نبض أرقام
12:25 م
توقيت مكة المكرمة

2025/11/28
2025/11/27

فك ارتباط الدولار بالذهب .. كيف غير الاقتصاد العالمي؟

08:59 ص (بتوقيت مكة) أرقام

في 15 أغسطس 1971، اتخذ الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون قراراً أحادياً بوقف تحويل الدولار إلى ذهب، منهياً عملياً نظام بريتون وودز الذي كان مهيمناً على الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

جاء القرار بعد انهيار احتياطي الذهب الأمريكي من نحو 20 ألف طن في أربعينيات القرن الماضي إلى 8333 طناً فقط، مع تسارع مطالبة دول عدة - أبرزها فرنسا بقيادة شارل ديغول- باستبدال ما تمتلكه من دولارات بواسطة الذهب نتيجة اتساع العجزين التجاري والمالي للولايات المتحدة.

 

 

في اجتماع سريّ بكامب ديفيد، فضّل نيكسون وفريقه الاقتصادي الحفاظ على ما تبقى من الذهب بدلاً من مواجهة ما يشبه "التخلف عن السداد" في التزامات واشنطن تجاه العالم.

 

وخلال تلك المرحلة أطلق وزير الخزانة جون كونالي عبارته الشهيرة: "الدولار عملتنا… لكنه مشكلتكم أنتم". لتعكس بدقة طبيعة التحول الأحادي الذي غيّـر النظام النقدي العالمي جذرياً.

 

من أين بدأ الطريق نحو "صدمة نيكسون؟"

 

لم يكن قرار 1971 حدثاً معزولاً؛ بل نتيجة مسار طويل بدأ قبل ذلك بأربعة عقود. ففي عام 1933 أصدر الرئيس فرانكلين روزفلت الأمر التنفيذي 6102 الذي صادر عملياً ما يمتلكه الأمريكيون من ذهب وجعل حيازته بكميات كبيرة أمراً غير قانوني وخطوة مثّلت أول فصل حقيقي بين الأمريكيين وبين النقود المدعومة بالذهب.

 

ثم جاء اتفاق بريتون وودز عام 1944 ليكرّس الدولار كعملة احتياط عالمية مثبتة بسعر ثابت قدره 35 دولاراً للأونصة.

 

وبموجب هذا النظام، حافظت الولايات المتحدة وحدها على الارتباط المباشر بالذهب بينما تُرك لبقية العملات هامش للتحرك، ما منح واشنطن نفوذاً غير مسبوق في النظام المالي العالمي.

 

وللحفاظ على هذا السعر، شكّلت ثماني دول غربية "مجموعة الذهب" بين 1961 و1968 بهدف ضخ الذهب في الأسواق كلما تجاوز سعره الحد المسموح.

 

لكن مع تزايد الطلب العالمي وتراجع الثقة بالدولار، انهار هذا الترتيب بعد بيع أكثر من 3000 طن من الذهب لمحاولة تثبيت السعر. هذا الانهيار كان إيذاناً بانتهاء المرحلة الأخيرة من ربط الدولار بالذهب.

 

كيف أثّر إنهاء معيار الذهب على الاقتصاد الأمريكي؟

 

قبل 1971: استقرار.. وتقدم مشترك بين العمال والشركات

 

شهد الاقتصاد الأمريكي قبل 1971 تناغماً نادراً بين نمو الإنتاجية وارتفاع أجور العمال، وهو ما أسّس لطبقة وسطى قوية كانت قادرة -اعتماداً على دخل واحد - على امتلاك منزل وعيش حياة مريحة.

 

كان الفارق بين أجور التنفيذيين والعمال محدوداً نسبياً؛ فمتوسط دخل المدير التنفيذي لم يكن يتجاوز 20 ضعف دخل الموظف العادي، مقارنة بأكثر من 350 ضعفاً اليوم.

 

بعد 1971: انفصال الأجور عن الإنتاجية.. وانفجار الديون

 

منذ التخلي عن الذهب، دخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة مختلفة تماماً. فقد ارتفع الدين الفيدرالي من 398 مليار دولار إلى أكثر من 36 تريليوناً - قفزة لم يكن بالإمكان حدوثها في ظل نظام نقدي مقيد بالذهب.

 

في الوقت نفسه، فقد الدولار نحو 87% من قيمته الشرائية - وحتى 98% وفق بعض منهجيات احتساب التضخم - ما جعل الادخار بالنقد أمراً شبه غير مجدٍ. وبينما تضاعفت الإنتاجية تراجعت الأجور الحقيقية وتوقفت عن مواكبة النمو، ما خلق فجوة واسعة بين من يمتلكون الأصول ومن يعتمدون على الأجور فقط.

 

قفزت أسعار المساكن أكثر من 1600% منذ 1971، بينما ارتفعت دخول الأسرة الأمريكية 475% فقط. وبات شراء منزل يتطلب أكثر من سبع سنوات من الادخار، مقارنة بنحو 2.5 سنة قبل 1971.

 

 

وفي السياق نفسه، استحوذ أعلى 1% من الأمريكيين على النسبة الأكبر من مكاسب الثروة، بينما تقلصت الطبقة الوسطى تدريجياً، بالتزامن مع موجات التحرير المالي في الثمانينيات والتسعينيات.

 

لماذا تصعب العودة إلى معيار الذهب؟

 

رغم الانتقادات الواسعة للنظام النقدي الحالي، تبدو العودة لمعيار الذهب شبه مستحيلة لعدة أسباب:

 

ضآلة الاحتياطي مقارنة بالمعروض النقدي

 

تمتلك الولايات المتحدة حالياً نحو 8133 طناً فقط من الذهب، وهو رقم غير كافٍ لربط الدولار بالمعدن النفيس عند أسعار معقولة. ولتحقيق تغطية نقدية واقعية، قد يحتاج سعر الذهب إلى تجاوز 25 ألف دولار للأونصة.

 

مخاطر مطالبة الدول باستبدال احتياطياتها بواسطة الدولار

 

دول مثل الصين واليابان ودول النفط قد تسارع لاستبدال ما لديها من دولارات بواسطة الذهب، ما يؤدي إلى استنزاف كامل احتياطي الولايات المتحدة خلال وقت قصير.

 

شلل السياسة النقدية

 

سيعيد معيار الذهب تقييد قدرة البنوك المركزية على التدخل خلال الأزمات الاقتصادية، ما قد يعمّق الكساد في أوقات الانكماش.

 

الحلول الناشئة على مستوى الولايات الأمريكية

 

في ظل غياب إمكانية عودة النظام الذهبي على المستوى الفيدرالي، تتجه بعض الولايات إلى حلول بديلة.

 

ولايات مثل تكساس ويوتاه ولويزيانا مررت قوانين تعترف بالذهب والفضة كعملة قانونية، مستندة إلى المادة الأولى من الدستور الأميركي التي تمنع الولايات من اعتماد أي عملة غير الذهب والفضة.

 

تكساس أنشأت «مستودع تكساس للسبائك»، بينما طوّرت يوتاه نظاماً ضريبياً يسهّل استخدام المعادن الثمينة في المدفوعات. وتعمل هذه المبادرات على بناء بنية تحتية مالية تسمح بإجراء معاملات يومية بالذهب عبر أنظمة تسوية حديثة.

 

البدائل الحديثة للنقود الورقية: صعود الأنظمة المدعومة بالأصول

 

التطور التكنولوجي فتح الباب أمام حلول نقدية جديدة تربط بين استقرار الذهب وسهولة المعاملات اليومية.

 

انتشرت أنظمة الدفع المدعومة بالذهب مثل Glint وKinesis وOneGold، حيث يحتفظ المستخدمون بذهب فعلي مخزن في خزائن مؤمنة، بينما تُحوّل قيمته إلى الدولار فوراً عند الشراء.

 

 

توفر هذه الأنظمة:

 

- ملكية مخصصة 100% للذهب.

 

- تحويلات لحظية عند نقاط البيع.

 

- إمكانية تحقيق عوائد عبر برامج الإقراض أو رسوم التداول.

 

- حماية من التضخم مع الاحتفاظ بسهولة الدفع الرقمية.

 

وبعكس الاعتقاد التقليدي بأن «النقود الرديئة تطرد الجيدة» وفق قانون غريشام، تسمح التكنولوجيا الحديثة بظاهرة معاكسة:

 

الاحتفاظ بالأموال الجيدة (الذهب) والإنفاق بالورقية فقط عند الحاجة، وهو ما يقود إلى تطبيق قانون ثييرز حيث تنتصر العملة الجيدة تدريجياً.

 

المصدر: ديسكفري أليرت

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.