يشهد مشهد التجارة العالمية تحولًا جوهريًا، مدفوعًا بالتحولات الجيوسياسية، والأطر التنظيمية المتطورة، والتغير التكنولوجي السريع.
نتيجة لذلك، تواجه الشركات تعقيدات ومخاطر متزايدة في إدارة التجارة الدولية، حيث تُعرّض هذه التغيرات مئات المليارات من الدولارات لخطر عدم الامتثال للمتطلبات الجديدة.
المخاطر المتنامية
تتطلب البيئة التجارية الحديثة التعامل مع فسيفساء (تشكيلة متنوعة) من القوانين المتطورة، وعدم القدرة على التنبؤ بالرسوم الجمركية، ومطالب تنظيمية جديدة تمتد عبر سلاسل التوريد.
أصبح تأثير التطورات الجيوسياسية مصدر قلق رئيسيًا، إذ يمكن أن يؤدي فقدان القدرة على التكيف إلى دفع رسوم جمركية زائدة أو نقل الإنتاج بشكل غير محسوب، مما يزيد التكاليف ويقلل الكفاءة.
في هذا السياق، يشير ستيف جونسون، نائب رئيس الامتثال التجاري الدولي بشركة باير، إلى أن مسؤول الامتثال أصبح مستشارًا استراتيجيًا ضروريًا للتنقل وسط تعقيدات الرسوم والتقلبات الجيوسياسية ومتطلبات الاستدامة البيئية والاجتماعية.
كما يضيف أن امتلاك بيانات دقيقة وفورية أصبح ضروريًا لرصد المخاطر قبل أن تتفاقم، وهو ما يميز الشركات القادرة على التكيف بسرعة عن منافسيها.
تحديات لوائح الاستدامة
تفرض لوائح الاستدامة تحديات إضافية، مثل آلية تعديل حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي، ولائحة إزالة الغابات، وقانون منع العمل القسري للويغور في الولايات المتحدة.
الشركات التي تفتقر إلى الرؤية على مورديها تواجه مخاطر الانتهاكات واضطرابات سلاسل التوريد.
وتشمل هذه التحديات التعقيدات القانونية الناتجة عن اختلاف القوانين عبر البلدان، أو حتى التفسيرات غير المتسقة داخل الدولة الواحدة، ما يزيد من صعوبة الامتثال للشركات متعددة الأسواق والموانئ.
تعتمد الشركات على التكنولوجيا والبيانات، التي يمكن أن تأتي مع تحدياتها الخاصة، مثل الأنظمة المجزأة، وصيغ البيانات غير المتسقة، والفجوات في الامتثال، والتي قد تؤدي إلى فقدان فرص تقليل الرسوم الجمركية أو انتهاك القوانين الجديدة.
الامتثال كميزة تنافسية
رغم هذه التحديات، هناك فرص كبيرة للشركات التي تستثمر في ذكاء التجارة، وتخطيط السيناريوهات، والتعاون عبر الوظائف المختلفة.
الأنظمة القوية لتتبع المنشأ والرسوم تساعد على تحسين قرارات التوريد وتقليل التكاليف، بينما دمج مراقبة المخاطر الجيوسياسية يسمح بالتحرك بسرعة استجابةً للحواجز الجديدة.
تستفيد الشركات الرائدة في الامتثال تستفيد من وضع "التاجر الموثوق"، وتسهل الإجراءات الجمركية، وتعزز سمعتها مع المستثمرين. كما يمكن إعادة استخدام بيانات سلسلة التوريد لمختلف اللوائح، ما يبسط العمليات ويقلل التكرار.
يؤكد لارس كارلسون، الرئيس العالمي لاستشارات التجارة والجمارك في ميرسك، أن الامتثال أصبح "رخصة العمل" في بيئة التجارة المعقدة اليوم، ويحوّل المخاطر إلى فرص من خلال إدارة البيانات والتكامل الرقمي بين الشركاء.
أتمتة المهام، ومركزة البيانات، واستخدام الذكاء الاصطناعي لدعم الاكتشاف والتحليلات التنبؤية، يتيح للشركات إدارة المخاطر بشكل استباقي والبقاء في الصدارة.
كما أصبح الربط بين الاستدامة والاستثمار التكنولوجي وسيلة فعالة لتحسين الكفاءة التشغيلية وتخفيف المخاطر المستقبلية.
استراتيجيات النجاح في التجارة الدولية
يتطلب النجاح تقييم تعرض الشركة للتحولات التجارية، ومقارنة نضجها التجاري، وتحديد أهداف واقعية للاستثمار في الأفراد والعمليات والأنظمة.
يضمن دمج إدارة التجارة عبر الوظائف المختلفة تحديد المخاطر مبكرًا وإدارتها بفاعلية.
كما أن اختيار أدوات التكنولوجيا المتوافقة مع حجم الشركة وبصمتها التجارية أمر حاسم لتمكين الامتثال وتقليل المخاطر.
يقول يواخيم برودبيك، مسؤول حوكمة الامتثال التجاري بشركة نوفارتيس، إن إنشاء حوكمة قوية داخل المؤسسات أمر بالغ الأهمية لمواجهة أنظمة العقوبات المتغيرة.
والحقيقة أن التعاون بين الوظائف والتفاعل الاستباقي مع صانعي السياسات ضروري للتنقل في تعقيدات التجارة وضمان الامتثال مع تعزيز النجاح المستدام على المدى الطويل.
كما يشدد على أهمية تدريب الفرق الداخلية على التكيف مع التغيرات التنظيمية المستمرة لتجنب الأخطاء المكلفة.
لم تعد إدارة التجارة الدولية مجرد نقل للبضائع عبر الحدود، بل أصبحت قدرة استراتيجية.
الشركات التي تستثمر اليوم في تطوير قدراتها التجارية ستكون في وضع أفضل للتكيف مع حقائق التجارة المستقبلية، وتقليل المخاطر، واغتنام الفرص في عالم معقد وسريع التغير.
من خلال التركيز على الابتكار في إدارة الامتثال، واستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي، وتوحيد الجهود عبر الوظائف المختلفة، يمكن للشركات تحويل التحديات إلى مزايا تنافسية حقيقية.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: