نبض أرقام
13:38
توقيت مكة المكرمة

2024/05/24
09:54

"فيشر".. العبقري السابق لعصره الذي خسر كامل ثروته في سوق الأسهم

2019/08/12 أرقام - خاص

إنه العام 1905. شاب في أواخر الثلاثينيات من عمره يرتدي ملابس أنيقة ويقف داخل أحد أكشاك الهاتف بمحطة جراند سنترال في مدينة نيويورك الأمريكية ومندمج جداً في الحديث بينما يضع حقيبة سفره الجلدية بين قدميه.
 

 

وبينما هو على هذه الحال يقترب لص من الكشك الذي كان بابه مفتوحاً ويخطف الحقيبة قبل أن يختفي في لمح البصر. وبالنظر إلى ما نعرفه عن تلك الحقيبة فيمكننا أن نرجح أنها غالباً كانت ذات جودة ممتازة ولن يصعب على اللص إيجاد مشترٍ لها.
 

هذا عن الحقيبة، ولكن ماذا عن محتوياتها؟ داخل تلك الحقيبة كان يوجد كتاب هو عبارة عن عمل بحثي شبه كامل يجمع بين الاقتصاد ونظرية الاحتمالات والبيزنس مصاغٍ بطريقة لم يسبق لها مثيل. هذا العمل البحثي هو الذي سيحدد بعد عدة عقود شكل ومستقبل الاستثمار في سوق الأسهم.
 

صدمة تلو أخرى
 

لم يتم العثور على الكتاب المسروق قط، وكانت هذه نسخته الوحيدة، ولكن كاتبها وصاحب الحقيبة "إيرفينج فيشر" أستاذ الاقتصاد بجامعة يل الأمريكية كان صلباً وقوياً بما يكفي للتغلب على هذه النكسة، حيث إنها لم تكن أسوأ شيء مر عليه في حياته.
 

فبينما كان يستعد للالتحاق بالجامعة في عام 1884 توفي والده بسبب مرض السل وترك له والدته وإخوته الصغار ليرعاهم. ثم مرت الأيام وأصيب "فيشر" نفسه في عام 1898 بذات المرض الذي قتل والده قبل 14 عاماً. وبعد رحلة علاجية استمرت ثلاث سنوات أجرى خلالها الكثير من العمليات الجراحية تعافى الأستاذ الشاب.
 

 

لكن لم تقف الدراما في حياة "فيشر" عند هذا الحد. فبعد أن عاد ليمارس نشاطه عقب سنوات المرض شاهد بعينيه احتراق المنزل الذي يعيش فيه مع زوجته وطفليه في حرم جامعة يل في عام 1904. وبعدها بعام تمت سرقة النسخة الوحيدة من كتاب كان يستعد لنشره.
 

تأثر "فيشر" بتلك الكوارث لفترة قبل أن يعود لعمله بشكل طبيعي مرة أخرى. ومن لحظتها قرر أن يغلق باب كشك الهاتف عليه بينما يتحدث داخله، وبدأ في إعادة كتابة الكتاب الذي سرق منه، وحرص هذه المرة على كتابة أكثر من نسخة لكل فصل من فصول الكتاب.
 

أكثر من مجرد كتاب
 

لم يمر أكثر من عام قبل أن ينتهي "فيشر" من إعادة كتابة الكتاب المسروق لينشره في عام 1906 تحت عنوان "طبيعة رأس المال والدخل". هذا الكتاب سرعان ما عزز سمعة "فيشر" الدولية بين الاقتصاديين والذين أشار بعضهم إلى ذلك الكتاب باعتباره إحدى اللبنات الأساسية لجميع النظريات الاقتصادية الحديثة.
 

لكن في المقابل كان تأثير هذا الكتاب على وول ستريت أبطأ وأقل وضوحاً. حيث لم يسارع المستثمرون أو المضاربون إلى شرائه، وذلك لأن نظرية "فيشر" الداعية إلى إجراء حسابات الاحتمالات قبل شراء الأسهم كانت لا تزال غريبة عليهم.
 

أشار "فيشر" في ذلك الكتاب إلى أن قيمة أي استثمار تساوي قيمة الدخل الذي سينتجه ذلك الاستثمار. والمال في المستقبل لا يساوي المال اليوم. فالناس غير صبورين ويجب تعويضهم عن تكلفة الفرصة البديلة لعدم الاستثمار في فرص استثمارية أخرى.
 

 

أما أكثر الأطروحات حداثة وثورية في كتاب "فيشر" فكانت اقتراحه إدراج حالة عدم اليقين كجزء من معادلة حساب قيمة الاستثمار، مما يمكن المستثمرين من استخدام صيغة القيمة الحالية في حساب قيمة الأسهم وليس السندات فقط.
 

في أيامه الأخيرة بدأت أفكار "فيشر" تنتشر بعض الشيء في أوساط المستثمرين، وذلك قبل أن تنطلق وتصبح ناراً على علم بعد وفاته في عام 1947. واليوم تزين الكتب المبنية على أفكار ونظريات "فيشر" مكاتب مديري صناديق التحوط ومحافظي البنوك المركزية والمستشارين الماليين.
 

زلة "فيشر"
 

ولكن رغم كونه يعتبر على نطاق واسع أبا "وول ستريت" الحديث إلا أن "فيشر" كانت له زلة خطيرة جداً زادت من شهرته. ففي السنوات السابقة لانهيار سوق الأسهم الأمريكية في أكتوبر من عام 1929 كان "فيشر" يسخر من الادعاءات القائلة بأن السوق يعاني من فقاعة، وأكد في المقابل أن أسعار الأسهم ستأخذ اتجاها صعوديا بشكل دائم تقريباً.
 

لكن ما يحسب لـ"فيشر" هو أنه لم يقل ما لا يفعله وطبق ذلك بالفعل على نفسه. ومع انهيار السوق في عام 1929 خسر "فيشر" ثروته بالكامل التي كان قد اكتسبها من خلال زواج بابنة أغنى عائلة في مسقط رأسه بولاية رود آيلاند  قبل أن يعظّم قيمتها بمشاريعه الخاصة.
 

 

الخطأ الذي أدى بـ"فيشر" إلى هذه الكارثة هو إيمانه بأسطورة السوق العقلانية وأن المشاركين في السوق بوسعهم التصرف على نحو عقلاني. وما عزز ذلك الاعتقاد لديه هو النجاح المالي الذي حققه في أوائل العشرينيات والذي جعله مقتنعاً بأن مستثمري ومضاربي سوق الأسهم الأمريكية ومن ورائهم مسؤولو البنك المركزي يتبعون نصيحته وبالتالي لا يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة. ولكنها خرجت في النهاية!
 

أخيراً، في التاريخ الاقتصادي يمتلك "فيشر" شخصيتين اعتباريتين متضادتين بشكل طريف، الأولى هي "مهرج الكساد العظيم" والثانية هي "مهندس علم المالية الحديث".

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة