نبض أرقام
07:15 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/14

عندما تتغيّر الأسعار كل ثانية .. هل فقد المستهلك السيطرة؟

08:01 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

حاول جون ماثيوز، الموظف في شركة استشارات في نيويورك، أن يحجز لرحلة عمل سريعة إلى سنغافورة لحضور مؤتمر في مجال التكنولوجيا المالية.

 

وبالفعل فتح أحد مواقع حجز الرحلات الجوية حيث كان يخطط لرحلته الشهر المقبل ليجد سعر التذكرة 1050 دولارًا أمريكيًا، ولكن قبل أن يواصل عملية الشراء أخذ بضع دقائق للتفكير قبل الحجز.

 

 

وعندما عاد لتحديثها، فوجئ بأن السعر قد ارتفع إلى 1280 دولارًا، حينها شعر بالدهشة وخيبة الأمل لأنه لم يتمكن من الحصول على التذكرة بالسعر القديم، ثم أجرى محاولة أخرى بعد نحو 20 دقيقة عبر هاتفه المحمول ليجد أن السعر أصبح 1120 دولارًا لنفس الرحلة.

 

لم يدرك جون حينها أن حصوله على 3 أسعار مختلفة خلال أقل من نصف ساعة فقط ليس خللًا في النظام، بل نتيجة لخوارزمية تسعيرٍ ديناميكية.

 

وتراقب هذه الخوارزمية الطلب في الوقت الحقيقي، وتقرأ موقع المستخدم ونوع جهازه وسلوكه السابق على الإنترنت، لتعيد احتساب السعر كل بضع ثوانٍ.

 

وبينما شعر جون بالحيرة والارتباك في اتخاذ القرار كمستهلك، كانت شركة الطيران تعتبر ما حدث مجرد تحصيل أفضل إيرادات ممكنة، وبالطبع ليس جون فقط هو من يواجه مثل هذا الموقف.

 

فما حدث له هو صورة مصغّرة لعالم جديد تتحكم فيه الخوارزميات في الأسعار بسرعة تفوق قدرة البشر على التنبؤ أو الفهم، فنحن نعيش اليوم في سوقٍ لم تعد الأسعار فيه ثابتة أو يمكن التنبؤ بها.

 

فبين اللحظة التي تفتح فيها موقعًا لحجز رحلة جوية، وتلك التي تفكر في الإقدام على شراء التذكرة من عدمه، قد تكون الخوارزميات قد غيّرت الأسعار مراتٍ عدة — أحيانًا كل بضع دقائق، وأحيانًا كل ثانية.
 

ويُروَّج للتسعير الديناميكي باعتباره أداة لزيادة الكفاءة فهو يساعد البائعين على إدارة المخزون بشكلٍ أفضل، ويوائم العرض مع الطلب بسرعة، وقد يتيح للمستهلك أحيانًا أسعارًا أقل.

 

لكن في الوقت نفسه، فإن السرعة والضبابية التي ترافق هذه التقنية تنقل ميزان القوة بعيدًا عن المستهلك، حيث تُستخدم البيانات الشخصية والتجارب اللحظية لتحديد الأسعار، مما يجعل من الصعب معرفة ما إذا كان السعر عادلًا أو مبالغ فيه أو حتى إذا كان قابلًا للتكرار لاحقًا.

 

شركات الطيران الحاضر الأبرز

 

في الماضي، كانت شركات الطيران تعتمد على جداول أسعار ثابتة تُقسَّم إلى فئات محددة، مع ضوابط دقيقة لإدارة المقاعد.

 

 أمّا اليوم، فقد انتقلت إلى نموذج العروض الديناميكية الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في الوقت الحقيقي.

 

 

فبدلًا من طرح عدد محدود من الأسعار المسبقة، أصبح بإمكان شركات الطيران تقديم عروض مخصّصة لكل عميل على حدة، بناءً على عوامل متعددة مثل وقت الحجز، وعدد المقاعد المتبقية، وحتى الموقع أو المنصّة التي يحجز عن طريقها المسافر.

 

ووفقًا لتقارير صادرة بداية عام 2025، تستخدم شركة دلتا إيرلاينز الآن الذكاء الاصطناعي حيث يُؤثّر على حوالي 3% من أسعار تذاكرها المحلية، وتهدف لرفع تلك النسبة لتصبح 20% بنهاية العام نفسه.
 

وهذا يعني أن السعر الذي يراه المسافر عند الساعة 10:02 صباحًا قد يختفي بعدها بدقائق ليُستبدل بعرض جديد أعلى أو أدنى قليلًا.
 

وتبرر الشركات هذه المنهجية بأنها تساعد على زيادة الإيرادات دون رفع الأسعار الرسمية، لكن المنظمات الاستهلاكية تحذّر من غياب الشفافية مع استخدام تلك الديناميكية.

 

مقارنة بين أنظمة التسعير التقليدي والتسعير الديناميكي:

العنصر

التسعير التقليدي

التسعير الديناميكي

الآلية

سعر ثابت لفترة محددة

تحديث تلقائي للأسعار وفق الخوارزميات

الاعتماد على البيانات

منخفض – يعتمد على التكاليف فقط

مرتفع ويعتمد على البيانات اللحظية وسلوك المستهلك

المرونة

محدودة

عالية جدًا

الفائدة للشركات

استقرار الإيرادات

يعمل على تعظيم الأرباح

التحدي للمستهلك

توقع السعر بسهولة

صعوبة التنبؤ ومخاوف من التسعير التمييزي

 

وتشير بعض التقارير إلى أن 27% من العروض في السوق الجوية في يوليو 2024 كانت تُولَّد بشكل ديناميكي، كذلك تفيد تقارير مثل ديناميك إيرلاينز برايسنج ومايتي ترافيلز بأن الأسعار يمكن أن تتغيّر حتى 15 مرة في اليوم على نفس الرحلة خلال فترات الذروة.

 

التجارة الإلكترونية.. سباقات خوارزمية لا تنتهي

 

طبعًا الأمر لا يقتصر فقط على عالم الطيران، إذ إنه حاضر بقوة في عالم التجارة الإلكترونية الذي تتسارع فيه الأسعار بسرعة البرق.

 

 

فالمواقع الكبرى مثل أمازون تشغّل أنظمة تسعير آلية تُجري تعديلات مستمرة على الأسعار، استجابة لتحركات المنافسين ومستويات الطلب والمخزون حيث رصدت تقارير في الصناعة أن أمازون تعدل أسعار منتجاتها بنحو 2.5 مليون مرة يوميًا لمختلف منتجاتها.

 

كما أظهرت بيانات من منصة كيبا المتخصصة في تتبّع الأسعار أن متوسط التغير في سعر المنتج على أمازون قد يصل إلى 7 مرات في اليوم الواحد في فترات التخفيضات الكبرى مثل برايم داي.

 

وفقًا لتقرير شركة ماكينزي الصادر عام 2023، فإن نحو 52% من شركات التجزئة الكبرى حول العالم تستخدم بالفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي في واحدة على الأقل من وظائفها التشغيلية، بما في ذلك التسعير وإدارة المخزون وتحليل الطلب.

 

وفي السياق نفسه، أظهر تقرير معهد كابجيميني للأبحاث لعام 2023 أن حوالي 64% من تجار التجزئة العالميين يخططون لاعتماد الذكاء الاصطناعي في التسعير خلال العامين المقبلين.

 

وفي متاجر التجزئة، ساهمت الملصقات الرقمية للأسعار في تسريع هذه التجارب؛ إذ أفادت تقارير في صحيفة وول ستريت جورنال بأن بعض المتاجر في أوروبا والنرويج تُغيّر أسعار السلع عشرات المرات يوميًا.
 

لذا فمن الممكن أن يدخل متسوّقان إلى الموقع نفسه في فترتين متقاربتين ويشاهدان سعرين مختلفين تمامًا لنفس المنتج، لأن الخوارزمية كانت تختبر مرونة الطلب، أو تُصفي المخزون، أو ترد على عروض منافسة.

 

التسعير المفاجئ وفقدان الثقة

 

شكّلت تطبيقات النقل والتوصيل، مثل أوبر، الواجهة الأولى التي اختبر فيها المستهلك التسعير الديناميكي بشكل مباشر، ويعمل بنظام الزيادة اللحظية على رفع الأسعار عند ارتفاع الطلب، بحجة تحقيق توازنٍ بين عدد السائقين والركاب.

 

غير أن هذا النظام كثيرًا ما يؤدي إلى قفزات حادة وغير مبررة في الأسعار، مما يثير شعورًا بالاستغلال وفقدان الثقة حيث أظهرت دراسات أن الخوارزميات التي تحدد الأسعار في هذه التطبيقات قد ترفع الأسعار بما يزيد على 200% خلال فترات الذروة.

 

 

وقد لا ترتبط بعض التغييرات في الأسعار فعليًا بتوافر السائقين، بل بخوارزميات معقدة تهدف إلى تعظيم أرباح المنصّة.

 

ورغم أن هذه النماذج تُسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتنظيم الطلب، إلا أن فقدان القدرة على التنبؤ بالأسعار يضعف الثقة وهي العملة الأهم في الاقتصاد الرقمي، فحين يدفع المستخدم ثلاثة أضعاف السعر خلال دقائق معدودة دون تفسير واضح، يفقد شعوره بالثقة.

 

قد لا يكون التسعير الديناميكي شرًّا مطلقًا؛ إذ إنه طيفٌ واسع يبدأ من تحسين الكفاءة وتقديم الخصومات الذكية، وينتهي إلى تسعيرٍ شخصي غامض قد يقترب من الاستغلال.
 

وتُظهر التجارب أن هناك ثلاثة معايير أساسية تحكم المشهد أولها الكفاءة مقابل الشفافية، إذ قد تسهم الخوارزميات في رفع كفاءة السوق، لكنها تعمل غالبًا في إطار مبهم لا يفهمه المستهلك.

 

كما أنه قد يستفيد بعض المستهلكين من العروض المخصصة أو المكافآت، لكن آخرين يُصنَّفون في فئات “الاستعداد الأعلى للدفع”، فيدفعون أكثر لنفس السلعة أو الخدمة.

 

وفي حين تساعد سرعة تحديث الأسعار على تصريف المخزون وتجنب الخسائر، لكنها تجعل عملية التخطيط المالي أو المقارنة بين الأسعار شبه مستحيلة للمستهلك العادي.

 

لذا يمكن للمستهلكين استعادة جزء من السيطرة عبر استخدام أدوات تتبع الأسعار، والتسوّق في وضع التصفح الخفي، ومقارنة الأسعار عبر الأجهزة والمنصّات.
 

أما الشركات فعليها إعادة بناء الثقة عبر توضيح كيفية تحديد الأسعار وتقديم ضمانات أو فترات ثبات للسعر.
 

ويبقى على الجهات التنظيمية أن تفرض شفافية أكبر في الأسواق الحساسة كالنقل والمواد الأساسية وأن تلزم الشركات بالإفصاح عندما تُستخدم الخوارزميات لتحديد الأسعار بشكل شخصي.

 

وإذا لم تُضبط هذه الخوارزميات بضوابط واضحة، سيبقى المستهلك يخوض رحلة لا يعرف وجهتها، تقودها أكوادٌ تُقرر الأسعار وفق منطقٍ رقميٍّ بارد لا يراعي العدالة والظروف الإنسانية.

 

المصادر: أرقام- منظمة النقل الجوي الدولي (إياتا)- كلية وارتون- وول ستريت جورنال-صحيفة ذا غارديان- شركة ماكينزي للأبحاث- معهد كابجيميني للأبحاث

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.