ربما لا يختلف اثنان على حقيقة أن سوق تجارة العملات (الفوركس) هو أحد أسرع الأسواق المالية في العالم وأكثرها تقلباً. ففي ثوان أو دقائق معدودة يمكنك كسب المال أو خسارته في السوق الذي يمتلك سيولة تتجاوز بكثير تلك الخاصة بكل الأسواق المالية الأخرى مجتمعة.
وعلى عكس أسواق الأسهم التي يألفها ويفهمها معظم المستثمرين لا يزال سوق الفوركس بطريقة أو بأخرى سوق غامض ومعقد بالنسبة للوافدين الجدد إليه، خصوصاً وأن سوق تداول العملات بتركيبته وأدواته الحالية لا يتجاوز عمره عشرين عاماً.
ورغم أنه السوق المالي الأكبر والأكثر سيولة في العالم وبالتبعية الأكثر احتواء على الفرص، إلا أن الفوركس كنشاط استثماري يمتلك للأسف سمعة سيئة في كثير من الدول العربية لأسباب لا تتعلق بالسوق نفسه بقدر ما تتعلق بممارسات سيئة يسئل عنها المتداول نفسه وشركات الوساطة وقبلهما الجهات التنظيمية.
ما هو الفوركس أصلاً؟
الفوركس بشكل مباشر وواضح هو مضاربة على التحركات السعرية لقيمة عملة أمام عملة أخرى. والمضاربة هي تحمل مخاطر مالية معينة على أمل جني الأرباح في مدى زمني قصير، ولكنها ليست مقامرة وفي نفس الوقت ليست استثماراً.
فالمقامرة تدور حول اللعب بالمال حتى عندما تعلم كفرد أن الاحتمالات ليست في صالحك. أما الاستثمار فتدور فكرته حول تقليل المخاطر وتعظيم العائد وعادة ما يكون ذلك خلال فترة زمنية طويلة.
سوق الفوركس هو أكبر سوق مالي في العالم من حيث حجم التداول اليومي. فوفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية بلغ حجم التداول اليومي في سوق الفوركس خلال أوائل عام 2014 حوالي 5.2 تريليون دولار، أي أن حجم التداول في الساعة الواحدة اقترب من 220 مليار دولار.
تعتمد الغالبية العظمى (أكثر من 90%) من تداولات الفوركس على المضاربة، حيث يقوم المتداولين بالبيع والشراء من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل على أساس التقلبات التي تشهدها الأسعار من دقيقة إلى دقيقة ومن ساعة إلى ساعة ومن يوم إلى يوم أخر.
يعمل السوق على مدار الساعة خلال 6 أيام بالأسبوع مما يتيح للمتداول الوصول إليه متى شاء، وفي نفس الوقت لا توجد حدود لحجم التداول اليومي أو حجم المراكز، كما لا يوجد أي قواعد تقيد المتداول إذا أراد أن يبيع أي زوج من العملات على المكشوف.
تتم معظم تداولات الفوركس في أزواج العملات الرئيسية، والتي نجد فيها الدولار الأمريكي كعامل مشترك في مقابل كل من اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني والفرانك السويسري. وفي نفس الوقت توجد الكثير من فرص التداول في الأزواج الثانوية والتي يتم خلالها تداول الدولار الأمريكي في مقابل كل من الدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي.
هناك أيضاً أزواج من العملات التي لا تتضمن الدولار الأمريكي وتعرف باسم "الأزواج متقاطعة العملات" مثل الفرانك السويسري مقابل الين الياباني. وتتيح أغلب شركات الوساطة للمتداول ما يتراواح ما بين 15 إلى 20 زوجاً من العملات الرئيسية المختلفة.
معظم المتداولين الأفراد يتاجرون في الفوركس عبر الإنترنت باستخدام الكمبيوتر أو الجوال الذي يصلوا من خلاله إلى منصات التداول الخاصة بشركات الوساطة.
واحدة من السمات الأساسية لسوق الفوركس هو أنه يسمح للمتداول بالشراء بالهامش أي باستخدام رافعة مالية. ومن الممكن أن يصل حجم الرافعة المالية إلى 1:200 بل وربما أكثر، مما يعني أن المتداول الذي يمتلك ألف ريال يمكنه أن يفتح مركز قيمته 200 ألف ريال.
ولكن الرافعة المالية سلاح ذو حدين. فكما بإمكانها مضاعفة مكاسبك فهي تتركك أيضاً أمام احتمال مضاعفة خسائرك. ولذلك قبل أن تبدأ في التداول في هذا السوق تحديداً يجب أن تتأكد من أنك تخاطر بأموال يمكنك تحمل خسارتها.
ما الذي يحرك أسعار العملات؟
المعلومات هي التي تحرك أي سوق مالي، ولكن الفوركس لديه نوع خاص من المعلومات التي تؤثر عليه باعتبار أن التداول فيه يتم على زوج من العملات وليس على عملة واحدة، ولذلك عندما تحاول المضاربة على أي زوج ستجد نفسك مضطراً للاهتمام بالأساسيات التي تؤثر على اقتصاديين دوليين رئيسيين.
الأساسيات هي مجموعة واسعة من الأخبار والمعلومات التي تعكس حالة الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلدان التي يتم تداول عملاتها. والأساسيات الاقتصادية تشمل على سبيل المثال تقارير البيانات الاقتصادية ومستويات أسعار الفائدة والسياسة النقدية وتدفقات التجارة والاستثمار الدوليين.
