نبض أرقام
17:34
توقيت مكة المكرمة

2024/05/16

كيف أصبح التعدين صناعة عالمية "مزدهرة" وتحاصرها التحديات في ذات الوقت؟

2019/06/30 أرقام - خاص

لا شك أنه يصعُب تخيل عالمنا المعاصر بدون القدرة على إنتاج أجهزة ومعدات مثل الحاسب الآلي والسيارات والثلاجات وغيرها من أشكال التكنولوجيا الحديثة، وكل هذا يرتبط وجودًا وعدمًا بصناعة قديمة للغاية وهي التعدين.
 

 

صناعة قديمة- جديدة
 

وعلى الرغم من قدم الصناعة إلا أنها شهدت نمواً استثنائياً في الأعوام الأخيرة، وتقدر "برايس ووتر هاوس كوبرز" أن صناعة التعدين شهدت زيادة في العائدات بلغت 23% في عام واحد (2017) كما شهدت زيادة مقاربة خلال عام 2018 (لم يتم حصرها بعد لكبر حجم الصناعة وتشعبها) بما يؤشر لاتجاه الصناعة للانتعاش مستقبلًا.
 

ويرجع النمو اللافت في حجم الصناعة إلى "الازدهار" الشديد الذي تشهده الأسواق الناشئة والصين في مجال إقامة البنية التحتية والبناء والتعمير، ولذلك يصف التقرير التعدين بـ"صناعة الفقراء ومتوسطي المستوى"، وليست مثل التكنولوجيا "صناعة الصفوة" وأغنياء العالم.
 

ويصعب وضع تقدير دقيق ومحدد لحجم عائدات صناعة التعدين حول العالم بسبب وجود آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في هذا المجال، ولا يمكن حصر أنشطتها بالدقة اللازمة، ويكفي للاستدلال على حجمها الضخم أن أكبر 40 شركة تعمل في هذا المجال تحقق عائدات تقترب من 650 مليار دولار، وفقًا لموقع "ستاتيكا" المتخصص في الإحصائيات.
 

ويقدر المجلس العالمي للتعدين والمعادن إجمالي حجم الصناعة بحوالي 1.5 تريليون دولار، بما يجعل الشركات الأكبر مسيطرة على قرابة 44% من حجم الإنتاج العالمي، ويكشف عن صناعة متناقضة للغاية، فهي شديدة التركيز في جزء منها، غير أن آلاف المنتجين صغار الحجم يقدمون غالبية منتجات الصناعة.
 

نمو في الطلب
 

وأكبر الشركات العالمية في التعدين هي "جلينكور"، وهي شركة بريطانية- سويسرية ويبلغ حجم عائداتها 220 مليار دولار، وتعمل على استخراج كافة المعادن من نحاس وحديد وزنك وغيرها، ولها انتشار في قارات العالم الست.
 

 

ويعمل في هذه الشركة 158 ألف عامل وموظف، يما يجعل تخيل حجمها الضخم ممكنًا من حيث التشغيل والعمالة، ويرجع هذا بطبيعة الحال إلى أنه على الرغم من التكنولوجيا الحديثة إلا أن صناعة التعدين لا تزال صناعة كثيفة الاستخدام للعمالة حتى في الدول المتقدمة (وإن كانت بدرجة أقل من نظيرتها النامية بطبيعة الحال).
 

وتقدر "برايس ووتر هاوس كوبرز" نمو صناعة التعدين حول العالم بـ50% خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بسبب الطفرة الكبيرة في الطلب في الدول النامية من جانب، واستمرار الطلب الأمريكي والأوروبي في مستويات "مُرضية"، خاصة في ظل تسجيل أوروبا لمعدلات نمو متدنية نسبياً.
 

ولعل التوجه نحو عالم بـ"انبعاثات كربونية أقل" يعد أحد أهم الأسباب التي تدعم صناعة التعدين عالمياً، وذلك للعديد من الأسباب لعل أهمها الحاجة إلى إحلال نسبة كبيرة من البنية التحتية القائمة بأخرى ملائمة للتوجه الجديد.
 

استقرار
 

غير أن العامل الأهم يبقى في حقيقة أن كافة أشكال التكنولوجيا الجديدة التي تستخدم الطاقة النظيفة أكثر استهلاكًا للمعادن، وتتفاوت الاختلافات لكنها تتراوح بين 5-15% وفقًا لموقع "ماينينج" المختص بشؤون التعدين.
 

ومع وضع الأمم المتحدة والعديد من الدول الكبيرة، أبرزها ألمانيا، عام 2030 كهدف زمني لتقليص الانبعاثات الكربونية بنسبة 40% فإن هذا يؤشر على استمرار استفادة التعدين من اتجاه الاعتماد على الطاقة المتجددة في نمو الصناعة مستقبلًا.
 

ووفقًا لـ"فاينانشيال تايمز" فإن صناعة التعدين استثمار مُتفرد في عالمنا المعاصر، ففي ظل حصول الشركات التكنولوجية على قروض تقترب من 100% من حجم رأس المال في الكثير من الأحوال، فإن النسبة في صناعة التعدين تبلغ 16% فقط.
 

ويعود هذا إلى قدم الصناعة واستقرارها، بما يجعلها أقدر من غيرها في الاعتماد على إيراداتها من أجل بناء رأس المال، أي تحويل الأرباح إلى رأس مال، فضلًا عن أن التوسعات لا تأتي إلا استجابة لتزايد الطلب بما يجعل تسويقه سهلًا وميسورًا عن الكثير من المنتجات.
 

 

وتصف "برايس ووتر هاوس كوبرز" صناعة التعدين بأنها أحد أكثر الصناعات الحالية استقرارًا بسبب القدرة على تحقيق أرباح اعتمادًا على الحد الأدنى من رأس المال وبسبب وجود أصول واضحة تضمن أية التزامات، فضلًا عن مرونة العرض الذي سيتراجع إذا تراجع النمو الاقتصادي العالمي وأصبح استخراج بعض المعادن من بعض الخامات غير مجدٍ اقتصادياً.
 

عوامل مُقلقة
 

وعلى الرغم من كافة المؤشرات "المبشرة" بشأن الصناعة إلا أن معدل نمو عالمي يقل عن 4% خلال الأعوام المُقبلة من شأنه التأثير سلبًا على توقعات نموها، وإن بقت قادرة على النمو باستمرار ما بقي معدل النمو العالمي موجبًا.
 

كما تشكل الزيادة المضطردة في تكلفة العمالة عقبة أمام استمرار الصناعة في تحقيق أرباح جيدة، حيث ازدادت تكلفة العمالة بنسبة 5% خلال العام الماضي ومن المتوقع تسجيلها زيادات قياسية خلال الأعوام القليلة المقبلة.
 

ويرجع السبب وراء تلك الزيادة إلى أكثر من سبب، لعل أهمها الندرة النسبية في العمالة الماهرة المؤهلة، حيث يشير تقرير لموقع "ماينيج تكنولوجي" إلى أن هناك فجوة في العمالة تصل إلى 20%، بما يجعل الصراع على العمالة المؤهلة كبيرًا ويزيد من أسعارها.
 

كما تزداد تكلفة العمالة بسبب إقرار الكثير من الدول النامية لقوانين أكثر تشددًا في مجال التعدين لحماية العمالة، حيث أقرت قرابة 70 دولة قوانين أكثر تشددًا لحماية العاملين خلال العقد الأخير، بما جعلهم يحصلون على أجور أعلى من جهة، وزاد من تكاليف أنظمة الأمان الصناعي من جهة أخرى.
 

مخاوف أخرى
 

وتتزايد أهمية تكلفة العمالة على صناعة التعدين إذا ما أخذنا في الاعتبار أنها تشكل 32% من كامل نفقات أكبر 40 شركة في العالم، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الشركات هي الأكثر استثمارًا في المعدات والتكنولوجيا بما يجعل تلك النسبة تتضاعف مع زيادة الاعتماد على العامل البشري في الشركات الأصغر حجمًا.
 

وعلى سبيل المثال فإن إضرابات 2017 في تشيلي كلفت الصناعة، في الدولة الغنية بالمناجم، قرابة مليار دولار، حيث اعترض العمال على ضعف إجراءات السلامة والأمن الصناعي بالمناجم في ظل تزايد الحوادث بها، بما يحتم ضرورة مراعاة مطالب العمال المادية وتلك المتعلقة بالسلامة، وهو أمر "إنساني" بطبيعة الحال، ولكن له تأثيرات اقتصادية من حيث التكلفة.
 

 

ويحذر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي من "تراجع لافت" في موارد التعدين "السهلة"، حيث يقدر أن 40-60% من المناجم العاملة في الوقت الحالي في سبيلها للاستنزاف التام خلال العقدين المقبلين، بما يهدد بتراجع ملموس في إنتاجية الصناعة إذا لم يتم العمل سريعاً على إيجاد البدائل.
 

والأزمة التي تعترض البحث تتمثل في قيام الأجيال السابقة بالبحث في الأماكن القريبة من المدن المأهولة بالفعل، فضلًا عن صعوبة وتكلفة اكتشاف المواد الخام، حيث يقدر التقرير أنها ترتفع بشكل طردي على الرغم من تحسن التكنولوجيا في مجال استخراج المعادن، إلا أنها تأتي مصحوبة بتكلفة مادية مرتفعة.
 

كما أن التراجع –أو حتى التذبذب- الذي تشهده الاقتصادات الناشئة يعتبر عامل تهديد جديداً للصناعة في ظل اعتمادها على الطفرات الاقتصادية في دول مثل الأرجنتين والبرازيل والهند، بالإضافة إلى "العملاء الكبار" وهم الصين والولايات المتحدة وأوروبا.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة