نبض أرقام
05:20
توقيت مكة المكرمة

2024/05/15
01:12
2024/05/14

البنك الدولي.. الذراع الإنسانية "الضرورية" لضمان بقاء الرأسمالية العالمية

2018/11/03 أرقام - خاص

منذ "سيادة" نظام "بريتون وودز" على الاقتصاد العالمي حظيت مؤسساته الثلاث الرئيسية، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بالكثير من الانتقادات والجدل بسبب دورها الذي يتخطى السيادة الوطنية للدول.

 

غير أن تلك الانتقادات تركزت بصورة أكبر على صندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، لاتهام البعض لهما بالمساهمة في نشر الفقر وسوء توزيع الثروات، والتأثير السلبي على الصناعات الوطنية في الكثير من الدول، ليبقى البنك الدولي بمثابة "الضلع الإنساني" للنظام الاقتصادي العالمي، وفقًا لكثيرين.

 

 

مكافحة الفقر أولًا

ورغم وجوده منذ عام 1944 بهدف "الإنشاء والتعمير" وكان المقصود هنا المساهمة في إعمار الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية، ولا سيما دول أوروبا الغربية، إلا أن البنك الدولي أقر أهدافًا أكثر وضوحًا عام 2000 من خلال ما أعلن عنه في "قمة الألفية الإنمائية".

 

وبناء عليه امتدت أهداف البنك لتشمل محاربة الفقر المدقع والجوع، والعمل على توفير التعليم الأساسي (الابتدائي)، وتشجيع المساواة وتمكين المرأة، وخفض وفيات الأطفال ومكافحة الأمراض المستعصية مثل الإيدز والملاريا، فضلًا عن دعم التنمية المستدامة أي النمو الاقتصادي الذي يراعي البيئة.

 

ولعل مكافحة الفقر هي الهدف الأول للبنك الدولي حتى عام 2030، الذي أعلن أن هدفه بشكل أكثر تحديدا القضاء على "الفقر المدقع" (هؤلاء الذين يعيشون بأقل من دولارين يوميًا) بحلول ذلك العام، قبل أن يجعل هدفه إيصال النسبة إلى أقل من 3%.

 

وتشير أحدث بيانات البنك الدولي إلى تراجع الفقر حول العالم إلى 10% عام 2015 (آخر عام توافرت له بيانات بسبب تخلف بعض الدول في مجال جمع البيانات) مقارنة بـ11% عام 2011، بما يعكس تقدمًا مستمرًا (وإن كان بطيئًا) في هذا المجال.

 

كما تراجع عدد الفقراء من 1.9 مليار شخص عام 1990 إلى 736 مليونا عام 2015، إلا أن البنك يعترف بصعوبة إحداث المزيد من التحسن في هذا المجال بسبب صعوبة الوصول إلى الفقراء الذين يتركزون في دول شديدة الفقر وفي مناطق نائية وبلا خدمات بنية تحتية ملموسة.

 

مكافحة الأمية

 

وغالبًا ما ترتكز وسيلة مكافحة الفقر لدى البنك الدولي على إمداد الدول بما تحتاجه من بنية تحتية من مياه نظيفة وطرق وصرف صحي وغير ذلك، بما يضمن للكثير من المناطق النائية الاندماج بصورة أكبر في الانشطة الاقتصادية ويقلص "تلقائيًا" من مستويات الفقر فيها.

 

 

وكثيرًا ما يوقع البنك الدولي أيضًا "بروتوكولات تعاون" مع الدول النامية من أجل إقرار أساليب جديدة وفعّالة لمكافحة الفساد في تلك الدول وإقرار إنشاء وتطوير مؤسسات مستقلة في تلك الدول تعمل على مكافحة الفساد، بوصفها وسيلة غير مباشرة لمجابهة انتشار الفقر.

 

وحقق البنك الدولي إنجازات ملومسة في مجال "نشر الحد الأدنى من التعليم"، فمن خلال برامجه لإقامة المدارس ودعمها ماديًا في الدول الفقيرة تمكن من تقليص عدد الأطقال المتسربين من التعليم الابتدائي من 200 مليون شخص عام 2010 إلى 140 مليون عام 2014، ومن المتوقع أن يقل العدد عن 100 مليون بحلول نهاية هذا العام.

 

وتأتي أفغانستان في صدارة الدول المستفيدة من جهود البنك الدولي في هذا المجال، فبعد عقود من الصراع السياسي والعسكري الداخلي لم يكن التعليم في صدارة الأولويات، وساهم البنك  في بناء 1100 مدرسة تستوعب قرابة 9 ملايين طالب بما قلص كثيرًا من نسب الأمية في البلاد.

 

وتنبع أهمية هذا البرنامج أيضًا في ظل تدني نسبة التعليم في أفغانستان، إذ لا تتعدى نسبة القادرين على الكتابة والقراءة 31% فقط من السكان، ومع برامج البنك الدولي من المتوقع ارتفاع تلك النسبة إلى ما يزيد على 50% بحلول عام 2025، مع ارتفاعها إلى أكثر من 70% بنهاية العقد المقبل.

 

"أنشطة أخرى"

 

وفي دولة مثل "تشيلي" أقر البنك الدولي برنامجًا موسعًا لحماية عمال المناجم من خلال منح للحكومة لتحسين ظروف العمل وتوفير وسائل الأمان الصناعي، بما انعكس في صورة تراجع كبير في حوادث المناجم خلال الخمس سنوات الأخيرة بنسبة وصلت إلى 75%.

 

كما اقر البنك برنامجًا موسعًا لاستيعاب الأطفال في مناطق المناجم في المدارس لتقليص التحاقهم بالعمالة في المناجم، وتقلصت العمالة بالفعل من 30% إلى 10% خلال الخمس سنوات الأخيرة كما تقلصت معدلات الأمية في تلك الأماكن أيضًا.

 

وأنفق البنك الدولي ملياري دولار لمكافحة الإيدز خلال العشر سنوات الأخيرة ولا سيما في دول إفريقيا الفقيرة، وعلى الرغم من إصابة 1.8 مليون شخص جديد بالمرض خلال عام 2016، ووصل الرقم الإجمالي إلى 36.7 مليون شخص حول العالم إلا أن معدلات الإصابة بالمرض تتراجع.

 

 

وترصد منظمة الصحة العالمية تراجعا نسبته 40% في نسبة الزيادة في أعداد المصابين بالمرض خلال العقد الأخير، وتعزو ذلك جزئيًا إلى برامج التوعية الواسعة التي أقرها البنك في الدول التي تعاني معدلات إصابة عالية ولا سيما في الدول الإفريقية الفقيرة.

 

انتقادات لاذعة

 

وعلى الرغم من دور البنك الدولي الإيجابي "إنسانيًا" إلا أنه كثيرًا ما يثير الانتقادات بوصفه الباحث دومًا عن "الحد الأدنى"، فبمجرد تحقق هدف البنك بتذويب "الفقر المدقع" في مكان ينتقل إلى غيره دون وضع أسس مستمرة ومتابعة بقاء هؤلاء الذين تم إنقاذهم من براثن الفقر فوق خط الفقر باستمرار (فضلًا عن ابتعادهم عنه تمامًا).

 

كما تثار الانتقادات حول دور البنك في أهم مناطق وجوده، وهي إفريقيا جنوب الصحراء حيث لا يزال 41% من الذين يعانون فقرًا مدقعًا يتركزون في تلك المنطقة، والنسبة الأكبر من مصابي الإيدز حول العالم هناك أيضًا.

 

بل وباعتراف البنك نفسه فإن أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون في مستوى أقل من 5.5 دولار في اليوم، بما يجعلهم في مقياس الدول المتقدمة من الفقراء (أو هؤلاء الذين يعانون فقرًا مدقعًا بالأحرى) وإن كانوا في دولهم النامية من الطبقة فوق المتوسطة.

 

ويتفق هذا الحد مع مطالبة الكثيرين بجعل الحد الأدنى الذي يعرف الفقر 3-3.5 دولار، بسبب ارتفاع المستوى العام لأسعار الغذاء عالميًا، بما سيجعل قرابة ثلث سكان العالم من الفقراء، وسيجعل إنجازات البنك في محاربة الفقر محل شك وإعادة تقييم.

 

وعلى الرغم من وصول آجال السداد في بعض قروض البنك الدولي إلى 35-40 عامًا وبفائدة تصل إلى 0.75% سنويًا في بعض الحالات، إلا أن حالة بعض الدول لا تسمح بإمكانية إعادة سداد تلك القروض، التي يمكن توجيهها كمنح لإحداث الأثر المنشود بدلًا من استمرار تلك الدول في مربع الديون والفقر.

 

كما تثار نفس الانتقادات المتعلقة بصندوق النقد الدولي، حيث تسيطر 5 دول فحسب، أمريكا واليابان وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، على  ثلث رأس مال البنك بما يعطيها اليد العليا في تعطيل أو تسريع أعمال البنك وتتدخل العوامل السياسية بشدة في أعمال البنك "الإنسانية".

 

 

ويؤدي هذا لفرض البنك الدولي لأجندته في التنمية الاقتصادية بعيدًا عن رغبات الدول، ففي غالبية الحالات يقوم البنك باقتراح مشروعات البنية التحتية ويحدد مبالغ مساهمته بها، ليفرض على الحكومات المشاركة بها طمعًا في التمويل، حتى لو لم تكن تلك المشروعات في صدارة أولويات تلك الدولة في هذا التوقيت.

 

بل ووصل الأمر بالمفكر الأمريكي "ناعوم تشوميسكي" إلى التشديد على أن البنك الدولي لا يفعل شيئًا حقيقيًا لمكافحة الفساد ولا الفقر، وأن كل وظيفته هو التأكد من بقاء الحد الأدنى اللازم لاستمرار النظام الرأسمالي العالمي.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة