أظهرت بيانات أول 9 أشهر من عام 2025 تحولا واضحا في سلوكيات الإنفاق بالكويت، مع ارتفاع الاعتماد على الدفع الإلكتروني عبر نقاط البيع ومشتريات الإنترنت بشكل كبير مقارنة بالسحب النقدي التقليدي، حيث بلغت قيمة سحوبات «الكاش» عبر أجهزة السحب الآلي نحو 6.83 مليارات دينار فقط من إجمالي الإنفاق البالغ 34.35 مليار دينار منذ بداية العام حتى نهاية سبتمبر الماضي، أي ما يعادل أقل من 20% من إجمالي المعاملات الاستهلاكية التي شهدتها البلاد.
ويعكس هذا التوجه المتسارع تزايد ثقة المستهلكين في الحلول الرقمية، وانخفاض الاعتماد على النقود الورقية، وهو ما ينسجم مع مستهدفات الشمول المالي التي تسعى الكويت لتحقيقها من خلال تعزيز انتشار الخدمات المصرفية الرقمية وتوسيع قاعدة المستفيدين من الحلول المالية الحديثة.
ويشكل هذا التحول أيضا فرصة للبنوك لتعزيز قدراتها على إدارة البيانات المالية، تقديم منتجات مصرفية مخصصة، ودعم التخطيط الاقتصادي المستقبلي.
وأسهمت البنية التحتية لنقاط البيع، وخاصة أجهزة «كي نت»، في تسهيل عمليات الدفع الإلكتروني بشكل كبير، حيث توفر هذه الأجهزة للمستهلكين سهولة الدفع مقابل مشترياتهم في المولات، المتاجر الكبرى، والأسواق المركزية، ومع توسع هذه الشبكة لتشمل المحلات الصغيرة والمتوسطة والمتاجر المتخصصة، أصبح الدفع الإلكتروني جزءا من نمط الحياة اليومية للمستهلك الكويتي، مع قدرة على تغطية معظم مناطق البلاد بسهولة وسرعة.
وبحسب البيانات، بلغ إجمالي الإنفاق عبر أجهزة نقاط البيع والمعاملات التي تمت عبر المواقع الإلكترونية نحو 27.52 مليار دينار، لتشكل نحو 80% من إجمالي الإنفاق خلال أول 9 أشهر من 2025، ما يعكس التحول الفعلي نحو الاقتصاد الرقمي في سلوك المستهلكين، والاعتماد على وسائل الدفع الآمنة والفعالة.
إلى جانب نقاط البيع، شهدت الكويت خلال العام الحالي زيادة ملحوظة في مشتريات الإنترنت، خاصة عبر متاجر التجزئة الكبرى، والمولات، والمتاجر المتخصصة، التي وفرت منصات إلكترونية متطورة وخدمات دفع آمنة.
كما لعبت خدمات التوصيل السريع دورا محوريا في تعزيز هذه الموجة، إذ أصبح بإمكان المستهلكين الحصول على مشترياتهم في منازلهم أو أماكن عملهم دون الحاجة للتنقل أو الاعتماد على النقد، ما يسرع اعتماد الدفع الرقمي ويحد من التعامل بالكاش.
ومع هذا الانتشار، أصبح لدى المستهلكين القدرة على إدارة مشترياتهم بشكل أكثر مرونة، كما يساعد التجار على توسيع قاعدة عملائهم وتحسين كفاءة العمليات التشغيلية، ما يعزز من تنافسية القطاع التجاري في الكويت.
ويشير انخفاض نسبة الكاش إلى أقل من 20% من إجمالي الإنفاق إلى أن معظم الإنفاق الاستهلاكي يتم عبر بطاقات الدفع الإلكتروني، وهو ما يعزز الشفافية، ويقلل من مخاطر التعامل بالنقد، ويسهم في تتبع التدفقات المالية بدقة أكبر. كما أن انتشار الدفع الرقمي يحفز التحول الرقمي في القطاع المالي والتجاري، ويدعم توسع الاقتصاد الرقمي في الكويت، مع توفير بيانات دقيقة عن أنماط الاستهلاك تساعد في التخطيط الاقتصادي واتخاذ القرارات الاستثمارية.
ويعد هذا التحول أيضا فرصة لتعزيز كفاءة القطاع المصرفي، من خلال القدرة على استخدام بيانات المعاملات لتحسين المنتجات المالية، إدارة المخاطر، وزيادة قدرة البنوك على تقديم خدمات رقمية مبتكرة تلبي احتياجات المستهلكين.
في هذا السياق، يعكس التوجه نحو الدفع الإلكتروني ليس فقط توسع الإنفاق عبر نقاط البيع والمشتريات الإلكترونية، بل يشمل أيضا السياسات الحكومية التي تحد من الاعتماد على الكاش.
فقد أصدرت وزارة التجارة والصناعة القرار الوزاري رقم 182 لسنة 2025، الذي نص على منع جميع التعاملات النقدية في تجارة الذهب والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، وإلزام الشركات والمؤسسات بتنفيذ المعاملات المالية عبر أدوات الدفع غير النقدية المعتمدة من بنك الكويت المركزي.
ويعني هذا القرار عمليا أن جزءا كبيرا من التعاملات التقليدية التي كانت تتم نقدا سيتحول إلى الدفع الإلكتروني، مما يسهم في الحد من حجم السحوبات النقدية عبر أجهزة السحب الآلي، ويزيد من الاعتماد على وسائل الدفع الرقمية.
ويؤكد القرار أيضا على الالتزام التام بالتعليمات المنظمة لأدوات الدفع الإلكتروني، مع معاقبة المخالفين بإغلاق المنشأة المخالفة وتحويلها للجهات المختصة. ومن هذا المنطلق، يعكس القرار كيف يمكن للتحول الرقمي والسياسات المالية الحكومية أن يسرع من اعتماد المستهلكين على الدفع الإلكتروني، ويحد من الاعتماد على الكاش، بما يضمن شفافية أكبر وتحكم أفضل في التدفقات المالية.
من المتوقع أن يستمر هذا التحول بوتيرة متسارعة مع زيادة انتشار خدمات التوصيل والتجارة الإلكترونية، وتطوير الحلول الرقمية للمتاجر والمحلات، وارتفاع نسبة استخدام بطاقات الدفع داخل وخارج نقاط البيع، ما سيجعل الاعتماد على النقد محدودا أكثر في المستقبل.
كما أن هذا التطور يعكس قدرة القطاع المالي الكويتي على تعزيز الشمول المالي ورفع كفاءة المعاملات الاقتصادية، بما يساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي ويزيد من تفاعل المستهلكين مع الاقتصاد الرقمي بشكل أكثر أمانا ومرونة.
ويمثل هذا التحول خطوة استراتيجية لدفع عجلة الرقمنة المالية في الكويت، وتعزيز الشفافية والفعالية في الأسواق، بما يسهم في بناء اقتصاد أكثر أمانا ومرونة، ويضع البلاد على مسار واضح نحو تحول رقمي كامل في أنماط الاستهلاك والإنفاق.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: