نبض أرقام
20:59
توقيت مكة المكرمة

2024/05/16

"الحرب والثورة والانهيار الاقتصادي والمرض" .. تاريخ البشر مع عدم المساواة

2017/12/23 أرقام - خاص

واحدة من أكبر التناقضات في عصرنا هي: الرغبة في تحقيق قدر أكبر من المساواة وفي نفس الوقت الحفاظ على استقرار الأوضاع الحالية. ولكن آلاف السنين من تاريخ المجتمعات البشرية تشير ببساطة إلى أن هذين الهدفين من الصعب التوفيق بينهما.
 

في كتابه " The great leveler" الصادر في وقت سابق من العام الجاري، يوضح الأستاذ بجامعة ستانفورد "والتر ششيديل" أن أربعة أشياء فقط هي من بإمكانها إحداث تغيير حقيقي في خريطة توزيع الثروات: الحروب والثورات والانهيارات الاقتصادية وأخيرًا الأمراض.



 

في أكثر من 500 صفحة، يحاول "ششيديل" إثبات أطروحته، من خلال تحليل رائع لتاريخ، الإمبراطوريات التاريخية المفقودة، والطاعون الأسود والحربين العالمية الأولى والثانية والثورات الروسية والصينية وانهيار الصومال، قبل أن يصل إلى الظروف الاقتصادية الحالية.
 

قبل البدء ربما تجدر الإشارة إلى دلالة ما يسمى بـ"معامل جيني":  الذي يقيس مدى عدالة توزيع الدخل والثروات بين أفراد الشعب. فحين يساوي صفرا، يعني ذلك أن الجميع متساوون، أما حين يساوي واحدا، فيعني ذلك أن هناك شخصا واحدا يمتلك كل شيء، وبقية الشعب في الجهة الأخرى لا يمتلكون أي شيء. وبالتالي كلما كانت قيمة معامل جيني صغيرة كانت عدالة توزيع الدخل أفضل.
 

الحرب الشاملة تدمر النخب
 

- تعتبر اليابان واحدة من أشهر الحالات التي تسببت الحروب في إفقار الأغنياء وإثراء الفقراء بها. ففي عام 1937 كانت ثروات البلاد تتركز في أيدي بعض العائلات المؤثرة، لكن بعد أن شنت اليابان حربًا ضد الصين والولايات المتحدة، اضطرت طوكيو للاستثمار بكثافة في آلة الحرب خلال الفترة من منتصف الثلاثينيات إلى عام 1945.

 

- قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت الإمبراطورية اليابانية تخصص 87% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لصالح الإنفاق العسكري. وبغرض دعم المجهود الحربي، ضاعفت اليابان ضريبة الدخل مع ارتفاع معدل التضخم، ودعمت الحكومة سندات الحرب على حساب الاستثمارات الأخرى، كما فرضت ضوابط على الإيجارات.



 

- دفع الفقراء أموالًا أقل مقابل الإيجارات واستفادوا من برامج الرعاية الاجتماعية المصممة لدعم الحرب عن طريق القضاء على الاضطرابات المدنية. وفقدت اليابان 2.5 مليون جندي في ساحة المعركة، وقتلت القاذفات الأمريكية 700 ألف مدني، واجتاح الدمار معظم رأس المال المادي المملوك للنخبة الغنية.

 

- في سنوات ما بعد الحرب، ارتفع معدل المساواة في اليابان، وذلك على خلفية ارتفاع نسبة العمال المنتمين إلى نقابات عمالية من 10% قبل الحرب إلى حوالي 50% في عام 1949. وتلقى أعضاء هذه النقابات أجورًا سخية، وزيادات متكررة وتغطية صحية ومكافآت تقاعدية.

 

- أدت هذه التطورات إلى إعادة توزيع الدخل على نطاق واسع بين اليابانيين، لينخفض معامل جيني في المدن الصغيرة إلى 0.35، مقارنة مع 0.50 قبل اندلاع الحرب. ببساطة، الحرب جعلت الاقتصاد الياباني أكثر إنصافًا وأكثر مساواة.
 

الثورات الآيديولوجية يمكنها أن تعصف بالاقتصادات
 

- في عام 1905، كان 1% من المجتمع الروسي يسيطر على حوالي 15% من دخل البلاد، ورغم كبر حجم هذه النسبة، إلا أنها تظل أقل مقارنة مع ما حازته في ذلك الوقت فئة الـ1% في كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.

 

- على غير المتوقع، ازدادت الفجوة في الدخول بين الأغنياء والفقراء بعد أن قام نظام "فلاديمير لينين" زعيم الثورة البلشيفية بإصدار إصلاحات زراعية تتيح للفلاحين الذين لا يملكون أي أراض السيطرة على 97% من الأراضي الزراعية في البلاد.



- أغلب هذه الأراضي كانت مملوكة لفئة من الأغنياء يطلق عليها اسم "الكولاك". وخوفًا من تعرضهم للقتل على يد رجال "لينين" قام الكولاك بزراعة القليل من المحاصيل وتدمير أدواتهم الزراعية وقتل حيواناتهم. وازداد الفلاحون الروس فقرًا مع انخفاض الإنتاج الزراعي.

 

- بعد أن تولى "جوزيف ستالين" زمام السلطة، فرض على الأغنياء ضرائب مرتفعة، ورحّلت الحكومة الكولاك من أراضيهم، وقتلت بعضهم، واعتقلت حوالي 1.8 مليون، وجوّعت الملايين منهم.

 

- استهدفت حملة للسجن الجماعي المتعلمين تعليمًا جيدًا، وحقق "ستالين" المساواة من خلال إرغام أولئك الذين كان بإمكانهم الحصول على أجور عالية في اقتصاد السوق على العمل دون أجر.

 

- خلال ذروة القوة السوفياتية في ستينيات القرن الماضي، كان معامل جيني يتراوح ما بين 0.2 إلى 0.3، وذلك انخفاضًا من 0.36 قبل الثورة. كان العمال اليدويون يجنون أموالًا أكثر من الموظفين ذوي الياقات البيضاء. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ارتفع عدم المساواة، وارتفع معامل جيني من 0.28 في عام 1990 إلى 0.51 في عام 1995.

 

- الثورة الصينية: في الفترة ما بين عامي 1947 و1952، توفي ما يصل إلى مليوني صيني في عملية تطهير لما سموا بالمستغلين. قامت الحكومة الصينية بمصادرة وإعادة توزيع ممتلكات ملايين الأشخاص، وقوضت الثورة الطموح الفردي وأخلاقيات العمل.



- ادعت السلطات الصينية أن الفقر شيء "مجيد"، وأن أي شحص يحاول أن يصبح عضوًا في الطبقة البرجوازية يعرض نفسه لخطر الإهانة والتعذيب. وأدى ذلك إلى تجنب الكثير من الصينيين لمحاولة خلق ثروات خاصة.

 

- خلال سعي نظام "ماو" لتطبيق برنامجه "قفزة كبيرة إلى الأمام" (1959 – 1961) فقد عشرات الملايين من الصينيين أرواحهم، وتم تجويع ما يصل إلى 40 مليون شخص حتى الموت، وتوفي نحو 20 مليون إنسان في مخيمات الدولة، ولكن في المقابل، تحسن توزيع الثروة بين أطياف الشعب.

 

- في عام 1980، كان معامل جيني في المدن الصينية يساوي 0.16 فقط، ولكن مع تحول الاقتصاد الصيني إلى نظام السوق الحر، ارتفع معامل جيني ليصل إلى أكثر من 0.5 في السنوات الأخيرة.
 

قوة المرض .. ماذا لو اختفى نصف القوة العاملة فجأة؟
 

- في الفترة ما بين عامي 1347 و1352 لقي ما يقرب من ثلث سكان أوروبا حتفهم بسبب "الطاعون الأسود"، والذي ظهر في صحراء جوبي في عشرينيات القرن الرابع عشر، قبل أن ينتشر في مختلف أنحاء القارة بعد انتقاله إليها من الصين ووسط آسيا عن طريق البراغيث والفئران التي أتت على متن السفن التجارية.

 

- الطريقة التي تم تحقيق المساواة بين الجميع بها على خلفية هذه الواقعة غاية في الغرابة. فبعد انتهاء الطاعون الذي تسبب في فقدان الملايين لأرواحهم، استمرت اقتصادات أوروبا في العمل كالمعتاد، ولكن تناقصت أعداد العمال والمستهلكين إلى مستوى غير مسبوق.

 

- نتيجة لذلك، ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي، واضطر أصحاب العقارات إلى خفض الإيجارات، بينما استفاد العمال من ارتفاع الأجور، وعانى أصحاب العمل في ذلك الوقت من النقص الحاد في عدد العمال، الذين لم يتمكنوا من الحصول عليهم حتى بعد زيادة أجورهم 3 أضعاف.



- في عام 1949، حاولت فرنسا الحد من الأجور، ولكن الحكومة سرعان ما اكتشفت أنها وسيلة فاشلة لتشغيل اقتصاد يعاني نقصًا حادًا في العمالة.

 

- على الرغم من ارتفاع الأجور، انخفضت أسعار المواد الغذائية والأراضي خلال فترة "الطاعون الأسود". وفي إنجلترا، تمكن العمال فجأة من تحمل أسعار اللحوم والفراء. فعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة اللحوم في الوجبات الغذائية لسكان مقاطعة نورفك الإنجليزية من 4% في أواخر القرن الثالت عشر إلى 30% في أواخر القرن الرابع عشر.
 

ماذا عن اليوم؟
 

- أخيرًا، يشير الكاتب إلى أن عصر تسوية التفاوت في الثروة من خلال العنف والحروب قد انتهى، فمع تركز القوة العسكرية في يد عدد قليل من الدول، والتطور المذهل الذي شهدته تكنولوجيا التسليح، من غير المرجح أن يشهد العالم صراعات على غرار الحرب العالمية الثانية.

 

- أما الثورات الشيوعية، فقد أصبحت من بقايا الماضي، وغالبًا لن تتكرر، كما تخلت كل من روسيا والصين عن محاولتهما لإعادة توزيع الثروة. ويبدو أيضًا أن فرضية انهيار الدولة غير محتملة، فعلى الرغم من وجود دول هشة اقتصاديًا في العالم النامي، إلا أنها في النهاية ليست كيانات اقتصادية رئيسية.



- أما فكرة انتشار الأوبئة، فقد انتهت منذ عصور، ولكن على الرغم من أن احتمال اندلاع أي وباء ممكن دائمًا، إلا أنه في ظل التقدم البشري في المجال الطبي فإن احتمال وقوع "طاعون أسود" آخر، أمر مشكوك فيه.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة