نبض أرقام
10:35 م
توقيت مكة المكرمة

2025/05/25
2025/05/24

رحلة في فكرة .. لماذا لا يزال نموذج لويس حيًّا في سياسات الدول النامية؟

08:57 ص (بتوقيت مكة) أرقام

- في عام 1979، دوّى اسم السير آرثر لويس في أروقة الأكاديمية السويدية، حين تُوّج بجائزة نوبل في الاقتصاد، مناصفةً مع الأمريكي ثيودور شولتز.

 

- كان ذلك أكثر من مجرد تكريم أكاديمي؛ فقد أصبح لويس، ابن جزيرة سانت لوسيا الكاريبية، أول رجل أسود يحصل على جائزة نوبل خارج إطار "السلام"، بعد خمسة عشر عامًا من تتويج مارتن لوثر كينج.

 

- لكنه، في الحقيقة، كان قد بدأ يسطر اسمه في صفحات التاريخ الاقتصادي قبل ذلك بعقود، عبر رؤى تنموية تجاوزت الحدود الجغرافية، وأسست لمدارس فكرية لا تزال حيّة حتى اليوم.

 

رجلٌ تجاوز القيود... وبنى نموذجًا أمميًا للتنمية

 

 

- لم يكن السير آرثر لويس مجرد رجل أكاديمي، بل أحد أكثر الاقتصاديين تأثيرًا في القرن العشرين؛ فقد كرّس حياته لفهم ديناميكيات الفقر والتنمية في المستعمرات السابقة، وسعى بمنهج علمي إلى إيجاد حلول قابلة للتطبيق.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- بدأت بصمته تظهر بوضوح في خمسينيات القرن الماضي، من خلال "نموذج لويس" الشهير، الذي ساهم في رسم سياسات اقتصادية لدول الكاريبي، خاصة بورتوريكو، حيث جُرّبت رؤيته في "التصنيع عن طريق الاستقطاب"، لتوسيع الاقتصاد المحلي.

 

- امتدت أفكار لويس إلى الشرق الأقصى، حيث تبنّت دول آسيوية صاعدة نظرياته في التعامل مع فائض العمالة، وتحفيز الصناعات الناشئة، وبناء قاعدة إنتاجية قادرة على المنافسة.

 

نشأة صارمة وصعود استثنائي

 

- وُلد آرثر لويس عام 1915 لأبوين مهاجرين من أنتيجوا، كانا يعملان بالتدريس، وفي بيئة منزلية صارمة، كان التفوق الأكاديمي ليس مجرد طموح بل واجباً عائلياً.

 

- عندما أصيب آرثر بالمرض في سن السابعة، اضطر إلى البقاء في المنزل لثلاثة أشهر، لكن والده لم يسمح لهذا التوقف بأن يعطله، بل قام بالتدريس له بنفسه حتى اجتاز صفّين دراسيين دفعة واحدة عند عودته إلى المدرسة.

 

- بعد وفاة والده المبكرة، زادت التحديات، لكن والدته، بعملها الدؤوب وانضباطها، تمكّنت من تربية خمسة أبناء بنجاح.

 

- ويقول ابن أخيه، الدكتور فون لويس، إن عمّه كان شخصية متواضعة ومرحة رغم عظم إنجازاته، مؤكدًا أن العائلة لم تنشأ في رفاهٍ بل في التزامٍ صارم بالتفوق.

 

من حلم الهندسة إلى صناعة التنمية

 

- حلم لويس أن يصبح مهندسًا، لكن قوانين العنصرية الاستعمارية حرمت السود من هذا المسار؛ فاختار دراسة التجارة في كلية لندن للاقتصاد، حيث تخرج بامتياز عام 1937، قبل أن يحصل على منحة دكتوراه ويصبح عضو هيئة تدريس في سن الثانية والعشرين.

 

- ثم أصبح أستاذًا للاقتصاد السياسي في جامعة مانشستر، وهناك بدأ في وضع أفكاره حول النمو، وتأسيس فرع جديد يُعرف اليوم بـ "اقتصاديات التنمية".

 

فكر ثوري يتحدى المؤسسة

 

- رغم صورته الوقورة، كانت أفكار آرثر لويس ثورية؛ فقد هاجم، في أول منشوراته عام 1938، سوء أوضاع العمال في جزر الهند الغربية، داعيًا إلى إعادة توزيع الأراضي، وتوفير فرص التعليم، وتحسين الخدمات العامة.

 

- وكان يرى أن حل مشكلات الدول الفقيرة يكمن في رفع دخل السكان وليس في الحفاظ على امتيازات الأقلية.

وكتب بشجاعة أن البريطانيين مسؤولون عن وجود غالبية سكان الجزر، ويدينون لهم بثرواتٍ لم تُسدد بعد.

 

نموذج لويس.. معادلة من مسارين

 

 

- في كتابيه الشهيرين "التصنيع في جزر الهند الغربية" و"التنمية الاقتصادية مع وفرة غير محدودة من العمالة"، وضع السير آرثر، نموذج لويس، والذي يُعدّ إطارًا نظريًا في مجال التنمية الاقتصادية، يوضح الآلية التي يمكن من خلالها لاقتصاد نامٍ أن ينتقل من هيكل زراعي تقليدي إلى بنية صناعية عصرية.

 

- ويركز هذا النموذج بشكل أساسي على عملية تحويل العمالة من القطاع التقليدي، الذي يُشار إليه غالبًا بـ "قطاع الكفاف"، إلى القطاع الحديث، الذي يُعرف بـ "القطاع الرأسمالي".

 

- ويفترض النموذج أن هذا الانتقال المحوري يفضي إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل وتنمية مستدامة؛ ورغم مرور عقود، لا تزال سياسات دول المنطقة تُبنى على أساس هذا النموذج حتى اليوم.

 

عودة إلى الكاريبي... وقيادة الجامعة نحو الإقليمية

 

- في عام 1959، عاد لويس إلى الكاريبي ليصبح أول مدير غرب هندي لجامعة جزر الهند الغربية، حيث قاد جهودًا لتطوير الجامعة، وفرض معايير أكاديمية صارمة، رافضًا تعيين أي شخص لا يرقى إلى التميز العالمي؛ حتى وإن كان من أبناء المنطقة.

 

- آمن لويس بالوحدة الإقليمية، وساعد في بناء هياكل جامعية تُصعّب انسحاب أي جزيرة منفردة، موازنًا بين الانتماء المحلي والنظرة العالمية.

 

رؤية ثقافية سبقت عصرها

 

- آمن لويس أن النهضة الاقتصادية لا يمكن أن تُبنى على المعادلات والنظريات فقط، بل لا بد أن تُدعم بثقافة حية وفنون خلاقة.

 

- في إحدى خطاباته، أطلق عبارته الشهيرة: "مجتمع بلا فنون إبداعية هو صحراء ثقافية"، داعيًا إلى إدراج الفنون في مناهج التعليم الثانوي، وإلى الانفتاح على العالم بدل الانغلاق في "نقاء الغرب الهندي" الذي لا يُثمر، على حد قوله، سوى الجمود والتقوقع.

 

- رغم الانتقادات التي وُجهت له ووصمه بـ "الأفرو-ساكسونية" – أي محاكاة السود لثقافة المستعمر – لم ينزعج لويس من اللقب، بل احتضنه بفخر، معتبرًا إياه دليلاً على أن رجلًا أسود قادر على منافسة الرجل الأبيض في ملعبه، وبشروطه.

 

حلم الاتحاد الكاريبي... حين انهارت الجسور قبل أن تكتمل

 

 

- ربما كانت أكثر لحظات لويس وجعًا هي تجربة الاتحاد الكاريبي القصيرة الأجل (1958–1962)؛ فقد كان من أشد المؤمنين بوحدة الجزر الصغيرة لمواجهة التحديات الكبرى، لكنه شاهد حلمه ينهار أمام أعين القادة الإقليميين.

 

- ففي عام 1961، صوّتت جامايكا بالانسحاب من الاتحاد، بعد أن ضمنت وعدًا بالاستقلال من الحكومة البريطانية؛ تبعتها ترينيداد وتوباغو، ثم بربادوس. وهكذا تفكك الحلم قبل أن يتشكل.

 

- ورغم ذلك، لم يفقد إيمانه بمشروع الاتحاد الذي رآه ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الكاريبي.

 

إرث باقٍ رغم الغياب

 

- لم تتأخر سانت لوسيا في تكريم ابنها البار؛ ففي أواخر حياته، أُنشئت "كلية السير آرثر لويس المجتمعية" لتكون شاهدة على منجزاته.

 

- وفي عام 1992، حين فاز ديريك والكوت بجائزة نوبل في الأدب، ترك بعض العاملين في الكلية قاعة التلفزيون، وساروا نحو قبر السير آرثر، ذلك النصب الحجري الأسود المنقوش بحروف ذهبية... وكأنهم يقولون: "ها هو الكاريبي ينهض من جديد، بفضل من مهدوا له الطريق".

 

المصدر: كاريبيان-بيت

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.