نبض أرقام
06:52 م
توقيت مكة المكرمة

2025/12/30
2025/12/29

حصاد البتروكيماويات: البقاء للأقوى والأكثر مرونة

08:13 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص


يشهد قطاع البتروكيماويات العالمي واحدة من أطول وأعمق دورات التباطؤ في تاريخه الحديث، في ظل تزامن تراجع الطلب العالمي مع دخول قدرات إنتاجية جديدة بوتيرة تفوق نمو الاستهلاك، ما أدى إلى تراجع الأسعار وهوامش الربحية إلى مستويات متدنية.

 

وتشير تحليلات حديثة لمؤسسات متخصصة مثل ICIS وS&P Global Commodity Insights إلى أن السوق العالمي للبتروكيماويات سيظل في دورة هبوط ممتدة حتى عام 2026 بفعل فائض العرض وتراجع الطلب وهوامش الربح الضعيفة، مع توقعات أن يبدأ التعافي الحقيقي للطلب فقط اعتباراً من 2027-2028، ما يعكس عمقاً غير معتاد لهذه الدورة مقارنة بالماضي.

 

وقد انعكس هذا الواقع بوضوح على مؤشر “أرقام” للبتروكيماويات، الذي يرصد أداء سلة من المواد المنتجة في منطقة الخليج العربي، حيث تراجع إلى أدنى مستوياته خلال 5 سنوات. وعلى الرغم من أن القطاع يتميز تاريخياً بدوريته الاقتصادية بين فترات صعود وهبوط، فإن الدورة الحالية تتسم بعمق غير معتاد، نتيجة تزامنها مع توسعات إنتاجية ضخمة في آسيا والشرق الأوسط، إلى جانب ارتفاع تكاليف الامتثال البيئي في الأسواق الرئيسية، مما يزيد من تعقيد المشهد التنافسي ويرفع كلفة التشغيل.

 

وإذا كان عام 2025 قد مثّل مرحلة استقرار عند هذه المستويات المتدنية، فإن عام 2026 سيكون اختباراً حقيقياً لمدى عمق هذا القاع. فبالنسبة لمعظم المنتجين، لم يعد السؤال متى يبدأ التعافي، بل من سيتمكن من الاستمرار حتى يتحقق خاصة في الأسواق الآسيوية والأوروبية.

 

وخلال مؤتمر جيبكا السنوي التاسع عشر الذي انعقد في البحرين مع بداية شهر ديسمبر، قال بيتر هانتسمان، رئيس مجلس إدارة شركة Huntsman Corporation، إن التراجع الحالي في صناعة البتروكيماويات يبدو هيكلياً أكثر من كونه دورياً، مع معاناة مناطق مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من مشكلات منفصلة. وأشار إلى أن أي تعافٍ من التراجع الحالي سيكون غير متناسق بين المناطق المختلفة، حيث ستتعافى كل منطقة بوتيرة مختلفة.

 

فمثلًا، الصين تواجه انخفاض ثقة المستهلك بسبب أزمة الفقاعة العقارية وارتفاع معدلات الادخار، بالإضافة إلى فائض الطاقة الإنتاجية الذي يضغط على السوق، بينما أوروبا تعاني من تراجع صناعي هيكلي نتيجة السياسات البيئية الصارمة وارتفاع تكلفة الطاقة، مما يجعل جهود الاستدامة تحديًا في حد ذاته.

 

ولمواجهة التحديات العالمية التي تواجه صناعة البتروكيماويات، اختلفت استراتيجيات الشركات حسب المنطقة. فمثلًا، في كوريا الجنوبية قدمت مجموعة من شركات البتروكيماويات في مجمعات أولسان ويوسو ودايسان مقترحات لإعادة هيكلة أعمالها بهدف خفض الطاقة الإنتاجية لوحدات التكسير طواعية. وتشمل خطط إعادة الهيكلة دمج أصول بعض الشركات مثل HD Hyundai وLotte Chemical في مجمع دايسان، مع مراجعتها من قبل وزارة التجارة والصناعة والموارد للحصول على الموافقة، وإطلاق حزمة دعم حكومية تشمل تسهيلات مالية وضريبية. وأوضح وزير التجارة والصناعة، كيم جونغ-كوان، أن تنفيذ هذه الخطط من شأنه أن يساهم في تحقيق هدف الصناعة في خفض الطاقة الإنتاجية الطوعية بمقدار 2.7 إلى 3.7 مليون طن.

 

ومن المتوقع أن تؤدي عملية إعادة الهيكلة هذه إلى تراجع صادرات كوريا الجنوبية من البتروكيماويات بنسبة 6.1% في عام 2026، مما قد يساهم في تخفيف فائض العرض العالمي، حسب تقرير صادر عن غرفة التجارة والصناعة الكورية.

 

أما في منطقة الخليج العربي، فبالرغم من ميزة التكلفة المنخفضة التى يتمتع بها منتجو المنطقة، إلا أنها لم تعد كافية لضمان الاستدامة طويلة الأجل في بيئة تتسم بتقلب الطلب وتراجع الهوامش.  ويسعى المنتجون في المنطقة إلى التركيز على وضع استراتيجيات طويلة الأمد للاستفادة من الطبيعة الدورية للصناعة، حيث يُتوقع أن يتراجع فائض الطاقة الإنتاجية العالمي بحلول عام 2030، وهي الفترة التى يستهدفها المنتجون في المنطقة لإطلاق قدراتهم الإنتاجية الجديدة، مع التركيز على أسواق ناشئة مثل إفريقيا وأمريكا الجنوبية. 

 

ومن أبرز التحولات التي يشهدها القطاع عالميًا تسارع مشاريع تحويل النفط مباشرة إلى مواد كيميائية من دون المرور بعمليات التكرير التقليدية. وفي هذا السياق، تطمح أرامكو إلى رفع طاقتها في هذا المجال إلى نحو 4 ملايين برميل يوميًا بحلول 2030 مقارنة بحوالي مليون برميل يوميًا حاليًا. وتعكس هذه الخطوة رهانًا واضحًا على البتروكيماويات كمحرك رئيسي للقيمة المضافة على المدى الطويل، مع تركيز متزايد على الأسواق التقليدية في آسيا، إلى جانب الفرص التي تتيحها السوق الأوروبية التي تتجه لتصبح مستوردًا صافيًا للمواد البتروكيماوية الأساسية بعد أن كانت لسنوات من بين أبرز المصدرين. ومن جانب آخر، تشهد القارة الأوروبية موجة إغلاق لعدد كبير من المصانع، مقابل افتتاح مصنع واحد فقط خلال 2026، وهو مصنع INEOS الجديد لإنتاج الإيثيلين بطاقة 1.5 مليون طن سنويًا في مدينة أنتويرب البلجيكية.

 

ومع ابتعاد الشركات الأوروبية عن إنتاج الكيماويات الأساسية، تركز الشركات الأوروبية على إنتاج الكيماويات المتخصصة، مما يعطي فرصة للشركات في منطقة الشرق الأوسط لتوجيه إنتاجها من الكيماويات الأساسية للسوق الأوروبية. 

 

وتشير تحليلات ICIS وS&P Global إلى أن مستقبل الربحية في قطاع البتروكيماويات سيكون مرتبطًا بقدرة المنتجين على التحول نحو المنتجات الأعلى قيمة، بدلًا من الاعتماد على الكيميائيات الأساسية المنتجة بكميات كبيرة مثل الإيثيلين، البروبيلين، البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، التي تُباع عادةً بأسعار تعتمد على العرض والطلب العالمي وتتميز بهوامش ربح منخفضة.

 

كما يشمل التحول أيضًا التوسع في المواد المتخصصة التي تدخل في تطبيقات ذات نمو هيكلي مستدام، مثل مكونات ألواح الطاقة الشمسية، وتوربينات الرياح، ومواد البناء الخضراء، وحلول الطاقة المتجددة، إضافة إلى المواد المتقدمة المستخدمة في الصناعات الكهربائية والإلكترونية.

 

وللوصول إلى مراحل التصنيع المتقدمة للكيماويات المتخصصة، تحتاج الشركات إلى امتلاك التقنيات المتخصصة أو الوصول إليها، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال عمليات الاستحواذ كخطوة استراتيجية لتعزيز التحول من إنتاج الكيماويات الأساسية إلى منتجات متخصصة ذات قيمة مضافة عالية، ما يسرّع نقل التكنولوجيا ويقوّي التواجد في أسواق صناعية مستدامة ومتقدمة. وفي المقابل، يمكن للمنتجين تطوير هذه التقنيات داخليًا أو الحصول على تراخيص لها، مع مراعاة أن كل خيار ينطوي على تكاليف استثمارية وتشغيلية إضافية.

وفي المحصلة، لم يعد قطاع البتروكيماويات ساحة مفتوحة للجميع. فالمرحلة المقبلة ستكافئ المنتجين الأكثر كفاءةً، والأسرع في التكيف مع التحولات الهيكلية، والأقدر على توجيه استثماراتهم نحو تعظيم القيمة المضافة بدلًا من التوسع الكمي أو الاعتماد على الدعم غير المباشر عبر أسعار اللقيم المنخفضة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.