نبض أرقام
23:13
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20

المخ والعضلات! .. كيف تُدار حروب الأسعار بين الشركات؟

2018/10/26 أرقام - خاص

في سعيها لاجتذاب العملاء والسيطرة على أكبر حصة سوقية ممكنة تستحدم الشركات مجموعة واسعة من الأدوات والتكتيكات لدرء المنافسين والإجهاز عليهم. ومن بين كل الأدوات التي يمكن أن تساعد الشركات على تحقيق هذه الغاية يبرز "السعر" باعتباره السلاح المفضل. ولكن المشكلة هو أنه بمجرد لجوء أي من اللاعبين في السوق إلى هذا الأسلوب سرعان ما تخرج الأمور عن السيطرة وتندلع حرب أسعار.

 

عادة ما يكون الهدف من وراء خطوة خفض الأسعار هو زيادة جاذبية المنتج، ولكن الشركات المنافسة التي بالتأكيد لن تقف مكتوفة الأيدي تراقب حصتها السوقية تضيع أمام عينها، ترد هي الأخرى بإجراءات انتقامية، لتدخل الصناعة أو القطاع بالكامل في حلقة مفرغة من الهجمات والهجمات المضادة تضر في النهاية بأرباح الجميع.

 

 

في أكثر الأحيان تؤدي حروب الأسعار إلى خلق أوضاع اقتصادية مدمرة لدخول الأفراد والشركات وكذلك لربحية الصناعة محل الصراع. وبغض النظر عن هوية الفائز، دائماً ما تخرج أطراف تلك الحرب من هذا النزاع أسوأ حالاً مما كانت عليه قبل التورط بهذا المستنقع. ورغم كل ذلك، لا تزال حروب الأسعار شائعة ومنتشرة إلى حد كبير.

 

لنفترض مثلاً أنك مدير مطعم، وفوجئت للتو بأن منافسك الكائن بنفس المنطقة قام بتخفيض أسعار أطباقه الرئيسية بنسبة 30%. كيف ستكون ردة فعلك؟ أو ما هو الإجراء الذي ستتخذه لكي تحافظ على قاعدة عملائك الذين ستغريهم بالتأكيد أسعار المنافس؟

 

بالنسبة للأغلبية – وهذا ينسحب أيضاً على مديري أكبر الشركات في السوق – الخطوة المنطقية التالية هي خفض الأسعار بنفس النسبة تقريباً لكي لا نخاطر بخسارة العملاء لصالح المنافس. لكن ما لا يدركه البعض هو أن الأمر قد لا ينتهي عند هذا الحد.

 

ماذا لو كان منافسك انتحارياً وعلى استعداد للنزول بالسعر إلى أي مستوى مهما كان الثمن، ماذا ستفعل؟ هل ستخفض السعر مرة أخرى؟ إذا فعلت فلن يطول الأمر كثيراً قبل أن تجد نفسك غير قادر على دفع رواتب موظفيك، وحينها ستبدأ في الاستغناء عنهم الواحد تلو الآخر. إذن كيف تتصرف؟ هذا مأزق بالتأكيد! أليس كذلك؟

 

أغلب الشركات التي تقع في هذا المأزق هي في الحقيقة ضحية تسرع وقلة خبرة إدارتها. فالكثير من اللاعبين في السوق حين يفاجئهم المنافس بهذه الحركة يشعرون وكأنهم محشورون في الزاوية وأنهم مجبرون على التورط في حرب أسعار لا يعلم أحد متى وكيف ستنتهي.

 

 

هذا يقودنا إلى السؤال المنطقي التالي: برأيك ما هي الخيارات التي قد تمتلكها بينما يصوب أحدهم بندقية تجاه رأسك؟ هل هي الإذعان أو الموت؟ إذا كانت هذه هي إجابتك فهي على الأغلب خاطئة. لأنه بإمكانك الاستيلاء على هذه البندقية منه، أو تصويب بندقية أكبر نحوه، أو أن تخدعه، أو أن تفعل أي شيء آخر من بين 156 خياراً آخر لديك.

 

في هذا التقرير سنركز بشكل رئيسي على فن الاستراتيجية وإدارة المعارك السوقية، وسنسرد أكثر من قصة لشركات نجحت إدارتها بذكاء وكفاءة في تجنيبها حرب الأسعار التي رآها كثيرون في ذلك الوقت على أنها حرب لا مفر منها.

 

الـ"ريتز كارلتون" .. لا للحرب

 

في العام 1997 عانت دول منطقة جنوب شرق آسيا من واحدة من أعنف الأزمات المالية في تاريخها. وكما هو الحال في كل الأزمات العالمية المشابهة شهدت قطاعات المنتجات والخدمات الفاخرة حالة ركود شديد. كما تعرض القطاع السياحي بدول المنطقة وخصوصاً ماليزياً إلى أضرار كبيرة جداً.

 

ورغم خسارة العملة الماليزية لما يقرب من نصف قيمتها وهو ما أدى إلى انخفاض تكلفة الإقامة إلا أن معدلات إشغالات الفنادق في ماليزيا انهارت تقريباً، وكانت الفنادق تتسول النزلاء حرفياً.

 

كيف تعامل مديرو الفنادق الفاخرة مع هذه الأزمة؟ أو كيف حاولوا جذب الزبائن؟ دخلت كل الفنادق الفاخرة في ماليزيا في حرب أسعار شهدت تخفيضات وتخفيضات مضادة. وفجأة أصبحت الفنادق الفاخرة في ماليزيا هي الأرخص على ظهر الكوكب. الجميع تورط في هذا الصراع ما عدا فندق واحد هو "ريتز كارلتون".

 

 

اختار "جيمس ماكبرايد" المدير العام السابق للفندق إبعاد "ريتز كارلتون" كوالالمبور عن هذا الصراع، وبدأ يبحث عن أساليب أخرى تمكنه من إنقاذ الفندق مالياً والنجاة به خلال هذه الفترة العصيبة اقتصادياً. كان "ماكبرايد" على استعداد للقيام بأي شيء إلا خفض الأسعار. كان هذا هو خطه الأحمر الوحيد.

 

في ذلك الوقت – تحديداً في الفترة ما بين عامي 1996 و1998 – كان حجم المعروض من الغرف الفندقية الفاخرة في ماليزيا كبيرا جداً، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار الغرف بنسبة 50% تقريباً. ولكن هذا لم يكن التحدي الوحيد الذي واجه "ماكبرايد". فعند وصوله إلى كوالالمبور لأول مرة في يونيو 1997 لتولي إدارة الفندق، كانت سماء العاصمة الماليزية يغطيها دخان الحرائق المشتعلة في الغابات الإندونيسية. الأمور بشكل عام لم تكن تمضي على نحو جيد.

 

على عكس نظرائه مديري الفنادق الفاخرة المنافسة، رأى "ماكبرايد" أن خوض الـ"ريتز كارلتون" حرب أسعار سيكون معركة خاسرة من شأنها إضعاف العلامة التجارية للفندق وإفقاده ما يميزه عن غيره من الفنادق المنافسة. فعندما تخفض الفنادق الفاخرة أسعارها لن يصبح بمقدورها تقديم الخدمات الفاخرة التي يتوقعها النزلاء.

 

دائماً هناك طريقة أخرى

 

أدرك "ماكبرايد" أن عملاء الفنادق الفاخرة (السياح الأثرياء) لا يهتمون بالسعر بقدر اهتمامهم بالقيمة المضافة التي يحصلون عليها.

 

بصحبة شيف وعازف بيانو كان "ماكبرايد" يذهب إلى مطار كوالالمبور كل يوم ليستقبل السياح الذين حطت للتو طائراتهم بالموسيقى والحلويات وكوبونات الخصم. البعض قد يرى ذلك طريفاً ولكن الأكثر طرافة هو أنه حين اقترح عليه المطار القيام بشيء آخر، طار إلى الفندق وقام بجلب دولاب وسرير وتلفاز ومجموعة أخرى من الآثاث والمفروشات ونصب نموذجا لغرفة الفندق أمام السياح في المطار.

 

ابتكارات "ماكبرايد" لم تقف عند مجرد جذب السياح إلى الفندق، بل امتدت لتشمل فترة مكوثهم فيه. فمن بين الأفكار المبتكرة التي اعتمدها الرجل هي مفهوم "الخدمة التكنولوجية"، حيث قام بتعيين موظفين مهمتهم الوحيدة هي صيانة أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بالنزلاء ومساعدتهم في الدخول على الإنترنت وحتى تنظيفها من الفيروسات.

 

 

أما الحركة الأكثر طرافة على الإطلاق، فكانت قيامه بوضع رقم جواله الشخصي في إعلانات الصحف، حتى يتمكن العملاء من الاتصال به مباشرة للحجز. وكان يتلقى بالفعل أكثر من 30 مكالمة في اليوم الواحد. وفي نفس الوقت كان الفندق يقوم بإهداء النزيل الذي يمكث لأكثر من 5 ليال وسادة صنعت خصيصاً لأجله. تكلفة هذه الوسادة لم تكن تذكر، غير أنها كانت لفتة طيبة يقدرها النزلاء.

 

كان مديرو الفنادق المنافسة يتندرون فيما بينهم على تصرفات "ماكبرايد" التي بدت غريبة. وهي كذلك فعلاً غير أنها كانت فعالة جداً. في الأسبوع الأول فقط لهذه الاستراتيجية، تخلى السياح القادمون إلى العاصمة الماليزية عن 200 غرفة فندقية كانوا قد حجزوها مسبقاً في فنادق أخرى ونقلوا حجوزاتهم إلى "ريتز كارلتون". ولم يمض الكثير قبل أن يصبح مصدر نصف نزلاء الفندق هي الحملة الترويجية "الغريبة" في المطار.

 

في خريف عام 1999، كان الـ"ريتز كارلتون" يتمتع بأعلى نسبة إشغال بين الفنادق الفاخرة في العاصمة الماليزية بعد أن ارتفعت من 50% في عام 1998 إلى 60%، وذلك على الرغم من أنه هو الفندق الوحيد الذي لم يخفض أسعاره. وفي نفس الوقت الذي كان يعاني فيه المنافسون من خسائر، كان الـ"ريتز" يحقق أرباحا شهرية قدرها 400 ألف رينجيت عن إيرادات تبلغ 2.2 مليون رينجيت.

 

وهكذا فاز الفندق بالحرب من خلال عدم دخولها من الأساس.

 

اللعب على المخاوف

 

هناك طريقة أخرى يمكن أن تساعد الشركات على تجنب التورط في حروب الأسعار، وهي توعية العملاء وتنبيههم إلى مخاطر ضعف الجودة. وهذا بالضبط ما فعلته إحدى كبريات شركات الأدوية متعددة الجنسيات حين كاد أن يدفعها أحد المنافسين إلى حرب أسعار، وذلك وفقاً لقصة نشرتها "هارفارد بيزنس ريفيو" في مارس/آذار عام 2000.

 

كانت هذه الشركة – لم يذكر اسمها – تنتج جهازا يساعد الأطباء في عملية التشخيص الطبي للمرضى، وكانت هي صاحبة الحصة الأكبر في سوق هذا النوع من المنتجات. فجأة طرحت إحدى الشركات المنافسة لها جهازاً مشابهاً ولكن بسعر رخيص جداً مقارنة بسعر الجهاز الأصلي.

 

صدمت إدارة الشركة متعددة الجنسيات بهذا السعر، واعتقدوا أن مسؤولي هذه الشركة أصابهم الجنون على الأرجح لأنه لا يمكن لأحد تحقيق أي ربح عند هذه المستويات من الأسعار، وحاولت أن تلفت نظر الشركة المنتجة للجهاز المنافس للعواقب الخطيرة لهذا النهج، ولكن دون جدوى.

 

 

بدلاً من التعاطي من المنافس والرد عليه بنفس الأسلوب وهو ما يعني التورط في حرب أسعار، ارتكزت استراتيجية الشركة متعددة الجنسيات في مواجهة منتج الشركة الأخرى على تنبيه العملاء إلى مخاطره وتحديداً مخاطر سوء جودته والعواقب السلبية لاستخدام منتج بهذه المواصفات.

 

تشير الكثير من الأبحاث إلى أن المرضى والأطباء ومختبرات الفحص يميلون دائماً إلى تجنب المنتجات المشكوك في أدائها. وعلى هذا الأساس وبدلاً من اللجوء إلى التنافس السعري لعبت الشركة متعددة الجنسيات على مخاوف العملاء بشأن أداء المنتج من خلال تحسين دقة نتائج جهازها الخاص وعرضها بشكل أكثر تفصيلاً، وفي نفس الوقت تنبيه العملاء المحتملين إلى مخاطر التشخيص الخاطئ أو غير المكتمل.

 

خسرت الشركة متعددة الجنسيات جزءًا ضئيلاً من حصتها السوقية لصالح المنتج الرخيص، ولكن تركيزها على الجودة ساعدها على الحفاظ على أسعارها كما هي وتحقيق أرباح معقولة دون الاضطرار إلى الدخول في حرب أسعار قد تدمر الشركة حرفياً.

 

أخيراً، إن الفكرة باختصار هي أنه يجب على أي شركة متورطة في حرب أسعار أو على شفا التورط في واحدة إدراك أن هناك ألف خيار آخر للدفاع عن نفسها ضد الهجمات من هذا النوع غير خفض الأسعار إلى مستويات يصبح معها تغطية التكاليف أمراً مستحيلاً.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة