هل تتسلم الهند راية نمو الاقتصاد العالمي من الصين ؟

أوضح تقرير نشره موقع صحيفة "ذا جلوب أند ميل" أن التدخلات الصينية في السوق، وانخفاض قيمة اليوان، بالإضافة إلى المؤشرات الاقتصادية المتراجعة دفعت الأسواق المالية للترنح، وأثارت مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي.

وأشار التقرير إلى أنه في الوقت الذي سينتج فيه عن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين آثار مدمرة على عدد من الأسواق الناشئة، وعلى آسيا بصفة عامة، فإن الهند تظل هي الاستثناء الوحيد الذي سيظل بعيدًا عن هذه التداعيات.
 

 
الهند مختلفة عن الجميع

وكانت إندونيسيا، وماليزيا، وباقي الدول الغنية بالسلع الرئيسية قد أمدت المصانع وشبكات الكهرباء في الصين بكميات كبيرة للغاية من الفحم والنفط إبان سنوات الازدهار الاقتصادي، في حين قدمت دول أخرى الحديد والإسمنت، بينما وفرت دول إفريقيا النفط والمعادن الثمينة مثل النحاس.

وحققت كل هذه الدول ثروات من خلال تغذية التطور الصناعي الذي حول الصين في السنوات الأخيرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في حين استفادت دول أخرى مثل "فيتنام"، و"كمبوديا" من ارتفاع الأجور في بكين في انتعاش قطاعات تصديرية معينة مثل صناعة الملابس.

وبينما تبدو الطفرة الدورية قد انتهت في الصين، فإن كل الدول التي حققت استفادة اقتصادية من النمو المتسارع في بكين تشهد مخاوف من تأثرها السلبي.

ولكن على الجانب الأخر، لا تعتبر الهند من الاقتصادات الموجهة للتصدير والتي قد تعاني من مخاطر جراء تباطؤ نمو الصين، حيث إن هذا قد يكون الوقت المناسب للبلاد للتقدم إلى الأمام، وتحقيق التوقعات طويلة الأمد التي يراهن عليها الجميع.

وتختلف الهند عن كوريا الجنوبية في أنها ليست مركزًا صناعيًا يعتمد على الصين كأكبر عملائه، كما أنها ليست مثل اليابان تعاني من ركود اقتصادي بفعل انكماش عدد السكان، كما أنها تختلف عن ماليزيا، وتايلاند في وجود حكومة مستقرة، غير فاسدة، منتخبة بشكل ديمقراطي وتهتم بالنمو الاقتصادي.
 

 
هل تتحول راية النمو العالمي؟

ويرى التقرير أن الهند سوف تستفيد من الأحداث في الصين، حيث تتجه الآن لتحقيق معدلات نمو مرتفعة على الرغم من التحديات الكبيرة التي تعاني منها، كما أن البلاد تعتبر من الدول المستورد للطاقة، وهو ما يجعلها تستفيد بقوة من تراجع أسعار النفط والفحم مؤخرًا.

ويقول "جايانت سينها" وزير الدولة للشئون المالية في الهند إن بلاده تمتلك الآن فرصة سانحة لأخذ راية النمو الاقتصادي العالمي، بينما ذكر وزير المالية "آرون جيتلي" أن العالم يحتاج لمحركات أخرى لتولي عملية النمو، مثل الهند.

وبالرغم من الشكوك التي تنتاب الكثيرين بشأن إمكانية المبالغة في قدرة الهند على قيادة النمو الاقتصادي العالمي، إلا أن التقديرات تشير إلى توقع نمو اقتصاد الهند بنسبة 8.5% في العام الجاري، مقارنة بتباطؤ نظيره في الصين إلى 7%، بالإضافة إلى حقيقة سهولة النمو بشكل أسرع من قاعدة أصغر.

وكانت بيانات حكومية في الهند قد أعلنت يوم الاثنين تباطؤ معدل النمو الاقتصادي إلى مستوى 7% في الربع الثاني من العام الحالي مقابل 7.5% في أول 3 أشهر من 2015.

وحقق اقتصاد الهند مثل نظيره الصيني نموًا مرتفعًا في العقدين الماضيين، ومع تركز النمو في بكين في قطاع الصناعات التحويلية، والذي وفر وظائف ضخمة، وقلص بشكل كبير معدلات الفقر في البلاد، اتجهت الهند إلى الاهتمام بصناعات التعهيد، وقطاع الخدمات، والتي لم توفر وظائف لكثير من المواطنين بالرغم من الزيادة الكبيرة في معدل السكان في البلاد.
 

 
وبدأ النمو الاقتصادي في الهند في التراجع قبل أن ينهار تمامًا بعد فضائح متواصلة متعلقة بالفساد الحكومي، قبل أن يتم انتخاب رئيس الوزراء الحالي "ناريندرا مودي" في عام 2014، وهو ما جلب زخمًا جديدًا لاقتصاد الهند.

وقفزت بورصة "بومباي" للأوراق المالية، كما ارتفع عدد المستثمرين الأجانب في البلاد مع وعد "مودي" بوضع حد للفساد، وتنفيذ إصلاحات مشجعة للأعمال، وبدء طفرة في البنية التحتية، وجذب الشركات المصنعة الكبرى، لخلق وظائف مثلما كان الحال في ولاية "غوجارات" والتي كان حاكمًا لها لأكثر من عقد من الزمن.

تحديات وآمال

إلا أن الواقع أظهر وجود تحديات كبيرة في الهند، حيث اكتفى "مودي" بتحديث البيروقراطية في البلاد، ومحاولة إضفاء لمسات خفيفة من الإصلاحات الاقتصادية بدلًا من القيام بخطوات حاسمة، بالإضافة إلى افتقاد الموازنة إلى الجراءة، وتراجع مستوى التوقعات الخاصة بالاقتصاد، وزيادة بعض التوترات الاجتماعية.

ولكن أكد التقرير وجود بعض التقدم في الهند، حيث إن دبلوماسية "مودي" الاقتصادية قد ألقت بظلالها على العلاقات في المنطقة، حيث كشفت شركة "فوكسكون" لتصنيع الجوالات في تايوان عن نيتها افتتاح 12 مصنعًا في الهند، لاستغلال الحماس التقني في البلاد، ما سيعمل على توظيف ما لا يقل عن مليون شخص.

ومع سعي الصين في الوقت الحالي لتحويل الاقتصاد من الصادرات التصنيعية إلى اقتصاد يعتمد بشكل أكبر على الخدمات الأكثر استدامة، تسعى الهند إلى جذب صناعات كبيرة، وهو ما يمثل صعوبة بسبب تراجع معدل القراءة والكتابة، والمهارة المهنية، والقابلية للتوظيف لدى قوة العمل في الهند مقارنة بنظيرتها في بكين.

ويعتقد التقرير بعدم قدرة الهند على قيادة النمو الاقتصادي العالمي بنفس الطريقة التي قامت بها الصين مؤخرًا، إلا أنه أشار إلى أنها قد تكون قادرة على الأقل على تقديم طريقة جديدة لسرد هيكل النمو العالمي، مع إمكانية تحول "القصة" إلى حقيقية في المستقبل.