصناديق الخشبية المستخدمة في تعبئة زجاجات المشروبات الغازية كانت ملوثة بمبيدات الفطريات التي انتقلت إلى جسم الزجاجة ومنه إلى أيدي المستهلكين.
 

ورغم ذلك خرجت كوكاكولا على الرأي العام بدراسة أشارت فيها إلى أنه من غير المحتمل أن هذه المشاكل هي المسبب الرئيسي للأعراض التي عانى منها المصابون، موضحين أن حجم الملوثات التي أصابت كميات من مشروباتها الغازية ضئيل جدًا وأضعف كثيرًا من أن يتسبب في مرض أحد.
 

 

لم تأبه إدارة كوكاكولا بالأزمة وتداعياتها في البداية، خصوصًا أن البلدان المتأثرة لا تشكل سوى 2% من مبيعاتها العالمية، ولكن التغطية الإعلامية للحدث التي كان يزداد نطاقها مع مرور الوقت أضرت كثيرًا بالعلامة التجارية العالمية للشركة، وهو ما دفع الإدارة لاحقًا إلى محاولة احتواء الأمر بأي ثمن.
 

وفي الثاني والعشرين من يونيو، أصدر رئيس مجلس إدارة "كوكاكولا" ورئيسها التنفيذي "دوجلاس إيفستر" بياناً نشر في جميع الصحف البلجيكية اعتذر فيه للشعب البلجيكي عن الأمراض التي أصابت عدداً من الناس؛ نتيجة تناول مشروبات كوكاكولا قبل أن يعد بعدم تكرارها وفتح تحقيق في الأمر.
 

ورغم ذلك ظل الغضب مسيطرًا على المسؤولين والمستهلكين البلجيكيين؛ بسبب مماطلة إدارة كوكاكولا وتأخرها في إعلان مسؤوليتها عما حدث بالإضافة إلى عدم حضور رئيس الشركة إلى بلجيكا سوى بعد أسبوعين من اندلاع الأزمة وهو ترك انطباعاً لديهم بأن الشركة متعجرفة ولا تأبه كثيراً بهم.
 

خسائر بالملايين واستقالة
 

بعد نحو أسبوعين من اندلاع الأزمة سافر "إيفستر" أخيراً إلى بلجيكا ليجتمع مع الحكومة التي وضعت قيوداً صارمةً على إجراءات النظافة بمصانع كوكاكولا، وهو ما وافقت عليه الشركة الأمريكية ليتم السماح لها باستئناف أنشطتها الإنتاجية في البلاد في غضون عدة أسابيع.
 

خفت حدة الأزمة قليلًا بعد ذلك الاجتماع غير أن الإدارة السيئة للأمور من البداية كانت قد ألحقت بالفعل أضراراً كبيرة بالشركة تمثلت في اضطرار كوكاكولا لسحب نحو 17 مليون صندوق من السوق الأوروبي فقط في عملية كلفت الشركة نحو 103 ملايين دولار.
 

لكن المشكلة الأكبر التي واجهت الشركة هي أن طريقة إدارة الأزمة وليست الأزمة نفسها تسببت في أن تبدو الشركة متعجرفة ومتعالية، وهو ما أثار غضب المسؤولين والمستهلكين بشكل واضح؛ فالأزمة في البداية لم تكن أكثر من خلل تشغيلي صغير كان من الممكن جداً احتواؤه والسيطرة على تداعياته لو اعترفت به الشركة وتحملت مسؤوليته من أول لحظة.
 

 

وحتى لو كانت الشركة صادقة فعلًا في ادعاءاتها بأنه لا دخل لمنتجاتها بالأمراض التي أصابت المئات من البلجيكيين فلم يكن من الذكاء أبداً تجاهل السياق الزمني الذي وقعت فيه الحادثة، فلسوء حظ كوكاكولا وقعت الأزمة في وقت كانت فيه سلامة الغذاء هي الهاجس المسيطر على عقول البلجيكيين، ولذلك كان على إدارة الشركة الانتباه جيداً لمخاوف البلجيكيين حتى لو كان مبالغاً فيها إلى حد كبير.
 

في ديسمبر 1999 أعلن مجلس إدارة كوكاكولا قبوله استقالة "إيفستر" من منصبيه كرئيس مجلس إدارة وكرئيس تنفيذي للشركة، وعلى الرغم من أنه لا الشركة ولا "إيفستر" أفصحا عن سبب الاستقالة إلا أن الكثير من المراقبين أشاروا إلى أزمة بلجيكا باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الخطوة؛ لأنه إلى جانب الخسارة المالية المباشرة، دمرت الأزمة سمعة الشركة وهو ما تطلب إنفاق الكثير من الأموال لترميم ما تبقى منها.

 

المصادر: أرقام – الجارديان – نيويورك تايمز

كتاب:? Will Your Next Mistake Be Fatal

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة