نبض أرقام
02:58
توقيت مكة المكرمة

2024/05/21
2024/05/20

سر الأرقام الثلاثة الأخيرة برقم جوالك .. كيف يتم التلاعب بعقل المستهلك والمستثمر؟

2018/03/03 أرقام - خاص

سريعًا قبل أن نبدأ: خذ الأرقام الثلاثة الأخيرة من رقم جوالك، وأضف إليها 500. بمعنى إذا كان رقمك ينتهي مثلًا بـ 365 اجمعه على 500. سوف يعطيك هذا 865.
 

الآن، أجب عن هذا السؤال: في أي عام توفي "يوسف بن تاشفين"؟. فكر وخذ وقتك!
 

على الرغم من أن رقم جوالك لا علاقة له بوفاة "بن تاشفين" إلا أنك ستلاحظ أن إجابتك عن السؤال المطروح أعلاه سوف تدور حول الرقم الذي حصلت عليه بالأعلى: 865.
 

 

أيًا كان العدد الذي ستحصل عليه من جمع الأرقام الثلاثة الأخيرة من رقم جوالك إلى 500، سيقع تخمينك لتاريخ الوفاة بالقرب من هذا العدد. وبما أنك فهمت الخدعة الآن ستتحيز ضد هذا التأثير وتحاول تجنبه، لذلك يمكنك إجراء هذه التجربة على صديق لك. ستدهشك النتائج!
 

لكن، لماذا يحدث هذا؟ ما هو الجزء المفقود من الأحجية؟ ببساطة، هذا يحدث بسبب ظاهرة نفسية يمتد تأثيرها على الفرد من السوبر ماركت إلى سوق الأسهم يطلق عليها علماء النفس "الإرساء" أو (Anchoring). ما الذي تعنيه هذه الظاهرة؟ وما تفسيرها؟ وكيف تؤثر على جوانب كثيرة من حياتنا؟ تابع القراءة.
 

أقوى العروض والخصومات.. سارع قبل نفاد الكمية
 

- تمشي إلى جانب أسرتك في المركز التجاري الضخم، وفجأة تجد ابنتك الصغيرة تجذبك من ملابسك بيديها الصغيرتين، وتشير إلى فستان تريده معروض بأحد المحال التجارية. تأخذها وتقترب من المحل بإقدام تحسد عليه إلى أن تصبح في مكان يسمح لك بقراءة السعر المكتوب: 500 ريال.

 

- فجأة، تتثاقل قدماك وتتباطأ خطاك وتتحسس جيبك قبل أن تدير وجهك إلى ابنتك قائلًا لها: "يا عزيزتي، أليس لديك الكثير من الفساتين؟" في هذه اللحظة يقترب البائع، ويقول لك: "أنت محظوظ، هل تعلم أن هذا الفستان عليه خصم 25% لهذا الأسبوع فقط؟".

 

- في لحظة، تتغير نظرتك للسعر، وتجد نفسك تدفع الـ375 ريالًا وأنت مسرور وكذلك ابنتك. ولكن ما لا تعرفه هو أن البائع أكثر سعادة منكما. الكثير قد يرى أن ما حدث ما هو إلا فتاة مدللة وأب نزل على رغبتها. عفوا، الأمر ليس بهذه البساطة.



- كيف تعرف أن السعر الذي تدفعه هو السعر العادل؟ كيف يمكنك أن تحدد ما إذا كانت الصفقة رائعة أو لا؟ ببساطة أنت تحتاج إلى نقطة مرجعية، أو شيء تقيس على أساسه، أي شيء يساعدك على التقييم.

 

- ما حدث قبل قليل هو أن البائع جعل الـ500 ريال نقطة مرجعية لك تقيس على أساسها، وبالتالي بمجرد أن عرض عليك الخصم كنت أكثر من سعيد به لأنك قارنت الـ375 ريالا بالسعر المعروض. من الممكن جدًا أن السعر العادل لهذا الفستان لا يزيد على 100 ريال.

 

- في الحقيقة، لا يمكن لوم البائع وحده على هذا الأسلوب، وذلك لأن المستهلك نفسه يحب أن ينخدع به. لنفترض الآتي: تذهب إلى المركز التجاري بنية شراء قميص، تجد محلين أحدهما يعرض القميص بسعر 40 ريالا كاملة دون خصم والآخر يعرض القميص بسعر 100 ريال ولكن بخصم 60%، أي أنك ستدفع أيضًا 40 ريالا.



- أيهما ستختار؟ الأغلبية الساحقة منا ستختار القميص الثاني المعروض عليه خصم، وذلك لأننا وقعنا للتو في فخ تحيز "الإرساء". قمنا بالمقارنة بين السعر قبل وبعد الخصم. القميص الثاني من الممكن جدًا أن سعره يساوي 40 ريالا، ولكن بسبب أن صاحب المحل يفهم سلوك المستهلك، يلعبها بهذه الطريقة. لأنه يعلم أنه لو عرض عليك الـ40 ريالا مباشرة قد لا تشتري.

 

- مشكلة هذا التحيز هي أن تركيزك ينصب على السعر فقط، فقد يكون القميص الأول المكتوب عليه 40 ريالا غير قابلة للمساومة أفضل جودة من الثاني، ولكنك لا تلقي بالًا لهذه الحقيقة لأنك ترغب في اقتناص ما تعتقد أنها صفقة رائعة.
 

تحرر من هذا التأثير ولا تجعلهم يستغلونك
 

- الكثير من أصحاب الأعمال يفهمون هذه الظاهرة النفسية ويستغلونها جيدًا. هناك حركة شهيرة يعرفها الخبراء بالسوق العقاري. ما يحدث هو أن الوسيط العقاري الذي تذهب إليه بحثًا عن بيت تشتريه، يأخذك إلى المنطقة ويعرض عليك في البداية أغلى بيت فيها. لماذا؟ لكي تبدو أسعار البيوت التي سيعرضها عليك لاحقًا رخصية، لأنه متأكد من أنك ستقارن بالنقطة المرجعية التي ساقها لك دون أن تشعر.

 

- هذا التكتيك يستخدم منذ عقود، وعلى عكس غيره من غير المرجح أن يصبح موضة قديمة، لأن الشركات والمحال التجارية تدرك جيدًا أن 99% منا لا يدركون أنهم واقعون تحت تأثير هذه الظاهرة النفسية.

 

- هل تعرفون لعبة الروليت؟ في عام 1974 قام عالما النفس "عاموس تفيرسكي" و"دانيال كانمان" في إطار دراسة تحت عنوان "الحكم تحت الشك: الاستدلال والتحيز" بإجراء تجربة طلب من المشاركين فيها إلقاء كرة الروليت على عجلة دائرية مقسمة الى 101 جزء مرقمة من صفر إلى 100.



- بعد ذلك، تم سؤالهم عما إذا كانت النسبة التي تشكلها الدول الأفريقية أعلى أو أقل من الرقم الذي وقعت عليه الكرة حين ألقوها، قبل أن يطلبا منهم إعطاء تقديرات فعلية لهذه النسبة. وجدت الدراسة أن الرقم العشوائي الذي وقعت عليه الكرة كان له تأثير واضح على إجابات الطلاب.

 

- على سبيل المثال، عندما وقعت الكرة على الرقم 10 كان متوسط تقديرات الطلاب للنسبة التي تشكلها الدول الأفريقية بالأمم المتحدة تساوي 25%، بينما عندما وقعت الكرة على الرقم 60 كان متوسط التقديرات يساوي 45%.

 

- كما ترون، كان لهذا الرقم العشوائي الذي حصلوا عليه للتو تأثير "الإرساء" على تقديراتهم، وذلك على الرغم من أن هذا الرقم لا توجد له أي علاقة بموضوع السؤال، تماما كما فعلنا بقصة الأرقام الثلاثة الأخيرة من جوالك والرقم 500.
 

في سوق الأسهم .. أسهل طريقة لخسارة الأموال
 

- على سبيل المثال، لنفترض أن الشركة "س" حققت إيرادات قوية خلال العام الماضي، وارتفع على أثر ذلك سعر سهمها من 25 ريالا إلى 100 ريال. ولكن لسوء الحظ، قرر أكبر عميل لدى الشركة (المسؤول عن 50% من إيراداتها) فجأة في بداية هذا العام التعامل مع شركة أخرى.

 

- هذا التطور أدى إلى انخفاض سعر السهم من الـ100 ريال إلى 30 ريالا حاليًا. في كثير من الأحيان يعتقد المستثمر خطأً أن هذا السهم مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، لا لشيء إلا لأنه يتذكر أن هذا السهم كان في وقت من الأوقات يساوي 100 ريال. هذا الشخص وقع للتو فريسة لتأثير "الإرساء"، ولا يدرك أن هذا الانخفاض يعكس تغير الأساسيات المالية لـ"س".

 

- لا يوجد أي سبب منطقي يجعلك تعتقد أن ما حدث بالماضي سيحدث مجددًا في المستقبل، وخاصة في سوق مثل سوق الأسهم. كون أن سهم الشركة "س" الذي كان يتم تداوله في الماضي عند 100 ريال أصبح يساوي 30 ريالًا فقط لا يجعله سهمًا جذابًا يجب عليك اقتناصه. لأن الأساسيات قد تدفعه إلى مزيد من الانخفاض.



- نحن هنا، لا نقول لك اشتر السهم "س" أو بعه، ولكن ننبهك إلى أن تركيزك فقط على الأسعار التاريخية للسهم وتجاهلك للأساسيات خطأ فادح، ستدفع ثمنه عاجلًا أو آجلًا.

 

- مثال من العالم الحقيقي: في ديسمبر/كانون الأول 2013 كان سهم شركة "أمازون" يتحرك حول 390 دولارا للسهم. المستثمر الذي وقع تحت تأثير "الإرساء" في ذلك الوقت لم يتحمس للسهم واعتقد أنه مبالغ فيه، وذلك لأنه قارنه مثلًا مع سعره في نفس الشهر من العام 2012، حين كان يتحرك حول 250 دولارا.

 

- هذا الشخص اعتمد فقط على الاتجاهات السابقة وتجاهل أساسيات السوق التي تشير إلى توسع "أمازون" وبهذه الطريقة فوت على نفسه فرصة استثمارية رائعة. سهم "أمازون" الذي تجاوز 1500 دولار في فبراير/شباط.

 

كن ثقيلًا ولا تتأثر بالضجيج

 

- خلاصة الكلام: شيئان يجب أن يركز عليهما كل من يرغب في النجاح في سوق الأسهم، الأول أساسيات السهم المستهدف والثاني هو فهم أهدافه الاستثمارية. هذا سوف يسمح لك باتخاذ قرارات عقلانية يدعمها الأداء المالي الفعلي للشركة، ولا تعتمد على المعنويات المؤقتة للسوق.

 

- التركيز على اتجاهات الأرباح على المدى الطويل يمكنك من التعرف على الأسهم التي سيرتفع سعرها بسبب تحسن أساسياتها واقتناصها قبل الجميع، وفي نفس الوقت سيساعدك على التعرف على الأسهم التي تحتاج للتخلص منها لأن أساسياتها تشير إلى انخفاضها على المدى الطويل. هذا لن يحدث لو كان تركيزك فقط منصبًا على الأسعار التاريخية للسهم.

 

- المستثمر الذكي هو من يستثمر على المدى الطويل ولا يسمح للتقلبات المؤقتة للسوق أن تؤثر على قراره. اثبت وكن ثقيلًا، ولا تكن مثلًا تستثمر في البتروكيماويات وتجد أن السوق العقاري يرتفع، فتقوم ببيع حيازاتك في الأول وتقفز إلى الثاني. بمجرد أن تدخل العقارات تأخذك وتهبط، لأنه اتضح أن الأمر كان ارتفاعا مؤقتا، وفي نفس اللحظة ترتفع البتروكيماويات التي قفزت منها لتوك! هذا هو حال كل من يتجاهل أساسيات السوق.

 

- هذا هو السبب في أنك ترى أحيانًا مستثمرا ذا خبرة متوسطة يحقق أرباحا أعلى من أناس دخلوا السوق أول مرة قبل 3 عقود. ببساطة الأول صبور ويراهن على انعكاس أساسيات السوق على سعر السهم على المدى الطويل، أما الثاني لا منهجية له سوى ملاحقة الأسعار.

 

- تشير الدراسات إلى أن 98% من التحركات اليومية لأسعار الأسهم هي نتاج الضجيج ولا تدعمها الأساسيات المالية. كما أن الخطوات التي تأخذها البورصات كل 10 سنوات تحركها فقط أساسيات السوق.



- أساسيات، أساسيات، أساسيات.. كررنا هذه الكلمة كثيرًا. أي شخص له علاقة بسوق الأسهم يعرف ما تعنيه هذه الكلمة، ولكن لا مشكلة في الإشارة إلى معناها هنا:

 

- أساسيات الشركة ببساطة هي خصائصها التي تظهرها بياناتها المالية والتي توضح مواطن القوة الأساسية لديها. مثل الميزة التنافسية ومعدل نمو الأرباح والإيرادات والحصة السوقية وكفاءة الإدارة. هذه الأشياء هي المقاييس الحقيقية للإمكانات المستقبلية لأي شركة.

 

- أخيرًا، ظاهرة "الإرساء" أثارها تصبح أسوأ بكثير عندما يتعلق الأمر بالاستثمار. والمشكلة هي أن الكثيرين لا يدركون وجودها أساسًا، وذلك ربما لأنها مدمجة تقريبًا في نظامنا العصبي.

 

- بالمناسبة، قبل أن ننسى: توفي "يوسف بن تاشفين" في شهر محرم من عام 500هـ عن عمر يقارب المائة عام، متعكم الله بالصحة والعافية وجنّبكم  فخاخ "الإرساء".

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة