نبض أرقام
07:46 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/12
2025/10/11

رحلة في فكرة .. سيمون كوزنتس أو أبو الناتج المحلي الإجمالي

08:03 ص (بتوقيت مكة) أرقام

حين نسمع اليوم عن "الناتج المحلي الإجمالي" أو عن العلاقة بين التنمية الاقتصادية وعدم المساواة، فإننا في الحقيقة نردد صدى أفكار أحد أبرز العقول الاقتصادية في القرن العشرين: سيمون كوزنتس.

 

هذا الاقتصادي المولود في أوكرانيا والمهاجر إلى الولايات المتحدة لم يكن مجرد باحث في الأرقام، بل كان صاحب رؤية قلبت طريقة فهمنا للنمو الاقتصادي.

 

من وضع أسس حساب الدخل القومي إلى طرحه "منحنى كوزنتس" الشهير الذي أثار جدلاً عالميًا حول ارتباط التصنيع بتوزيع الثروة، استطاع كوزنتس أن يمزج بين دقة الإحصاء وجرأة النظرية.

 

 بيد أن إرثه الفكري ما زال حاضرًا في كل نقاش عن التنمية والعدالة الاقتصادية حتى اليوم.

 

 

من هو سيمون كوزنتس؟

 

سيمون كوزنتس، اقتصادي إحصائي روسي-أمريكي مختص في قضايا التنمية، حصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1971 عن أبحاثه في النمو الاقتصادي.

 

لقد وضع المعايير الأساسية لحساب الدخل القومي، مما مكّن لأول مرة من احتساب تقديرات دقيقة لإجمالي الناتج القومي.

 

وضع كوزنتس المعيار الخاص بحساب الدخل القومي، وهو عمل تم تمويله من قِبل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية  (NBER).

 

ساعدت مقاييسه للادخار والاستهلاك والاستثمار في دفع علم الاقتصاد الكينزي ودراسة الاقتصاد القياسي إلى الأمام.

 

كما ساهم أيضًا في وضع الأسس لدراسة دورات التجارة، والتي باتت تُعرف باسم "دورات كوزنتس"، وطور أفكارًا حول العلاقة بين النمو الاقتصادي وعدم المساواة في الدخل.

 

وُلد كوزنتس في أوكرانيا عام 1901، وانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1922. حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كولومبيا، وعمل أستاذًا للاقتصاد والإحصاء في جامعة بنسلفانيا (1930-1954)، وأستاذًا للاقتصاد السياسي في جامعة جونز هوبكنز (1954-1960).

 

كما عمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة هارفارد (1960-1971). وتوفي عام 1985 في كامبريدج، ماساتشوستس.

 

 

منحنى كوزنتس

 

أدت أبحاث كوزنتس حول النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل إلى افتراضه أن الدول التي تمر بمرحلة التصنيع تشهد ارتفاعًا ثم انخفاضًا لاحقًا في مستوى عدم المساواة الاقتصادية.

 

وعند رسم هذا المسار بيانيًا يظهر على شكل منحنى "U" مقلوب، ويُعرف باسم "منحنى كوزنتس".

 

اعتقد كوزنتس أن عدم المساواة الاقتصادية سيزداد مع انتقال العمالة من المناطق الريفية إلى المدن، حيث يؤدي التنافس على الوظائف إلى خفض الأجور.

 

لكن وفقًا له، فإن الحراك الاجتماعي يعود للزيادة مرة أخرى بمجرد وصول الاقتصاد إلى مستوى معين من الدخل في المجتمعات الصناعية "الحديثة"، حيث يبدأ دور دولة الرفاه.

 

ومع ذلك، فمنذ أن طرح كوزنتس هذه النظرية في السبعينيات، ارتفعت مستويات عدم المساواة في الدول المتقدمة، بينما انخفضت في بلدان شرق آسيا سريعة النمو.

 

منحنى كوزنتس البيئي

 

ظهر تعديل على منحنى كوزنتس أصبح شائعًا لرسم مسار ارتفاع ثم انخفاض مستويات التلوث في اقتصادات الدول النامية.

 

جرى تطوير على هذا المفهوم لأول مرة من قِبل جين غروسمان وآلان كروجر في ورقة بحثية صادرة عن NBER عام 1995، ولاحقًا شاعت عبر البنك الدولي.

 

ويتبع المنحنى البيئي نفس النمط الأساسي لمنحنى كوزنتس الأصلي.

 

وبذلك، فإن المؤشرات البيئية تتدهور مع عملية التصنيع، إلى أن تصل لنقطة تحول، ثم تبدأ في التحسن مرة أخرى بمساعدة التكنولوجيا الحديثة وتوجيه المزيد من الأموال نحو تحسين البيئة.

 

غير أن الأدلة التجريبية لإثبات صحة منحنى كوزنتس البيئي لا تزال متباينة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت انبعاثات الكربون بشكل مستمر في كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية.

 

كما أن تطوير أنظمة تجارة الكربون الحديثة يعني أن الاقتصادات المتقدمة لا تقلل بالفعل من التلوث، بل تنقله إلى الاقتصادات النامية، التي تنتج أيضًا السلع لصالحها.

 

 

ومع ذلك، انخفضت بعض أنواع الملوثات مع التصنيع. فعلى سبيل المثال، انخفضت مستويات ثاني أكسيد الكبريت في الولايات المتحدة مع زيادة التشريعات البيئية، حتى مع بقاء عدد السيارات على الطرق في حالة ثبات أو زيادة.

 

الأدلة والانتقادات لمنحنى كوزنتس

 

الأدلة التجريبية بشأن منحنى كوزنتس جاءت متباينة. فقد اتبعت عملية التصنيع في المجتمع الإنجليزي فرضية المنحنى.

 

ارتفع معامل جيني (مقياس لعدم المساواة في المجتمع) في إنجلترا إلى 0.627 في عام 1871 بعد أن كان 0.400 في عام 1823.

 

ولكن بحلول عام 1901، انخفض إلى 0.443. كما شهدت المجتمعات سريعة التصنيع مثل فرنسا وألمانيا والسويد مسارًا مشابهًا لعدم المساواة في نفس الفترة تقريبًا.

 

بيد أن هولندا والنرويج كان لهما تجربة مختلفة، حيث انخفضت مستويات عدم المساواة لديهما بشكل شبه مستمر مع انتقال مجتمعاتهما من اقتصادات زراعية إلى صناعية.

 

كما شهدت بعض الاقتصادات الآسيوية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، انخفاضًا مستمرًا في مستويات عدم المساواة خلال فترات التصنيع.

 

نظريات مختلفة

 

وقد طُرحت نظريات مختلفة لتفسير هذه التباينات. فالبعض نسبها إلى الخصائص الثقافية، لكن هذا التفسير لا يفسر تجارب هولندا والنرويج مقارنة بباقي أوروبا.

 

في المقابل، ركز آخرون على تطور الأنظمة السياسية التي مكّنت من إعادة توزيع الثروة بشكل سريع.

 

على سبيل المثال، طرح دارون عجم أوغلو وجيمس روبنسون أن عدم المساواة الناتج عن التصنيع الرأسمالي حمل "بذور تدميره" نفسه، وأدى إلى إصلاحات سياسية وعمالية في بريطانيا وفرنسا، ما مكّن من إعادة توزيع الثروة.

 

أما في اقتصادات شرق آسيا، فقد ساعدت إصلاحات الأراضي التي حدثت في الأربعينيات والخمسينيات على تمهيد الطريق لإعادة توزيع أكثر عدلاً، حتى وإن تأخرت الإصلاحات السياسية.

 

بمعنى آخر، كانت السياسة، وليس الاقتصاد كما افترض كوزنتس، هي العامل المحدد لمستويات عدم المساواة.

وعند تعريفه للمفهوم، أقر كوزنتس نفسه بأن هناك حاجة لمزيد من العمل وجمع البيانات لإثبات العلاقة بشكل قاطع بين التنمية الاقتصادية وعدم المساواة.

 

اليوم، يُعرف سيمون كوزنتس بشكل أساسي بنظريته حول العلاقة بين عدم المساواة في الدخل والتنمية الاقتصادية.

 

فقد افترض أن عدم المساواة في الدخل يرتفع عندما تبدأ الدولة في التصنيع، ثم ينخفض في المراحل المتأخرة من التنمية. ويُصوَّر هذا المفهوم عادةً في شكل منحنى يُعرف باسم منحنى كوزنتس.

 

إلى جانب أفكاره عن عدم المساواة والتنمية، يُعرف كوزنتس أيضًا بعمله على تطوير المفهوم الحديث للناتج المحلي الإجمالي (GDP) كمقياس لإجمالي الناتج الاقتصادي للدولة.

 

المصدر: انفستوبيديا

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.