نبض أرقام
09:49
توقيت مكة المكرمة

2024/05/24
2024/05/23

فض الاشتباك بين الميزة المطلقة والميزة النسبية للاقتصاد

2018/03/10 أرقام - خاص

المواطنون في أي اقتصاد على سطح هذا الكوكب يرغبون عادة في شراء مجموعة واسعة من السلع والخدمات. ومن الممكن أن يحصلوا على هذه السلع والخدمات إما من بلدانهم الأصلية مباشرة، أو من خلال التجارة الدولية.
 

وفي التجارة الدولية، هناك مفهومان هامان يؤثران إلى حد كبير على كيفية استغلال الدول لمواردها المحدودة في إنتاج سلعة معينة، هما: الميزة المطلقة والميزة النسبية. الأول يرتبط بالإنتاجية، والثاني بالتكلفة.



 

وعلى الرغم من شدة التعقيد التي يتسم بها الاقتصاد العالمي، إلا إنه يمكننا ضرب أمثلة بسيطة تقدم توضيحًا مباشرًا لهذين المفهومين اللذين يختلطان على الكثيرين، وتساعدنا كذلك على فهم متى وكيف يمكن للاقتصاد أن يستفيد من التجارة مع الدول الأخرى.
 

الميزة المطلقة .. الكمية هي ما يهم
 

- يمتلك الاقتصاد ميزة مطلقة، متى كانت الدولة أكثر إنتاجية فيما يتعلق بإنتاج سلعة أو خدمة معينة. بعبارة أخرى، يكون للاقتصاد ميزة تنافسية في إنتاج السلعة أو الخدمة إذا كان بإمكانه إنتاج المزيد منها باستخدام كمية أقل من المدخلات (عمالة - وقت - مواد خام - رأس مال - عوامل إنتاجية أخرى) مقارنة مع البلدان الأخرى.

 

- هذا المفهوم يوضحه بسهولة المثال التالي: الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ينتجان النفط. لنفترض أن العامل في السعودية يمكنه إنتاج برميلين من النفط في الساعة، بينما نظيره في الولايات المتحدة يمكنه إنتاج برميل واحد في الساعة.

 

- في هذه الحالة يمكننا القول بأن السعودية لديها ميزة مطلقة في إنتاج النفط، لأن إنتاجية العاملين لديها بالقطاع النفطي أعلى مقارنة مع نظرائهم في الولايات المتحدة.



- يجب ملاحظة أن الميزة المطلقة لا تأخذ في اعتبارها سوى الإنتاجية، وتتجاهل تمامًا أي مقياس للتكاليف، وبالتالي من الخطأ الاعتقاد بأن امتلاك الاقتصاد لميزة مطلقة في إنتاج سلعة معينة، تعني بالضرورة أنه يمكن إنتاجها بتكلفة أقل. وفق مفهوم الميزة المطلقة، نفقات إنتاج السلع تتأثر فقط بكمية العمل المبذولة في إنتاجها.

 

- في المثال السابق، كان للعامل السعودي ميزة مطلقة في إنتاج النفط، لأن إنتاجيته في الساعة تعادل ضعف إنتاجية نظيره الأمريكي. ولكن إذا افترضنا أن أجر العامل السعودي يبلغ ثلاثة أضعاف نظيره الأمريكي، فإن إنتاج النفط في السعودية لن يكون أبدًا أرخص من إنتاجه في الولايات المتحدة.

 

- الميزة المطلقة تلعب دورًا حاسمًا في أنواع السلع والخدمات التي تختار أي بلد إنتاجها. فوفقًا لمعطيات المثال السابق، قد يكون من الأفضل للولايات المتحدة تخصيص مواردها وقوتها العاملة لصناعة أخرى تتمتع بميزة مطلقة بها، بدلًا من محاولة التنافس مع السعودية، الأكثر كفاءة في إنتاج النفط.
 

الميزة النسبية .. التكلفة وليس الإنتاجية
 

- بسبب أن مفهوم الميزة المطلقة لا يأخذ التكلفة في اعتباره، من المهم أن يكون هناك معيار آخر لا يتجاوز التكاليف الاقتصادية. ومن هنا يظهر مفهوم الميزة النسبية، والذي يشير إلى أن الدولة بإمكانها إنتاج سلعة أو خدمة معينة بتكلفة أقل من تكلفة إنتاج نفس السلعة في دول أخرى (المقصود بالتكلفة هنا هي تكلفة الفرصة البديلة).

 

- أي دولة عادة ما تفضل التركيز على إنتاج السلع والخدمات التي تناسب مواردها، وهذا ما يسمى بالتخصص. وبالنظر إلى محدودية الموارد، فإن اختيار الدولة للسلعة أو الخدمة التي تركز عليها يتأثر إلى حد كبير بميزتها النسبية.

 

- تكلفة الفرصة البديلة لسلعة معينة تساوي، كمية السلعة التي ضحى بها المجتمع من أجل إنتاج السلعة الأولى. وبالتالي، إذا كانت تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج سلعة معينة أقل من نظيرتها لدى الدول الأخرى، يقال في هذه الحالة إن الدولة تتمتع بميزة نسبية.

 

- الميزة النسبية يطلق عليها أحيانًا اسم الميزة "المعطاة" أو "الموجودة من قبل". فأستراليا مثلًا تتمتع بميزة نسبية في تعدين الذهب نظرًا لأن لديها مناجم ذهب طبيعية، في حين أن اليابان لا تمتلك موارد مماثلة. ويمكن أيضًا للموارد البشرية أن تحقق ميزة نسبية للبلد، فالهند لديها ميزة نسبية في تصميم المجوهرات على العديد من الدول الأخرى، بسبب وجود عشرات الآلاف من الحرفيين المهرة العاملين بهذا المجال.



- لنفترض أن كلا من مصر وماليزيا لديهما ما يكفي من الموارد لإنتاج التمر أو الجبن، ولكن هناك بعض الاختلافات. فمصر يمكنها إنتاج 20 وحدة من التمر أو 10 وحدات من الجبن. وبالتالي تكلفة الفرصة البديلة، لكل وحدة من التمر تساوي 20/10 أو 0.5 وحدة جبن. أما تكلفة الفرصة البديلة لكل وحدة من الجبن، تساوي 10/20 أو وحدتين من التمر.

 

- افترض أن ماليزيا بإمكانها إنتاج 30 وحدة من التمر أو 22 وحدة من الجبن، وعلى الرغم من أن هذا يوضح أن ماليزيا لديها ميزة مطلقة في إنتاج السلعتين، إلا أن تكلفة الفرصة البديلة لديها في إنتاج الجبن تساوي 22/30 أو 1.36 وحدة من التمر، بينما تبلغ تكلفة التمر 30/22 أو 0.73 وحدة من الجبن.

 

- مما سبق يتضح أن تكلفة الفرصة البديلة لإنتاج التمر في مصر أقل من نظيرتها لدى ماليزيا، وبالتالي تتمتع الأولى بميزة نسبية في إنتاج هذه السلعة على الرغم من أن الأخيرة أكثر إنتاجية. أما بالنسبة للجبن، فتتمتع ماليزيا بالميزتين المطلقة والنسبية في إنتاج هذه السلعة، لأنها تتفوق على مصر في إنتاجيتها، وفي نفس الوقت تكلفة الفرصة البديلة لديها أقل.

 

- بما أن كلا البلدين لا يمكنهما إنتاج كلا السلعتين في آن واحد، فإن الإستراتيجية الأكثر كفاءة لمصر هي أن تتخصص في إنتاج التمر لأنها تتمتع بميزة نسبية في إنتاجه، بينما تركز ماليزيا في المقابل على إنتاج الجبن.

 

- التجارة الدولية، يمكنها أن تمكن كلا البلدين، من التمتع بالمنتجين (التمر والجبن) بأسعار معقولة، لأن كلا منهما متخصص في الإنتاج الفعال لمنتج واحد. مما سبق نستنتج، أن الميزة النسبية وليس المطلقة هي من تحكم في الغالب شكل التجارة الدولية.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة