نبض أرقام
01:14 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/06/29
2025/06/28

ذكاء المهارات يُعيد رسم خريطة القوى العاملة العالمية

2025/06/28 أرقام

- لطالما رددنا في مجالس الإدارة والمؤتمرات العالمية مقولة "المهارات هي العملة الجديدة"؛ وهي عبارة براقة، تلخص ببراعة الأهمية القصوى التي اكتسبتها الكفاءات في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.

 

- لكن، ماذا لو كانت هذه العبارة، على الرغم من جاذبيتها، تحجب عنا حقيقة أعمق وأكثر أهمية؟ ماذا لو كانت المهارات ليست مجرد عملة متقلبة، بل هي البنية الأساسية الصلبة التي ستقوم عليها اقتصادات المستقبل المرنة؟

 

- مع استعداد قادة العالم للاجتماع في المنتدى الاقتصادي العالمي تحت شعار "ريادة الأعمال من أجل عصر جديد"، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة التفكير جذريًا في هذا المفهوم.

 

من "عُملة" متقلبة إلى "بنية أساسية" راسخة

 

 

- العملة، في جوهرها، أداة للمقايضة؛ تتغير قيمتها وتخضع لقوى العرض والطلب؛ وعلى النقيض من ذلك، فإن المهارات، لكي تكون المحرك الحقيقي للنمو الشامل والقدرة على التكيف، تستلزم منظورًا مغايرًا تمامًا.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- وهي ليست مجرد سلعةٍ خاضعةٍ للتداول، بل هي الأساسُ الذي يحتضن الابتكار، ويمكّن الحراك المهني، ويغذي منظومات ريادة الأعمال.

 

- وكما هو حال شبكات الطرق والطاقة والاتصالات، تشكّل المهارات بنية أساسية لا غنى عنها لأي مجتمعٍ يطمح للازدهار.

 

- وكأي بنية أساسية حيوية، لا بد لمنظومات المهارات أن تتطور لتواكب مقتضيات العصر؛ فالأطر التقليدية والتصنيفات الجامدة باتت عاجزة عن مجاراة سرعة التحول الاقتصادي.

 

- ومن هنا، يبرز الدور المحوري لمفهوم "ذكاء المهارات"، الذي يُعرَّف بأنه تسخير الإمكانات الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لتحويل بيانات القوى العاملة الضخمة إلى بوصلة دقيقة ورؤى ثاقبة قابلة للتنفيذ. هذه ليست مجرد رؤية مستقبلية، بل حقيقة تتشكل على أرض الواقع الآن.

 

الذكاء الاصطناعي: مجهرٌ يكشف عن فجوات المستقبل

 

- يقرع "تقرير مستقبل الوظائف 2025" ناقوس الخطر، كاشفًا عن تحولاتٍ عاصفةٍ تضرب أسس القوى العاملة:

بحلول عام 2030، ستشهد 40% من المهارات الأساسية للعاملين إما تحولًا جذريًا أو تقادمًا تامًا.

 

ورغم ذلك، يرى 63% من أصحاب العمل أن "فجوات المهارات" هي العقبة التي تعترض مسار تطور أعمالهم.

 

تتباين حدة هذه الاضطرابات بين الدول، مما يعكس بوضوح الفوارق في مستويات التنمية الاقتصادية والاستقرار الجيوسياسي.

 

- ولئن كنّا قد أتقنا سابقًا فن تشخيص هذه الفجوات عبر دراساتٍ واستطلاعاتٍ لا حصر لها، فإن التحدي الأكبر اليوم يكمن في تجاوز مرحلة التشخيص إلى تمكين الحلول.

 

- علينا أن ننتقل من مجرد تعداد مواطن الضعف إلى بناء جسور القوة بفاعلية. وهنا، يُحوِّل "ذكاء المهارات" البيانات المبعثرة إلى خارطة طريق دقيقة، تُمكِّن الأفراد والشركات والدول من التكيف بسرعة وكفاءة.

 

حين تصدأ الأطر القديمة: ضرورة تحديث أنظمة المهارات الوطنية

 

 

- شكَّلت أنظمة تصنيف المهارات الحكومية، مثل O*NET في الولايات المتحدة و ESCOفي أوروبا، ركيزةً أساسيةً لفهم أسواق العمل.

 

- بيد أن هذه الأطر قد صيغت في حقبةٍ كان فيها الإيقاعُ بطيئًا والتغييرُ متوقعًا؛ أما اليوم، فإن التسارع المذهل للتحولات يجعل هذه الأنظمة، التي يتم تحديثها على فترات متباعدة، قاصرةً تمامًا.

 

- ولمواكبة هذا الواقع المتسارع، لا بد من الانتقال من الأطر الجامدة إلى بنى أساسية للمهارات تتسم بالذكاء والاستجابة الفورية.

 

- والشاهد هنا أن دمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الوطنية يمنح الحكومات القدرة على قياس احتياجات القوى العاملة والتكيف معها بمرونة.

 

- بدأت هذه الخطوات بالتحقق فعلًا، ففي عام 2022، أُنشئ "جسر" رقمي بين نظامي O*NET وESCO، مما فتح الباب على مصراعيه أمام تكامل أوسع وخدمات مبتكرة، كالمواءمة الفورية بين الوظائف والباحثين عنها، وتصميم برامج تدريب فائقة الدقة.

 

عصر التعاون: نحو لغة مهارات عالمية موحدة

 

- وانطلاقًا من هذه الضرورة الحتمية، يطرح المنتدى الاقتصادي العالمي "مجموعة أدوات اعتماد تصنيف المهارات العالمي 2025"، وهي بمثابة دليل عملي للحكومات والشركات وقادة التعليم.

 

- فكما تربط البنية الأساسية المادية شرايين المجتمعات، فإن هذه المبادرة تدعو إلى منظومات مهارات متناغمة وقادرة على معالجة نقص العمالة ودعم تحول القوى العاملة على نطاق واسع.

 

- فمن خلال "ذكاء المهارات"، تستطيع الحكومات تحديد ما يُعرف بالمهارات المتقاربة– وهي الكفاءات المجاورة التي تمهد الطريق لانتقال العمال بسلاسة إلى أدوار جديدة وواعدة.

 

- كما يمكن للمنصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي استخدام "بيانات المهارات الموثوقة"، وهي سجل موثق للقدرات الفعلية للأفراد – لتوجيه المواهب بدقة متناهية حيث تشتد الحاجة إليها، داخل الحدود وخارجها.

 

- وختامًا، وفيما نقف على أعتاب عصرٍ جديدٍ لريادة الأعمال، تتجلى بوضوحٍ تامٍ الحاجةُ إلى إعادة صياغة علاقتنا بأثمن أصولنا: الطاقات البشرية.

 

- آن الأوان لنتجاوز الفهم الضيق للمهارات كعملة، ولنشرع في ترسيخها كبنية أساسية صلبة تدفع الابتكار، وتعزز المرونة، وتضمن النمو الشامل.

 

- إن "ذكاء المهارات"، مدعومًا بقوة الذكاء الاصطناعي، ليس مجرد أداةٍ عصرية، بل هو حجر الزاوية في تشييد اقتصادات الغد؛ اقتصادات قادرة على تحويل أعتى التحديات إلى أثمن الفرص.

 

المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.