في مقر وولمارت ببنتونفيل، أركنساس، كان دوغ مكميلون يتلقى ما يشبه معاملة النجوم السينمائية.
في صباح أحد الأيام في أبريل/نيسان، اجتمع نحو 150 موظفاً مخلصاً للشركة لتكريم سنوات خدمتهم الطويلة، التي تتراوح بين 20 و50 سنة. لكن مكميلون، الرئيس التنفيذي للشركة، كان هو محور الاهتمام، حيث اندفع الزملاء للحصول على توقيعاته وصور سيلفي معه.
استطاع مكميلون البالغ من العمر 57 عاماً والطويل القامة، جذب الأنظار بسهولة، واستغل المناسبة لتشجيع موظفيه على مشاركة قصصهم، وحتى تقديم شكاوى واقتراحات.

التواصل الشخصي
مكميلون معروف بقدرة استثنائية على التواصل الشخصي، وبفن الاستماع الذي يجعل أي موظف يشعر وكأنه محور الاهتمام.
هذه المهارة كانت ضرورية لقيادة أكبر شركة تجزئة في أمريكا في عصر التجارة الإلكترونية المتسارع.
تولى مكميلون المسؤولية في 2014، بعد أن ورث شركة تقليدية تواجه ركود المبيعات وصعود أمازون، مع تحدٍ واضح لإعادة ابتكار نموذج العمل دون التخلي عن فلسفة سام والتون، مؤسس وولمارت، القائمة على الأسعار المنخفضة يومياً.
خلال العقد الماضي، نجح مكميلون في تنفيذ تغييرات جذرية، حافظت على تصدر وولمارت لقائمة فورتشن 500 طوال فترة قيادته.
الإيرادات السنوية للشركة ارتفعت من 486 مليار دولار عام 2014 إلى 648 مليار دولار في آخر تقرير، وهو نمو قدره 162 مليار دولار.
وفي التجارة الإلكترونية، سجلت الشركة رقماً قياسياً بزيادة إيراداتها إلى أكثر من 100 مليار دولار عالميًا، ما يوضح قدرتها على التكيف مع العصر الرقمي.
مكميلون، الذي بدأ مسيرته المهنية في وولمارت عام 1984 بتحميل الشاحنات، صعد تدريجيًا من خلال برنامج تدريب المشترين، وأصبح رئيسًا تنفيذيًا لشركة سامز كلوب ثم وولمارت الدولية، قبل أن يتولى قيادة الشركة بأكملها.
خلال قيادته، أعاد تعريف إدارة 2.1 مليون موظف، وسمح بالابتكار على المستويات المختلفة، وزاد الأجور وتوسيع فرص التدريب، ما ساهم في خفض معدل دوران الموظفين وتحسين الخدمة، وخاصة في المتاجر والمستودعات الكبيرة.
أبرز إنجازاته
أحد أبرز إنجازاته كان توجيه وولمارت نحو التجارة الإلكترونية. شراء Jet.com في 2016 بمبلغ 3 مليارات دولار، واستقطاب مؤسسها مارك لور، إضافة إلى استحواذ الشركة على علامات رقمية مثل بونوبوس (Bonobos) و موسجاو (Moosejaw) ، ما ساعد على إدخال عقلية الابتكار الرقمي إلى الشركة.
تعلمت وولمارت من هذه التجارب وطبقت بعض أساليبها على تحسين أنظمة الدفع وإدارة وصفات الصيدليات، وكذلك على تحسين تجربة التسوق عبر الإنترنت بشكل أسرع وأكثر سلاسة.
الميزة الكبرى كانت استغلال شبكة المتاجر الضخمة للشركة. مع وجود 4600 متجر، يعيش 90% من الأمريكيين على بعد 16 كيلومتراً من أحدها، ما سمح ببناء مراكز توزيع للتجارة الإلكترونية، وتقليص الفجوة مع أمازون من حيث السرعة والسعر.
في 2023، سجلت وولمارت 65.4 مليار دولار من مبيعات التجارة الإلكترونية الأمريكية، أكثر من أربعة أضعاف 2019.
متاجر أكثر جاذبية
على صعيد المتاجر، عمل مكميلون على تحديثها لتصبح أكثر جاذبية، مع تعزيز أقسام المنتجات الطازجة والألبسة والمستلزمات العامة بأسلوب عرض يشبه المتاجر الكبرى، بما في ذلك عرض علامات مثل ليفيز (Levi’s) و ريبوك ( Reebok).
رغم إغلاق بعض الخدمات مثل وولمارت هيلث Walmart Health وعيادات تيليهيلث Telehealthحافظت المتاجر على نمو سنوي مستدام في المبيعات مقارنة بالمثيل.
تعاون مكميلون مع مجلس الإدارة، وخاصة رئيس المجلس غريغ بنر، الذي ينتمي إلى عائلة والتون، ساعد على تخفيف ضغوط السوق عند تنفيذ استثمارات كبيرة في الأجور أو التكنولوجيا.

التاجر المتمرد
كما حرص مكميلون على الاستفادة من إرث سام والتون، مؤسس وولمارت، الذي رسخ فلسفة "السعر المنخفض كل يوم" وروح الابتكار لدى الموظفين، بما في ذلك تشجيع "التاجر المتمرد" الذي يخالف البروتوكولات إذا خدم العميل بشكل أفضل.
بعد حادثة إطلاق النار في إل باسو عام 2019، اتخذ مكميلون قرارات مسؤولة بتقييد بيع الذخيرة لبعض الأسلحة، وحث الكونغرس على تعزيز قوانين الفحص الأمني.
في مجال الأجور والتدريب، رفع مكميلون الحد الأدنى للأجور من 9 دولارات في 2015 إلى 14 دولاراً اليوم، وعزز برامج التعليم والتدريب المهني للموظفين، بما في ذلك دعم التعليم الجامعي.

تحفيز الموظفين
ساعدت هذه الخطوات على تحفيز الموظفين وتحسين تجربة العملاء، وتقليل معدلات الدوران العالية التي كانت تحد من جودة الخدمة قبل عقد من الزمن.
كما دفع مكميلون جهود الشركة في الاستدامة، فخفضت وولمارت بصمتها الكربونية بشكل ملحوظ، وأعلنت في 2017 عن هدف إزالة جيجا طن من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2030، محققة الهدف قبل الموعد بست سنوات، في خطوة تعكس التزامه بالاستدامة البيئية.
أحد أكبر مشاريعه حالياً هو مقر الشركة الجديد، نيو هوم أوفيس "New Home Office"، بمساحة 350 فداناً، المزمع افتتاحه على مراحل في 2025، ويتميز بمبانٍ مفتوحة وعصرية، ومسارات للدراجات، ومركز للياقة البدنية، وقاعات قهوة محلية، لتعكس بيئة عمل حديثة تشبه مقرات شركات التكنولوجيا الكبرى.
الهدف من المشروع هو جذب أفضل المواهب والمحافظة عليها في بنتونفيل، التي تحولت خلال العقدين الماضيين من مدينة هادئة إلى مركز نابض بالحياة.
ولاء العملاء
نجاحات مكميلون أكسبت الشركة ولاء العملاء، خاصة خلال جائحة كورونا، حيث ساعدت الأسعار المنخفضة وولمارت+ على جذب العملاء المتأثرين بالتضخم، كما أسست الشركة لنشاط إعلاني بقيمة 3.4 مليار دولار يعتمد على بيانات العملاء.
حتى مع احتمالية تفوق أمازون على وولمارت في السنوات المقبلة بسبب نمو خدمات السحابة، يظل مكميلون متفائلاً: "كونك الأول على القائمة يجلب بعض العيوب، كل العالم يريد الإطاحة بالملك، لكن هدفنا هو تحسين خدمة العملاء يومياً، سواء كنا أولاً أو ثانياً."
دوغ مكميلون يمثل نموذجاً للقيادة الحديثة في وولمارت، حيث مزج بين احترام التراث والتحديث المستمر، واستراتيجية طويلة الأمد، قادرة على إبقاء الشركة في صدارة المنافسة رغم تحديات العصر الرقمي، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وضغط المنافسين مثل أمازون.
قيادته تظهر كيف يمكن للشركة التقليدية أن تتطور لتواكب العصر الرقمي، دون التخلي عن قيمها الأساسية التي أرساها مؤسسها سام والتون منذ أكثر من نصف قرن.
المصدر: فورتشن
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: