نبض أرقام
17:13
توقيت مكة المكرمة

2024/05/11
2024/05/10

الهند.. بلد المتناقضات الاقتصادية المدهشة

2018/09/28 أرقام - خاص

إحدى الدول الخمس الأكبر اقتصاديًا بحلول عام 2050، وإحدى أكثر الدول معاناة من سوء توزيع الدخل، دولة تسجل معدلات نمو كبيرة للغاية، ولكنها تواجه زيادة سكانية كبيرة للغاية تكاد تبتلع ثمار التنمية، وعلى الرغم من أن تلك الجمل تبدو متناقضة إلا أنها جميعًا تصف دولة واحدة وهي الهند.

 

 

بنية اقتصاد غريبة

 

مع معدل نمو سنوي يبلغ متوسطه 7% خلال الأعوام العشرة الأخيرة حققت الهند طفرة كبيرة للغاية في الناتج المحلي للبلاد بما جعلها المرشحة الأبرز للالتحاق بالصين والولايات المتحدة في وقت لاحق على قمة هرم الاقتصاد العالمي، على الرغم من الفجوة الكبيرة للغاية بينها وبينهما في الوقت الحالي، والتي تتجاوز 10 تريليونات دولار، غير أن الصورة لا تبدو وردية بهذا الشكل.

 

فبنية الاقتصاد الهندي تبدو غريبة للغاية، ولا تتفق مع مثيلاتها لا في الدول المتقدمة ولا النامية، فنصف العاملين في البلاد يعملون في الزراعة لتوفير الغذاء لأكثر من 1.3 مليار نسمة، وعلى الرغم منذ ذلك فإن القطاع لا يسهم بأكثر من 17% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يسهم قطاع الخدمات، والذي تلتحق به ثلث القوة العاملة بحوالي 54% ، ويقدم القطاع الصناعي ويشغله سدس القوة العاملة حوالي 29% من الناتج المحلي.

 

أما في الدول المتقدمة فلا تتعدى نسبة العاملين في القطاع الزراعي 1-3% بشكل عام، وإسهامه في الناتج المحلي كذلك –باستثناءات قليلة منها بعض الدول الاسكندنافية-، بينما في الدول النامية لا يبلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي مثل هذا العدد الكبير (النصف)، ولكن هذا العدد الكبير يقدم قرابة 8% من الإنتاج الغذائي العالمي.

 

ويعكس هذا عدم قدرة العاملين في الزراعة في الهند –على كثرتهم- على توليد دخل كذلك القائم في القطاعين الخدمي والصناعي، وعلى الرغم من أن هذا هو الوضع في مختلف دول العالم تقريبًا تزيد نسبة العاملين بالزراعة الكبيرة للغاية في الهند من صعوبة الوضع هناك.

 

توزيع دخل مختل

 

ووفقًا لتقرير للبنك الدولي حول الاقتصاد الهندي، لا تزال حالة عدم العدالة في توزيع الدخل صارخة للغاية في الهند، فحوالي 5% من السكان (الأغنى) يحصلون على قرابة ثلث الدخل، بينما يحصل 60% (الأفقر) على الثلث، وذلك على الرغم من انخفاض معدلات الفقر من أكثر من 50% في سبعينيات القرن الماضي إلى قرابة 10% في 2016، إلا أن ما يجنيه الفقراء من ثمار التنمية يبقى أقل.

 

 

ولعل هذا هو ما دفع بالكثير من التحذيرات حول خطورة تراجع قيمة الروبية الشديد على الفقراء، نظرًا لاستيراد الهند للكثير من المحاصيل الزراعية بما أدى لرفع أسعارها لا سيما مع الجفاف الذي ضرب الهند أكثر من مرة منذ عام 2015 وأدى لتراجع لافت في إنتاجية الكثير من المحاصيل وزاد من السلع التي تستوردها "نيودلهي".

 

وتبقى معدلات النمو السكاني إحدى أهم العقبات التي تعترض حصول الهنود على مزايا النمو الاقتصادي الكبير، ففي الوقت الذي تحقق فيه الصين معدلا لا يتجاوز 0.5% سنويًا، والولايات المتحدة 0.7% تسجل الهند معدل 1.2% بما يزيد من الضغوط الكبيرة بالفعل على الموارد الزراعية للبلاد، فضلًا عن تقليص أثر النمو الاقتصادي لا سيما إذا تم استبعاد أثر التضخم من المعادلة أيضًا.

 

وعلى الرغم من تدني نسبة البطالة في الهند، حيث تراوحت خلال الأعوام العشرة الأخيرة بين 3.5-4% إلا أن هذا يرجع بالأساس إلى الاعتماد على البرامج الحكومية لتشجيع الصناعات الصغيرة كثيفة الاستخدام للعمل والتي قد تمتص البطالة ولكنها لا توفر الرواتب الجيدة، وبالتالي تسهم في زيادة حالة غياب العدالة الاقتصادية بشكل غير مباشر.

 

بنية تحتية ضعيفة

 

وفي الوقت نفسه تزيد السياسات البنكية الهندية من الاستقطاب الطبقي، حيث تقدر دراسة للبنك المركزي الهندي حجم الأموال التي يحصل عليها "كبار المدينين" من البنوك بـ56-88% من القروض التي تقدمها الأخيرة، بما يخدم نمو الشركات والقطاعات الكبيرة على حساب تلك الأصغر.

 

كما أن حالة البنية التحتية الهندية المتدهورة تحول دون تحقيق نيودلهي لمعدلات نمو أعلى مما تحقق بالفعل، وعلى سبيل المثال فإن الشاحنات التي تحمل الحاويات للسفن تقطع 250-300 كيلومتر في اليوم في الهند، بينما تقطع الشاحنات نفسها 700-800 كيلومتر في الولايات المتحدة وأوروبا، بما يؤشر لأزمة كبيرة في الخدمات اللوجيستية. بل تحتل الهند المركز الأخير من حيث جودة البنية التحتية في منطقة جنوب وشرق آسيا وتتقدم عليها دول مثل إندونيسيا.

 

 

وحاولت الحكومات الهندية المتعاقبة إقرار برامج إصلاح اقتصادي متعددة رغبة منها في معالجة مشكلات غياب العدالة في توزيع الدخل وسوء حالة البنية التحتية ومواجهة الزيادة السكانية دون تحقيق نتائج كبيرة، ليبدو أن الهند تصر على أن تكون بلد المتناقضات الاقتصادية بجدارة.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة