على المحك، تقف صناعة النفط في الكويت في مواجهة الكثير من المصاعب الناجمة عن تآكل المعادن. إذ تعتمد تلك الصناعة بشكل كلي على استخدام المعادن في جميع عملياتها، بدءاً من الحفر وانتهاءاً بالتكرير ومروراً بالاستخراج وسفن النقل، وذلك لوجود وسائط شديدة التآكل، مما يكبد هذه الصناعة الحيوية خسائر مادية كبيرة، تقدّر بنحو من 3 إلى 5 في المئة من الناتج القومي للبلدان المنتجة للنفط، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تؤدي إلى الإصابات وفقدان الأرواح، نتيجة التآكل الذي قد ينجم عنه تسرب للغازات وحدوث حرائق وأضرار شديدة للبيئة.
وقد كشفت دراسة أجراها مركز أبحاث البترول التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، عن أن صناعة النفط تستخدم قدراً كبيراً من أنابيب الحديد والصلب والمضخات والصمامات وأوعية الضغط العالي والمبادلات الحرارية المصنّعة من معادن مختلفة قابلة للتآكل والتكسر في أوساط استخراج النفط أو تكريره، بمسببات مثل المياه المالحة والكبريتيدات والأمونيا، مشيرة إلى أن الصناعة النفطية تلجأ إلى كثير من الوسائل للحد من ظاهرة التآكل، عبر الاختيار الأمثل للمعادن الأكثر مقاومة للتآكل، واستخدام مثبطات التآكل العضوية وغير العضوية، والحماية الفكاثودية وكذلك الدهانات والطلاءات لحماية الهياكل المعدنية.
ويتم تصنيف أنواع التآكل في الصناعة البترولية باعتبارها تحدياً بالغاً، حيث انها كثيرة ومتشعبة ولكن الأشكال الرئيسة للتآكل في هذه الصناعة، تشمل التآكل في وجود غاز ثاني أكسيد الكربون والتآكل في وجود كبريتيد الهيدروجين، وتآكل الاكسجين والتآكل الجلفاني والتآكل تحت الترسبات أو الشقوق والتآكل الميكروبيولوجي والتآكل الاجهادي والتآكل الحتي.
ويأتي دور معهد الكويت للأبحاث العلمية في حل مشاكل التآكل انطلاقاً من الوعي بالتأثير المدمّر لظاهرة تآكل المعادن على الصناعة الوطنية، ومدى الخسارة الاقتصادية التي يمكن أن تتعرّض لها هذه الصناعة نتيجة لمشاكل التآكل. وقال المعهد انه أنشأ برنامجاً لتقييم التآكل وتكنولوجية الحد منه، مشيرا إلى أن البرنامج يضطلع بدور في خدمة الصناعة الوطنية من حيث معرفة أسباب التآكل وطرق الحماية منه، وكذلك القيام بالأبحاث ذات المدى الطويل لحل مشاكل معينة من التآكل غير معروفة علمياً وتتطلب عمقاً في دراستها. ويستقبل البرنامج سنوياً الكثير من حالات الأعطاب ويعمل على فهم العوامل التي أدت إلى حدوثها، ويقوم الباحثون بزيارات القطاع النفطي لدراسة جودة المعدات وقدرتها التشغيلية ومدة سلامة الاعتماد عليها وخلوها من أي مشاكل متعلقة بظاهرة التآكل.
وجدير بالذكر، أن مشاكل المعادن في الصناعة ليست قاصرة على ظاهرة التآكل فقط، حيث يمكن لهذه المعادن أن تفقد خواصها وصلابتها نتيجة التعرض للاجهاد أو لدرجات حرارة عالية مدة طويلة أو كلاهما معا، وكذلك عندما تتعرض لأوساط تآكلية في وجود ضغط عال أو درجات حرارة عالية، ويتم تقسيم ظاهرة التآكل إلى قسمين رطب وجاف، بحسب تآكل المعادن عند درجات الحرارة المنخفضة أو درجات الحرارة العالية.
ويعد المعدن الأكثر شيوعاً في الصناعة النفطية هو حديد الكربون الصلب، ويرجع ذلك إلى تدني سعره بالمقارنة مع المعادن الأخرى التي تعد أكثر تكلفة، ولكن حديد الكربون الصلب ليست له مقاومة عالية للتآكل وذلك لخلوه من عناصر الطبيعة المقاومة للتآكل، وكذلك لا يمكن استخدامه عند درجات حرارة عالية.
وتتعرض المعادن المستخدمة في آبار النفط والغاز إلى أوساط شديدة التآكلية، حيث يرتفع مستوى ملوحة المياه المصاحبة للنفط والغاز، وكذلك لاحتواء بعض الآبار النفطية على كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون أو غاز كبريتيد الهيدروجين أو كلاهما، ما يزيد حموضة البئر. ومن المعروف أن جميع المعادن قابلة للتآكل من الأوساط الحمضية، ويحدث التآكل في الآبار النفطية داخل وخارج أنابيب الانتاج، ولهذا تستهلك صناعة استخراج النفط والغاز كميات كبيرة من المثبطات العضوية التي يتم حقنها في البئر بشكل مستمر او بشكل دوري.
ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى تآكل المعدات احتواء النفط على كبريتيد الهيدروجين ومركبات الكبريت العضوية، التي من الممكن أن تتحلل أثناء عمليات التكرير عند درجات حرارة عالية ومن ثم يتصاعد كبريتيد الهيدروجين منها عند تحللها، وكبريتيد الهيدروجين قادر على التسبب بكثير من مشاكل التآكل في حديد صلب الكربون المنتشر استعماله في مصافي النفط، كذلك يحتوي النفط على عنصر النيتروجين ولكن الأكثر أهمية هو النيتروجين الموجود في الهواء، حيث تسبب مركبات النيتروجين أضرارا جسيمة للمبادلات الحرارية المصنّعة من سبائك النحاس، كذلك فإن وجود الأكسجين في الهواء يؤدي أيضا إلى مشاكل تآكل.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: