نبض أرقام
01:15
توقيت مكة المكرمة

2024/06/17
2024/06/16

استراتيجية "رأس الجاموس".. خطورة تشتيت الشركة لمواردها وجهود موظفيها

2019/08/03 أرقام - خاص

قوة استطلاعية من الجيش البريطاني مكونة من 2600 جندي تقدمت في يناير 1879 تحت قيادة اللورد "تشيلمسفورد" في اتجاه مملكة الزولو (جنوب إفريقيا حالياً) حاملة شعار التاج البريطاني، وواثقة تماماً بقدرتها على هزيمة جيوش قائد شعب الزولو الملك "سيتشوايو كامباند".

 

 

بعد ثلاثة أيام من السير توقفت القوة البريطانية عند نتوء صخري يسمى "إيساندهلوانا" من أجل الراحة وعسكرت هناك. ولكن في انتهاك واضح للقاعدة الحربية الشهيرة "لا تقسم قواتك أبداً في وجه العدو" أخذ اللورد "تشيلمسفورد" 1600 رجل من إجمالي القوة وغادر بهم المعسكر في مهمة استطلاعية.

 

في هذه اللحظة كان جواسيس الزولو يراقبون ما يحدث في المعسكر البريطاني من التلال المحيطة. وعلى الفور علم ملك الزولو بخبر انقسام القوة البريطانية وأمر جيشه بالاستعداد للانقضاض على القوة الموجودة بالمعسكر. البريطانيون الذين تم تحذيرهم من قبل جواسيسهم من القدرة القتالية الهائلة لجيش الزولو استهانوا بالخصم وقسموا قواتهم تاركين دفاعاتهم مكشوفة.

 

نظم الزولو قواتهم قبل أن يقرروا الهجوم على البريطانيين وفق استراتيجية "رأس الجاموس". ووفق هذه الاستراتيجية تم تقسيم جيش الزولو إلى 4 مجموعات. المجموعة الأولى (وهي تمثل مقدمة رأس الجاموس) هاجمت مقدمة الجيش البريطاني ودفعتها للتقهقر نحو الخلف، في حين قامت المجموعتان الثانية والثالثة (اللتان تمثلان قرني الجاموس) بمهاجمة البريطانيين وتطويقهم من الجانبين. أما المجوعة الرابعة فتم الاحتفاظ بها كقوة احتياطية.

 

 

في غضون عدة ساعات تمكن جيش الزولو من القضاء على القوة البريطانية التي لم ينج منها سوى 55 رجلاً. خسر البريطانيون المعركة بسبب قيامهم بتقسيم قواتهم ونشرها على مساحة واسعة من الأرض، وهو ما يعني تخليهم عن ميزة امتلاك قوة صلبة مركزة قادرة على صد هجوم الزولو.

 

باستخدام قوة التركيز تمكنت قوات الزولو المسلحة بالحراب والدروع الخفيفة من هزيمة القوات البريطانية المسلحة بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت. وكانت هذه أسوأ هزيمة مني بها جيش الإمبراطورية البريطانية من قوات محلية.

 

الهدف هو التأثير لا الوجود المشرف

 

في عالم الأعمال، تعد قدرة الشركة على تركيز مواردها المحدودة وطاقاتها على المناطق التي تتميز فيها هي مفتاح النجاح. معظم الشركات الناجحة في السوق يعود سر نجاحها إلى تركيزها على إنتاج منتج معين تمكنت لاحقاً من تطويره وجعله متفوقاً على المنتجات الشبيهة التي يقدمها المنافسون.

 

عكس التركيز هو توزيع الجهد والموارد هنا وهناك من خلال تقديم الكثير من المنتجات والخدمات لأنواع كثيرة من العملاء بطرق مختلفة وبمستويات سعرية متباينة. هذا الأسلوب يؤدي في أكثر الأحيان إلى ضياع الطاقة وفقدان السيطرة على الأمور وارتفاع التكاليف وتشتيت الكفاءات التي تمتلكها الشركة من خلال إبعادها عن المناطق التي يمكنها تحقيق فارق فيها.

 

ما هو الخيار الأفضل لشركة رأسمالها 10 ملايين ريال ولديها 20 من الموظفين الأكفاء وترغب مثلاً في دخول مجال التجزئة، هل هو التركيز على منتج أو منتجين ومحاولة امتلاك حصة معتبرة في سوقيهما أم العمل في أكثر من 20 منتجاً؟ قطعاً الخيار الأول هو الأفضل لأن الثاني فيه تشتيت للموارد والجهود وسيجعل من الصعب على الشركة التميز بين المنافسين في أي من هذه المنتجات.

 

 

الشركة التي تحاول الدخول في أكثر من مجال في أكثر من سوق في نفس الوقت ولا يوجد لديها مجال أو سوق محدد تركز عليه وتخصص له أغلب مواردها تشبه الجيش الذي يقسم قواته في ساحات معارك مختلفة ولكن متزامنة تنتهي عادة بخسارته لها جميعاً.

 

قوة تركيز الموارد والجهود وعدم تشتيتها كان يفهمها ويدرك أهميتها جيداً "جاك ويلش" الرئيس التنفيذي السابق لـ"جنرال إليكتريك" الذي يعد أحد أنجح رؤساء الشركات في التاريخ. كان "ويلش" لديه فلسفة مفادها أن الشركة لا تدخل إلا إلى الأسواق التي تستطيع أن تكون فيها رقم 1 أو رقم 2. فالبنسبة له كان من الأفضل تركيز موارد الشركة في الأسواق التي تحدث فيها فارقا حقيقيا حتى لو كان سوقاً واحداً بدلاً من توزيعها ونشرها عبر 10 أسواق لا تحظى فيها الشركة بحصص سوقية معتبرة.

 

استراتيجية القلعة

 

قديماً، في أيام المدن المسورة، كانت المدينة غالباً ما تحيط بها مجموعة متداخلة من الأسوار التي تأخذ الشكل الدائري الذي يوجد في مركزه القلعة. إذا تعرضت المدينة للهجوم وتمكن العدو من اختراق الجدار الأول تتراجع القوات المدافعة عن المدينة إلى الداخل متحصنة بالجدار الثاني. وإذا تم اختراق ذلك الجدار أيضاً تتراجع الحامية إلى الجدار الثالث.

 

خلف الجدار الثالث توجد آخر نقاط التحصين وأقواها وهي القلعة والتي كان يحتمى بها الملك وعائلته وكبار رجال الدولة ويصمدون بداخلها إلى أن يتم إنقاذهم من قبل قوات حليفة.

 

 

والسؤال الآن: إذا ساءت الأمور في السوق وتراجعت المبيعات المنتجات والخدمات لديك فما هي القلعة التي ستتحصن بها؟ ما هي المنتجات أو الخدمات التي باستطاعتها إنقاذك إذا قمت بالتركيز عليها؟ إجابتك عن هذا السؤال ستكشف لك أهم منتج تقدمه شركتك ونقطة قوتها الرئيسية التي يجب التركيز عليها والمحافظة عليها.

 

في كتابه الصادر في عام 1994 تحت عنوان "التنافس على المستقبل" يؤكد أستاذ إدارة الأعمال بجامعة ميتشيجان الأمريكية "جاري براهالد" أن مفتاح النجاح الاستراتيجي لأي شركة يكمن في قدرتها على تحديد مواطن تميزها الأساسية ومن ثم التركيز على التحسن والتطور في تلك المجالات.

 

البعد الآخر الذي لا يقل أهمية عن المنتج هو الكفاءات التي تقوم على جهودها الشركة. يجب أن يكون لدى إدارة الشركة فكرة عن أهم وأكفأ موظفيها، الأشخاص الذين يعتمد نجاح الشركة بشكل أساسي عليهم. عادة ما يكون هناك 20% من الموظفين مسؤولين عن 80% من النتائج التي تحققها الشركة. هؤلاء يجب أن تكون لدى الشركة خطة للاحتفاظ بهم وتقديرهم ومكافأتهم قبل أن يأتي أحد من الخارج ويأخذهم.

 

 

أخيراً، إن أغلب القادة العظماء في كافة مجالات الحياة هم أناس تعلموا التركيز على مهامهم الحاسمة. فالقدرة على حشد القوات في الوقت والمكان المناسبين هي التي مكنت الكثير من الجيوش الصغيرة من التغلب على جيوش أكبر.

 

حتى على المستوى الشخصي، يمكن لأي شخص متوسط القدرات أن يحقق نجاحات بارزة في أكثر الأحيان من خلال التركيز على القيام بشيء واحد ولكن بشرط القيام به على نحو متقن. هذه هي قوة التركيز وعدم تشتيت الجهود، وفي غيابها غالباً ما ينتهي الحال بأكثرنا غير طائل لا بلح الشام ولا عنب اليمن.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة