نظم قانون الشركات التجارية عملية نقل ملكية أسهم الشركات التي يجري تداولها داخل سوق الكويت للأوراق المالية قبل أن يصدر المرسوم الأميري بتنظيم سوق الكويت للأوراق المالية.
وقد نهج القانون قاعدة عامة بمقتضاها يتم نقل ملكية أسهم الشركات التي يجري تداولها في سوق الأوراق المالية فيما بين المتعاقدين وفي مواجهة الشركة والغير بمجرد قيد المعاملة الخاصة بها في سجلات السوق، على أن يجري قيد عمليات التداول التي تجري داخل قاعة التداول على أسهم الشركات المسجلة في السوق في سجلات خاصة.
وألزم القانون مدير السوق بتزويد كل شركة جرى تداول أسهمها في السوق ببيان مفصل عن هذه المعاملات وأسماء أطرافها فور الانتهاء من إجراءات قيدها في سجلات السوق، على أن تتولى الشركة تسجيل هذه المعاملات في سجلاتها بمجرد أخطارها بذلك (المادة 105 مكرر من القانون).
كذلك ألزم القانون الشركة بحفظ سجل للمساهمين فيها، تدون فيه أسماء المساهمين وبياناتهم وعدد الأسهم التي يملكها كل منهم، وتاريخ قيد المساهم أو انفصاله، ويتاح لكل مساهم أو غير مساهم الاطلاع على هذا السجل (المادة 134).
تنظيم آخر لنقل الملكية
وعندما صدر مرسوم تنظيم تداول الأوراق المالية، ثم مرسوم تنظيم سوق الكويت للأوراق المالية، في عام 1983، وأعقب ذلك صدور لائحته التنفيذية، أصبح هناك تنظيم آخر لنقل ملكية الأسهم وتداولها، وترتب عليه في الواقع تعليق لما قرره قانون الشركات التجارية واستحداث قواعد وإجراءات جديدة، اتبعها صدور كثير من التشريعات، ومنها القانون رقم 2 لسنة 1999 في شأن الإعلان عن المصالح في أسهم شركات المساهمة.
وقد ظل تطبيق القانون رقم 2 لسنة 1999 في شأن الإفصاح معلقا لمدة طويلة حيث لم تطبق لجنة السوق وإدارته ما تضمنه من قواعد، الى ان أثير في الآونة الأخيرة شكاوى في شأن مخالفة قواعد الإفصاح، فصدرت الكثير من القرارات المتعلقة بتطبيق هذا القانون وما ترتب على ذلك من 'تحديد ملكية الأسهم' المخالفة لقواعد الإفصاح، وهو تعبير يقصد به حرمان أصحاب هذه الأسهم من حقوقهم المقررة بالقانون من التصويت في الجمعية العامة للمساهمين أو الترشيح لعضوية مجلس الإدارة او غيرها.
ولعل تطبيق هذا القانون الذي أتى متأخرا بعض الشيء، يفرض الآن أهمية تناول أحكامه بالنقد والتحليل، حيث انه أضحى يؤدي حال تطبيقه الى تجميد حقوق المساهمين وما يترتب عليها من سلطات، ويعطي مثل هذا التطبيق الأقلية حق إدارة مال الأغلبية بغير رضاها الذي حرمت منه وفق قانون الإفصاح كعقوبة وإجراء ولمدة دورتين أي لمدة قد تصل الى ست سنوات.
تدرج العقوبات
وجدير بالذكر أن مرسوم تنظيم سوق الكويت للأوراق المالية اخذ بمبدأ تدرج العقوبات التي تفرض على مخالفة المتعاملين والشركات لإحكام التداول (ومنها الإفصاح) وقرر إحالة مثل هذه المخالفات الى لجنة خاصة تتولى النظر فيما ينسب للمتعاملين والوسطاء والشركات من مخالفات لإحكام هذا المرسوم وأيضا أي مخالفات للوائح والقرارات المنظمة للسوق (المادة 14).
ووفق هذا التنظيم وضع المرسوم سبع عقوبات تندرج بدءا من التنبيه والإنذار ووقف المخالف عن العمل وإلغاء المعاملة المخالفة ومصادرة الكفالة، وكذا وقف التعامل في الأوراق المالية الصادرة من الشركات أو الجهات المخالفة لحين تصحيح أسباب المخالفة ثم شطب العضوية وأخيرا إلزام المتعامل بالإيداع المسبق للأوراق أو الأموال محل التعامل.
وتجري معظم أسواق المال على ترتيب هذا التدرج في العقوبات، دون ان تطول العقوبة تجميد حقوق المساهم أو ما اصطلح على تسميته بقرارات اللجنة 'تحييد الأسهم'.
ونظمت اللائحة التنفيذية لهذا المرسوم عمل الأجهزة الفنية المتخصصة في السوق وهي جهاز متابعة الأسعار وجهاز مراقبة البيع الآجل وجهاز جمع وتحليل ونشر المعلومات وجهاز التحقيقات.
تداخل المسؤوليات.
ورغم أن مشكلة الإفصاح والمعلومات تتداخل فيها مسؤوليات عديدة ومنها بالقطع إدارة السوق سواء عبر جهاز جمع وتحليل ونشر المعلومات، وكذا الشركات نفسها التي يتعين أن تتضمن تقاريرها السنوية وربع السنوية بيانات الملكية، إلا أن المشرع استحدث قانونا خاصا بموضوع الإفصاح وهو القانون رقم 2 لسنة 1999 الذي اسماه المشرع 'الإعلان عن المصالح في أسهم شركات المساهمة' الذي انتقدت مذكرته الإيضاحية فكرته.
وأوضحت انه يتضمن تعارضا من نصوص قانون الشركات التجارية التي كان يتعين أن يجري تعديلها من دون الحاجة الى إصدار قانون خاص، لا سيما أن نصوص القانون لا تزال قائمة، وعللت المذكرة الإيضاحية ذلك بأن إصدار قانون خاص بالموضوع من شأنه بقاء وحدة البنيان التشريعي القائم حاليا في قانون الشركات التجارية'.
ويمكن للباحث أن يلاحظ، وللوهلة الأولى وجود حالة من الفوضى التشريعية التي تحكم المسألة وتعدد تنظيماتها إن صح التعبير طبقا للتشريعات القائمة والتعديلات التي أدخلت عليها من تعارض وأيضا وجود تناقض في أحكامها.
ترتيب آخر
فبينما نص القانون العام، وهو قانون الشركات على إحكام خاصة بإدارة الجمعية العامة للمساهمين وتداول حصص الملكية وإجراءات هذا التداول نظم مرسوم إنشاء سوق الأوراق المالية المسألة وعالجها وفق ترتيب آخر، ثم قيد القانون 2 لسنة 1999 (قانون الإفصاح) هذا التداول وانزل عقوبات قاسية بحق المخالفين لقواعد الإفصاح وصلت الى حد تجميد رؤوس الأموال وفق نظرية التحييد التي لا يوجد مثيل لها في التشريع المقارن، حيث تلجأ هذه التشريعات الى تقرير غرامة مالية جراء عدم الإفصاح.
ومثل هذه العقوبات تتصادم مع نصوص الدستور وأيضا مع المبادئ العامة للقانون، فالدستور الكويتي حرص على تأكيد حماية الملكية ورأس المال بالقول 'الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي والثروة الوطنية، وهي جميعها حقوق فردية ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون (مادة 16) وأيضا ما نص عليه الدستور من أن 'الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع احد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون (مادة 18).
مبادئ عامة
أما المبادئ العامة للقانون فإنها تقرر استقلال الذمة المالية للشخص وكذا استقلال الذمة المالية للشركة عن مساهميها، وهو ما تقره الشريعة الإسلامية التي لا تعرف الذمة المشتركة التي تقررها بعض الديانات الأخرى، وكما هو مقرر بالمادة الثانية من الدستور 'دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع'.
غموض في النصوص
ونصوص القانون نفسها تشوبها حالة الغموض التي لا يصح أن يكون عليها التشريع، فمبادئ التشريع توجب العمومية والتجريد في نصوصه، والوضوح والشفافية بينما التعبير الذي استخدمه القانون وهو 'مصلحة مباشرة أو غير مباشرة' تعبير غامض حيث أن القانون لم يتضمن تعريفا محددا للمصلحة التي يعنيها وإنما افترض أحوالا أربعة تتوافر فيها المصلحة المباشرة وغير المباشرة دون تعريف محدد وقاطع لمعناها حيث جرى نص المادة 4 منه 'يعتبر من قبيل المصالح' وهو كمن عرف الماء بالماء.
وأخيرا فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا حول ماهية الإفصاح بعد إتمام عملية الشراء هو أين كانت إدارة جهاز جمع وتحليل ونشر المعلومات في السوق، وهي إحدى الإدارات المعنية في السوق من هذه المعلومات غير المفصح عنها؟ وهل تمت عمليات الشراء التي ترتب عليها وجود ما يستوجب الإفصاح من دون النشر عنها او الإعلان؟ وهل لا يعتبر مثل هذا النشر والإعلان إفصاح لإدارة السوق تكون معه مسؤولة عن إصدار إعلان بما وصل اليها من معلومات؟
وهل مخالفة الأخطار بالبريد المسجل في الوقت الذي تتم فيه الصفقات في العلن وعبر شركات المقاصة الخاضعة لرقابة إدارة السوق، وتدون بياناتها بسجلات الأسهم في الشركة وفي السوق، تستوجب حرمان ملاك الأسهم من حقوقهم لدورتين يمكن أن تدار فيها الشركات المخالفة بأقلية!
أن القانون كما تقدم يصطدم مع صراحة نصوص الدستور، ويتضمن نوع من فرض المصادرة المؤقتة وتعليق سلطات الملكية ويتصادم مع المبادئ العامة للقانون ولا عبرة بحسن الباعث أو طيب القصد منه فالطريق إلى جهنم قد يبدأ بالنوايا الطيبة.
تحليل التعليقات: