تحولت عملية التوريق إلى صناعة عالمية، فما أهميتها الاقتصادية؟ إن الدافع الأساسي والهدف الاقتصادي الأول لعملية توريق الموجودات الحسية العمل علي إيجاد أدوات مالية جديدة مرتبطة بموجودات ما يمكن تداولها في الأسواق المالية، ما يؤدي إلى زيادة نسبة السيولة في هذه الأسواق كما يؤدي إلى خلق تدفقات مالية جديدة، ويمكن إيضاح الأهمية المتعاظمة لصناعة التوريق على حركة الاقتصاد من خلال عرض الأهداف والدوافع التالية:
* يوفر التوريق للمقترضين بديلاً من الاقتراض التقليدي خارج الميزانية العمومية، إذ يسمح للمقترضين بتحويل الموجودات غير السائلة إلى موجودات سائلة/ نقدية ثم إعادة توجيه هذه النقدية للاستثمار في الذمم المدينة وتوسيع حجم الأعمال دون حاجة إلى زيادة حقوق الملكية .
* تؤدي عملية التوريق إلى توسعة العمليات خارج الميزانية للمؤسسات والشركات المالية ما يعمل على تحقيق ربحية أعلى من تلك التي تحققها الأنشطة العادية فضلاً عن أنها لا تحتاج عملياً إلى زيادة في مصادر التمويل .
* تمكين المؤسسات المالية التي تحتاج إلى رؤوس أموال عاملة أو مقابلة شروط كفاية رأس المال التي تفرضها المصارف المركزية وفقا لمعايير بازل من تحقيق ذلك بتوريق ديونها بنقلها ونقل درجة مخاطرها إلى مستويات أقل مع توفير السيولة . كما أن التوريق يتيح للمصارف إمكانية منح القروض ثم تحريكها واستبعاها من ميزانياتها العمومية خلال فترة قصيرة وبالتالي فإنه يغنيها عن تكوين مخصصات للديون المشكوك في تحصيلها .
* ويقصد بالوساطة المالية التقليدية التوسط بين طرفين هما ذوو الفائض وذوو العجز، فإن الوسيط المالي مهمته توجيه الفائض من الثروة لدى الفئة الأولى إلى الأكثر حاجة إليها من أفراد الفئة الثانية، ويحقق ربحاً من خلال القيام بهذا التوجيه، ويعنى ذلك أن مقصود الوسيط المالي هو إدارة أموال ذوي الفائض وليس تملكها، ولما كان ذلك كذلك فإن أحد الأهداف الاقتصادية للتوريق تفكيك دور الوساطة التقليدية وتقليص دورها بالنسبة إلى المقترضين كمصدر للتمويل، وذلك بعد انتقالها من أيدي مؤسسات مالية كبيرة إلى تلك التي تستثمر الأموال مباشرة لمصلحة الجمهور وحسابه، مثل صناديق الاستثمار المشترك إلى جانب توجيه المقترضين بإصداراتهم مباشرة إلى السوق دون اللجوء إلى الوساطة المالية التقليدية من خلال المصارف التجارية ومصارف الأعمال وغيرها . ولذلك يلاحظ أن عملية التوريق تعمل على تحقيق منافع اقتصادية من خلال مزج السوق النقدي- سوق الإقراض- بسوق رأس المال .
* تمويل المشروعات القومية: حيث تتوجه دول كثيرة إلى خصخصة معظم القطاعات الاقتصادية العامة لديها بهدف توفير مصادر تمويل جديدة لمشروعاتها التنموية، وذلك من خلال سماح حكوماتها لمؤسساتها التي تعاني عجزاً مالياً مزمناً وتحويل تلك القروض إلى سندات يكتتب فيها الأفراد والمؤسسات، ما يؤدي بفعل تسارع عمليات الخصخصة إلى توسيع أسلوب التورق كمصدر مهم لتمويل المؤسسات والشركات .
* تعالج صناعة التوريق حالات بطء دورة رأس المال العامل أو دورة الأعمال في المؤسسات الإنتاجية بسبب انخفاض التمويل، وبالتالي تستطيع الشركات الإنتاجية الكبيرة عند استخدام هذه الآلية الاستفادة من وفورات الحجم الكبير، وبالتالي تخفيض متوسط تكلفة الوحدة المنتجة .
* مجارات أساليب التمويل الحديثة في أسواق المال الدولي في ظل التحول الملحوظ من صيغة القروض المصرفية إلى صيغة الأوراق المالية ولا سيَما السندات الخاصة بعدما أصبحت القروض المصرفية مجرد تمويلات مؤقتة إلى حين تسمح ظروف السوق للمقترضين بتأمين احتياجاتهم التمويلية بوساطة السندات .
* تعزيز النسب المالية: حيث يعمل التوريق على تخفيض أو إزالة متطلبات رأس المال التي تشترطها معايير بازل من خلال إعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية خارج الميزانية بما يضمن توافر أصول ذات سيولة عالية ودرجة مخاطر منخفضة، وبافتراض أن ربحية الموجودات لم تنخفض بسبب عملية التوريق فإن نسبة العائد على حقوق المساهمين ستظهر زيادة ملحوظة بعد عملية التوريق، وبالتالي تعتبر عملية التوريق هنا أداة قوية جداً للمؤسسات التي تعتمد معيار العائد على حقوق الملكية أساساً لنجاحها .
* تحقيق ربحية أعلى من تلك التي تحققها الأنشطة العادية، من خلال توسعة العمليات خارج الميزانية دون الحصول على تمويل إضافي أو زيادة رأس المال .
* تقليل العبء على ضمانات الشركات القابضة، ففي بعض الأحيان تحتاج فروع تلك الشركات إلى سيولة نقدية تعجز الشركة القابضة عن تدبيرها، وغالباً ما تتوجه تلك الفروع إلى البنوك للحصول على التمويل وتربط تلك البنوك إقراض هذه الفروع وفقاً للضمانات المقدمة من الشركة القابضة . إن التوريق يسمح للمنشئ بتحويل جزء أو كل مخاطر الائتمان المرتبطة بأصل مالي معين لطرف ثالث .
وتؤدي المزايا السابقة إلى أن يكون التوريق إحدى الآليات التي تسهم في جذب المدخرات المحلية والأجنبية وعلاج مشكلات المديونية والتعثر المالي وتوفير مصدر مالي للتوسعات الاستثمارية والإحلال والتجديد، ما تنعكس آثاره بشكل ايجابي على الدخل القومي وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من أهداف ومنافع أظهرتها تجربة الدول التي تمارس هذا النشاط .
من هنا فما هي مخاطر التورق؟ تتعرض الوحدات الاقتصادية التي تمارس نشاط التوريق على اختلاف أنواعها للعديد من المخاطر التي تؤثر في أصول والتزامات الوحدات الاقتصادية وتدفقاتها النقدية بل على مركزها المالي ككل ومن أهمها مخاطر الإسراع في السداد، حيث تنتج من سداد العميل لالتزاماته قبل ميعادها، ما يؤدي إلى وجود فجوة بين المتحصلات وعوائد الأوراق المالية لنشاط التوريق إضافة إلى مخاطر سعر الفائدة، حيث تشكل التقلبات في سعر الفائدة بالسوق أحد المخاطر المهمة التي يمكن أن تهدد المصدر وتسهم في خفض عوائده بصورة كبيرة، ولذلك فإن إدارة هذا النوع من المخاطر له أهمية متزايدة خاصة في ظل تعقد أسواق المال وكذلك في الدول التي حررت أسعار الفائدة في أسواقها .
وثالث هذه المخاطر مخاطر السوق مثل الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع وتؤثر بطريقة جوهرية في السوق والاستثمارات التي بسببها تختلف العوائد المتوقعة ثم مخاطر التصنيف الائتماني ثم مخاطر خدمة الدين، وهي مخاطر عدم توافق المتحصلات المستلمة من المدينين الناشئة عن الأوراق التجارية في تواريخ استحقاقاتها وتسليمها لشركة التوريق وسداد حقوق المستثمرين .
كما تشمل المخاطر مخاطر الضمان وهي مخاطر عدم الدقة في تحديد قيمة الأصول الضامنة لقيمة القرض، وقد ظهرت زيادة الضمانات الإضافية، وذلك لمواجهة مخاطر الضمان والمخاطر المرتبطة بالأصول الضامنة، وذلك لتعزيز الشركة أو المؤسسة البادئة لهذه الأصول للوفاء بديون المستثمرين . وتعد مخاطر القوه الشرائية للنقود والمقصود بها هبوط القوة الشرائية للدخل الناتج من الاستثمار نتيجة لارتفاع مستوى الأسعار في الاقتصاد ككل، هي سابع انواع المخاطر وتسمى هذه المخاطر أحياناً بمخاطر التضخم فالعبرة دائما في حسابات العائد من الاستثمار بالعائد الحقيقي وليس بالعائد الاسمي، ولقد ظهرت العديد من أساليب تخفيض المخاطر وهي:
1- التأمين على الرهونات وهذا الأسلوب لتخفيض المخاطر يأخذ شكلين أساسين هما: التأمين على المجمع، والتأمين على الرهونات المنفردة . وفي كلتا الحالتين من التأمين يمكن أن تكون مخاطر خسائر الرهونات إما مغطاة بالكامل وإما أن تحرر جزئياً من مصدر الأوراق المستندة للرهونات إلى المؤمن، أي إلى شركة التأمين التي تسعى إلى تحسين الجدارة الائتمانية عن طريق زيادة الضمانات الإضافية، وفي هذه الحالة يعزز المنشئ الأصول الضامنة للوفاء لمواجهة خطر عدم كفاية ما تدره هذه الأصول من تدفق نقدي لمواجهة الخسائرالمحتملة .
2- خطاب الائتمان وفي هذه الحالة يحق لشركة التوريق الرجوع إلى المنشئ بأي قدر من الخسائر المحتملة، وذلك من خلال ضمان تدفع قيمته عند أول مطالبه من المستفيد وقد تتولى ذلك شركات التأمين المتخصصة في ذلك .
وبالأخير فإن البيئة التشريعية الملائمة تعتبر الإطار المؤسسي لضبط عمليات التوريق وتنظيمها وتؤدي دوراً محورياً في نجاح فرص وتسهيل وصول المؤسسات إلى موارد الجمهور بصورة تمكنها من تحقيق أهدافها، وكلما كانت النصوص القانونية المختلفة وذات العلاقة بعمليات التوريق واضحة وغير متعارضة ولا يؤدي تطبيقها إلى تكاليف ورسوم إضافية زاد ذلك من سهولة عمليات التوريق ومرونتها، كما تعتبر القوانين والقضايا الضريبية من العناصر المؤثرة في ما إذا كانت عملية التوريق مربحة أو خاسرة، وبالتالي تحديد مدى جدواها وكفاءتها من الناحية الاقتصادية .
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: