نبض أرقام
07:28 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/11
2025/10/10

من الثورة الصناعية لوادي السيليكون .. دروس التاريخ في الابتكار

08:55 ص (بتوقيت مكة) أرقام

الابتكار يمثل قلب التقدّم الاجتماعي والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، لقرون طويلة ظل القادة يحاولون فهم الوصفة المثالية لتحقيقه.

 

في كتابه "كيف ينتهي التقدّم"، يقدم الاقتصادي والمؤرخ الاقتصادي كارل بنديكت فري سردًا مفصلاً وجذابًا لكيفية تأثير القوى الريادية والمؤسسية والثقافية على فترات التقدّم التكنولوجي والركود عبر العالم.

 

ومن خلال ذلك، يقدّم فري دروسًا مهمة لصناع السياسات اليوم، بينما تتسارع السباقات نحو التفوّق في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخضراء.

 

 

يظهر التاريخ، بحسب فري، أنه لطالما دار حول جدل ثنائي: الحاجة إلى دولة قوية لتوجيه التطور الصناعي مقابل دور السوق الحر. هذا النقاش البسيط لا يزال حاضرًا حتى اليوم.

 

مركزية مقابل لامركزية

 

لكن فري يضيف بعدًا مهمًا، مشيرًا إلى أن درجة اللامركزية الاقتصادية تؤثر على مراحل الابتكار المختلفة.

يقول: «الإدارة البيروقراطية المركزية مفيدة لاستغلال التكنولوجيا القائمة بالفعل وتسريع اللحاق بالتقدم التكنولوجي، بينما الأنظمة اللامركزية أفضل لاستكشاف مسارات تكنولوجية جديدة».

 

ويطبق فري هذا التصور على الديناميكية والانفتاح اللذين قادا الثورة الصناعية البريطانية وقوة أمريكا التكنولوجية، كما يتجلى في وادي السيليكون.

 

ويقارن ذلك بتصنيع بروسيا المدفوع بالدولة في القرن التاسع عشر وارتفاع اليابان بعد الحرب تحت إدارة محكمة، حيث تُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن للبيروقراطية تسريع تبني التكنولوجيا التي طُورت في أماكن أخرى.

 

حدود كل نموذج

 

ومع ذلك، يوضح المؤلف أن أيًا من المسارين لا يضمن استمرار الابتكار. إذ يمكن لقوة السوق الحرة المتنوعة أن تتحول إلى مصالح مكتسبة تقاوم التغيير والمنافسة الجديدة، كما ساهم ذلك جزئيًا في فقدان بريطانيا لتفوقها الصناعي تدريجيًا.

 

من ناحية أخرى، يمكن أن يكون الابتكار مقيدًا بحاجة الدولة إلى خلق بيئة داعمة. ويشير فري إلى أن الولايات المتحدة بعد استقلالها عن بريطانيا كانت تفتقر إلى الدولة القوية القادرة على بناء البنية التحتية اللازمة لتكامل الأسواق وتحفيز التنمية الصناعية.

 

أما الدول التي تهيمن عليها بيروقراطيات ضخمة فكانت تفتقر للمرونة اللازمة للتكيف أو تحفيز التقدّم بمجرد الوصول إلى حدود تكنولوجية.

 

 

ويستشهد فري بالصين الإمبراطورية، ففي العصر الذهبي لسلالة سونغ بين القرنين العاشر والثاني عشر، ازدهرت صناعات مثل بناء السفن والحديد والورق والطباعة، وكانت غالبًا رائدة عالميًا.

 

بيد أنه مع توطيد البيروقراطية المركزية، قلّ التجريب وزادت قيود الحرية التجارية، ويقول فري: «صعود الدولة الصينية شجع الحجم والإنتاجية، لكنه جاء على حساب تنوّع الفكر».

 

دروس غير مكتملة

 

ويرد فري أيضًا على المحاولات الحديثة لاعتبار مهام الدولة خلال الحروب، خاصة الحرب العالمية الثانية، مثالًا إيجابيًا محضًا على قدرة الحكومة على تحفيز الابتكار.

 

يرى فري أن الصراعات أنتجت دفعات من التقدّم التكنولوجي عبر تعبئة الدولة الضخمة، لكنها جاءت مع عدم كفاءة، وكان القطاع الخاص المحرك الرئيسي، لا البيروقراطية.

 

الدرس الأكبر

 

الدرس الأكبر هو أنه لا توجد وصفة واحدة للاقتصاد المبتكر. التوازن والتكيف المستمر ضروريان عبر المؤسسات والثقافة والمبادرة الفردية.

 

ومع ذلك، ما يظل أساسيًا لدفع الحدود التكنولوجية هو الانفتاح والمنافسة والتحرر الاقتصادي.

 

ويؤكد الكتاب على أهمية هذا التحليل في حاضرنا: يبدو أن ديناميكية الأعمال تتراجع في معظم الاقتصادات المتقدمة.

 

لعقود، روجت الدول الغربية لمزايا الأسواق المفتوحة مع التحفّظ على اقتصاد الدولة، لكن اليوم تشهد الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، تحولًا نحو الحواجز الجمركية والتدخل في القطاع الخاص، بما في ذلك استثمار مباشر بنسبة 10% في شركة إنتل.

 

سياسات التدخل والحماية

 

وفي الوقت ذاته، تعود سياسات التدخل الصناعي والحماية الاستراتيجية إلى الواجهة في الغرب، لمواجهة صعود الصين في تقنيات حاسمة وسلاسل توريدها.

 

بيد أن هذا قد يشير أيضًا إلى انتصار النموذج الاقتصادي الصيني القائم على الدولة بهدوء، كما أظهرت الصين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون قدرتها على التأثير السياسي العالمي.

 

لذلك، يمثل "كيف ينتهي التقدّم" تحذيرًا جوهريًا للعصر الجديد. إذا لم تتمكن الحكومات من الموازنة بين فوائد التنسيق المركزي وأهمية الاكتشاف اللامركزي، فإن العودة إلى سياسات التدخل الصناعي قد تؤدي إلى الركود بدل التقدّم.

 

المصدر: فاينانشال تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.