وهناك أيضاً أساسيات سياسية وجيوسياسية. فأحد العناصر الأساسية التي تحدد قيمة أي عملة هي مدى ثقة السوق في قيمة تلك العملة. وإذا كانت هناك أحداثاً سياسية مثل الانتخابات أو الحرب أو الفضائح تقوض من مستوى الثقة بقيادة الدولة فإن قيمة عملتها ستتأثر سلباً بالتأكيد.
يعد جمع كل هذه المعلومات وتفسيرها جزءًا أساسياً من الروتين اليومي لمتداول الفوركس.
ما هي علاقة الفوركس بالأسواق المالية الأخرى؟
سوق الفوركس ليس موجوداً في الفراغ، بل تربطه علاقة بالأسواق المالية الأخرى كالذهب والنفط والأسهم. ولكن قبل أن نستعرض طبيعة تلك العلاقة يجب أن تضع في اعتبارك أن الأسواق المالية مختلفة ولكل سوق منها ديناميكياته الداخلية الخاصة به.
هل تتداخل تلك الأسواق من آن لآخر؟ بالتأكيد، ولذلك من المهم جداً أن يكون المتداول على دراية بما يجري في الأسواق المالية الأخرى.
الذهب: ينظر إلى الذهب عادة كمخزن للقيمة في أوقات عدم اليقين وكنوع من أنواع التحوط ضد التضخم بدلاً من الدولار الأمريكي. وعلى المدى الطويل نجد أن العلاقة بين الدولار الأمريكي والذهب علاقة عكسية، بمعنى أن ضعف الدولار يرافقه ارتفاع الذهب، وانخفاض الأخير يصاحبه ارتفاع الدولار.
ومع ذلك نجد أنه في المدى القصير يحكم كل سوق ديناميكياته الخاصة، مما يجعل علاقة الارتباط بين السوقين في المدى القصير ضعيفة بشكل عام. في الوقت نفسه، بسبب أن سوق الذهب أصغر بكثير من سوق الفوركس، نجد أن متداولي الذهب يراقبون تحركات الدولار بينما لا يقوم متداولي الدولار بالعكس.
ومع ذلك، تميل التحركات السعرية الكبيرة التي يشهدها الذهب إلى جذب انتباه متداولي الفوركس، وعادة ما تؤثر على الدولار بطريقة عكسية في الغالب.
النفط: في الحقيقة توجد الكثير من المعلومات الخاطئة المتداولة على الإنترنت حول العلاقة المفترضة بين النفط والدولار الأمريكي وغيره من العملات الرئيسية.
المنطق المشهور والشائع بين الناس حول هذه النقطة يقول إن عملات الدول المنتجة للنفط تتأثر سلباً وإيجاباً تبعاً لتغيرات أسعار النفط. أما إذا كانت الدولة مستوردة للنفط فإن تلك النظرية تقول إن عملتها ستنخفض (أو سترتفع) قيمتها بسبب ارتفاع (أو انخفاض) أسعار النفط.
ولكن الدراسات التي تم إجراؤها حول هذا الشأن لم تكشف عن وجود أي ارتباطات حقيقية بهذا المعنى بين قيمة العملة وسعر النفط على الأقل في المدى القصير وهو النطاق الذي تتم خلالها معظم تداولات الفوركس.
الأصح هو أن ننظر إلى سعر النفط كعامل مؤثر في مستوى التضخم والذي يؤثر بدوره على النمو الاقتصادي العام. فإذا ارتفع سعر النفط فمن المرجح أن يرتفع التضخم، وبالتالي سينمو الاقتصاد بوتيرة أبطأ. أما إذا انخفض سعر النفط فمن المحتمل أن تتراجع الضغوط التضخمية (ولكن ليس بالضرورة).
الأسهم: الأسهم هي أوراق مالية ترتفع وتهبط قيمتها تبعاً للنتائح الفردية للشركات وآفاق نموها، في حين أن العملات هي أوراق مالية تتأثر قيمتها بحالة الاقتصاد الكلي وتتقلب تبعاً للتطورات الاقتصادية والسياسية واسعة النطاق. ولذلك يعتبر سوق الأسهم هو الأقل ارتباطاً بسوق الفوركس.
سوق الفوركس .. لماذا هذه السمعة السيئة؟
في نهاية هذا التقرير نود الإشارة مرة أخرى إلى أن السمعة السيئة التي يحظى بها الفوركس لدى بعضنا تعود بالأساس إلى 3 أسباب رئيسية: الأول هو متداول غير مثقف مالياً وغير متمكن من أدواته ويعتمد في الغالب على معلومات غير موثوقة من مصادر مشبوهة على الإنترنت، وهو ما يجعله أقرب بكثير للخسارة من المكسب.
الثاني هو ضعف توعية المستثمر من الجهات المسؤولة حول طبيعة الفوركس كنشاط استثماري وحمايته ثانياً من المتلاعبين وردعهم. أما الثالث والأهم ربما هي شركات الوساطة عديمة الضمير ومجهولة النسب التي تغرر بالكثيرين وتسرق أموالهم أو لا تحرص عليها في أفضل الأحيان.
أما سوق الفوركس نفسه فهو سوق حقيقي ، ولكنه في نفس الوقت هو السوق الأكثر خطورة بين كل الأسواق المالية. فمن الممكن أن تحقق فيه ثروة هائلة ومن الممكن أيضاً أن تسجل خسائر تقصم ظهرك.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: