نبض أرقام
21:22
توقيت مكة المكرمة

2024/05/29

28 عاماً على توحيد الألمانيتين .. هل فعلا لن يستطيع الشرق أبداً اللحاق بالغرب؟

2017/11/11 أرقام - خاص

في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، سمحت حكومة ألمانيا الشرقية لمواطنيها بالعبور إلى شقيقتها الغربية، لتبدأ نهاية "جدار برلين"، السور الذي بنته الحكومة الشرقية الشيوعية عام 1961 ليشطر الرايخ الألماني إلى نصفين.



 

ورغم أن عملية هدم الجدار الذي امتد على مسافة 186 كلم لم تبدأ إلا في يونيو/حزيران 1990 إلا أن التاسع من نوفمبر يعتبر على نطاق واسع هو تاريخ سقوط الجدار الذي شيده المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، الذين اختلفوا بشأن مصير الرايخ، قبل أن يقرروا تقسيمه إلى بلدين.
 

وبمناسبة الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لسقوط الجدار، نعيد النظر مرة أخرى خلال هذا التقرير في تأثير إعادة توحيد الألمانيتين على أقوى اقتصاد في أوروبا وشعبه.
 

الفجوة لا تزال قائمة رغم مرور ثلاثة عقود
 

وجد التقرير الحكومي السنوي حول حالة الوحدة الألمانية الصادر في سبتمبر/أيلول أنه على الرغم من أن مستويات الرضا عن الحياة قد ارتفعت في الجزء الشرقي من البلاد خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن الفجوة الاقتصادية بين الشرق والغرب تتضاءل بوتيرة غاية في البطء.
 

لا يزال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في شرق ألمانيا متخلفاً عن نظيره في الغرب بنحو 27%، كما أن معدل البطالة في الشرق يقترب من 8.5% متجاوزاً المعدل الوطني البالغ 5.7%.
 

إذا نظرنا أيضاً إلى إحصائيات مثل دخل الفرد وإنتاجية العمال نجد أنها تشير إلى التفاوت الكبير في التنمية الاقتصادية بين الشرق والغرب. هذه التناقضات يراها البعض على أنها إرث الشيوعية.



 

بعد سقوط جدار برلين، كان على الشركات والمصانع الشرقية الشيوعية التنافس مع نظرائها الغربيين الأكثر كفاءة. ثم جاءت الرأسمالية بسرعة كبيرة، لتفلس العديد من الشركات الألمانية الشرقية، ولم تسترد بعض المناطق عافيتها أبداً من أثر الصدمة. وحتى اليوم، لا تزال مستويات الدخل في الشرق أقل منها بكثير في الغرب.
 

منذ إعادة توحيد الألمانيتين نقلت ألمانيا الغربية أكثر من تريليوني دولار من المساعدات الاقتصادية إلى الشرق في محاولة لمساعدته على اللحاق بالركب. وقد أحرز الشرق بالفعل بعض التقدم، لكن الفروقات الاقتصادية العميقة لا تزال قائمة.
 

والسؤال الآن هو: هل هذه الاختلافات بين الشرق والغرب هي حقاً نتيجة إرث الشيوعية أم أنها تعبر عن الفشل في السياسة العامة؟
 

هل الشيوعية هي السبب؟
 

ربما لا يكون هناك شك في أن الرأسمالية بنمطها الغربي أثبتت أنها نظام أفضل لتكوين الثروة ورفع مستويات المعيشة مقارنة مع النمط السوفيتي من الشيوعية.
 

ولكن الشيوعية تم التقليل من قدرها أكثر من اللازم، حيث تناسى البعض أنها نجحت في مساعدة روسيا التي مزقتها الحرب في اللحاق بالغرب في الأيام الأولى للاتحاد السوفيتي.
 

على سبيل المثال، إذا قارنا بين تطور المكسيك وتطور الاتحاد السوفيتي منذ عام 1913 وحتى سقوط جدار برلين، نجد أن النمو الاقتصادي الذي حققه الاتحاد السوفيتي يجعل نظيره لدى المكسيك يبدو إلى جانبه قزما.



 

وفقاً لمركز التنمية العالمية – منظمة أمريكية غير ربحية – كان نصيب الفرد من الدخل القومي في الاتحاد السوفيتي في عام 1989 يفوق نظيره لدى المكسيك بنحو 46%، بعد أن كان يزيد عليه فقط بـ1% في عام 1913.
 

من المستحيل معرفة كيف كان من الممكن أن تتطور ألمانيا الشرقية في غياب تأثير الشيوعية، أو كيف كانت أوروبا الغربية ستتعافى بشكل عام من الحرب العالمية الثانية إذا لم تستثمر واشنطن الكثير هناك في محاولتها السيطرة على انتشار الشيوعية.
 

لكن الفكرة القائلة بأن تاريخ الشيوعية يحول دون قدرة الاقتصاد على التطور لا تدعمها الحقائق.
 

ألمانيا ليست حالة فريدة
 

إن التناقضات العميقة في التنمية الاقتصادية بين المناطق الشرقية والغربية في ألمانيا ليست فريدة من نوعها، فوفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عادة ما تكون "الفروق الإقليمية في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي داخل الدولة الواحدة أكبر مما هي عليه بين البلدان وبعضها البعض".
 

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك اختلافات إقليمية في التنمية الاقتصادية تتطابق مع أو تتجاوز نظيرتها في ألمانيا. الأمر كله يعتمد على البيانات التي تختار النظر إليها.



 

لنأخذ مثالا واحدا من الولايات المتحدة. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ولاية ميسيسيبي يساوي 54% فقط من قيمة نظيره في ولاية كونيتيكت. أما في ألمانيا نجد أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في الشرق يساوي 84% من نظيره في الجزء الغربي، وفقاً لبيانات البنك الألماني للتنمية.
 

بالطبع هذا التناقض سيكون أقل حدة إذا قارنا على سبيل المثال بين نصيب الفرد من الناتج المحلي في شمال شرق الولايات المتحدة مع نظيره في جنوب شرق البلاد، ولكن الفكرة هي أن الاختلافات الاقتصادية الإقليمية في الولايات المتحدة هي نفسها لدى ألمانيا.
 

المشكلة سياسية وليست اقتصادية
 

كذلك الاقتصاديون، يبدو أنه ليس لديهم فهم كامل للكيفية التي تتم بها عملية التنمية الاقتصادية، ولم يتوصل حتى اليوم أي سياسي للمعادلة السرية لتحفيز النمو والنشاط الاقتصادي في بلده أو منطقته.
 

ما يعرفه الاقتصاديون حق المعرفة، هو أنه وقتما تحدث تنمية اقتصادية في منطقة ما يميل الناس إلى التحرك في قطعان مطيعة للمشاركة في هذه التنمية في تلك المنطقة.
 

من الواضح أن هذا بالضبط ما يحدث في ألمانيا، حيث تقلص عدد السكان في الشرق من 16 مليوناً في عام 1989 إلى 12.5 مليون نسمة، في حين نما عدد سكان ألمانيا الغربية إلى 64.6 مليون من نحو 60 مليون قبل 28 عاماً.
 

المشكلة إذن بالنسبة لألمانيا ليست اقتصادية بقدر ما هي سياسية. ولأن توحيد ألمانيا حدث مؤخراً بعد سنوات عديدة من الانقسام، لا يزال بعض المواطنين يخشون من الآثار الجانبية للعيش في دولة يتفاوت فيها الإنتاج الاقتصادي بهذا الشكل.
 

يحتج الناشطون في الجزء الغربي الأكثر حيوية من الناحية الاقتصادية على أن أموالهم الضريبية يتم استخدامها لدعم البرامج الحكومية ورفع مستويات المعيشة في الجزء الأقل حظاً.



 

لكن مرة أخرى، هذه ليست حالة فريدة من نوعها تخص ألمانيا. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة نجد أن ولاية كارولينا الجنوبية تحصل من الحكومة الفيدرالية على 8 دولارات مقابل كل دولار تدفعه كضرائب، في حين أن ولايات أخرى مثل نيويورك وكاليفورنيا تحصل على أقل من دولار واحد مقابل كل دولار يرسل إلى الميزانية الفيدرالية.
 

ويبقى فصل الكلام.. ما دام سُمح للشباب الموهوبين والمتحمسين في ألمانيا بمغادرة الشرق بحرية للحصول على فرص أفضل في الغرب، فإن التفاوت في التنمية الاقتصادية الذي نراه بين الشرق والغرب سيستمر.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة