يحفل قانون الشركات التجارية بالعديد من الحقوق والضمانات، التي كفلها المشرع في دولة قطر للمساهم في الشركات المساهمة. ولكن هل هذه الحقوق مطلقة، أم مقيدة بالغاية التي وضعها المشرع؟ وهل تجوز ممارستها دون غاية أو مصلحة مشروعة، أم أنها مطلقة بغض النظر عن المصلحة المبتغاة ومهما كانت قليلة الأهمية أو معدومة، وبغض النظر عن الضرر الناشئ عنها؟ وإذا ما تجاوز المساهم حدود تلك الغاية، هل يصبح استعمال الحق غير مشروع؟ نحاول فيما يلي الإجابة عن تلك الأسئلة.
أظهر موسم انعقاد الجمعيات العامة للشركات المساهمة، مرة أخرى ضرورة الممارسة السليمة لحقوق المساهم التي ضمنها وكفلها المشرع.
لذا سنناقش الموضوع في ثلاثة محاور، وهي:
1- ضمانات المشرع لحماية حقوق المساهمين.
2- التعسف في استعمال الحق.
3- اقتراح إضافة مادة إلى قانون الشركات التجارية.
أولاً: ضمانات المشرع لحماية حقوق المساهمين:
إن علاقة المساهمين بالشركات المساهمة تتم من خلال الجمعيات العامة. وهي علاقة ثلاثية الأطراف. وأطرافها هم: (أ) المشرع بما يصدره من قوانين وأنظمة ولوائح لتنظيم الإطار القانوني لعمل الشركات المساهمة، (ب) الشركة بما في ذلك كادرها التنفيذي ومجلس إدارتها ونظامها الأساسي، (ج) المساهمون.
الجمعية العامة كما هو معروف، هي السلطة العليا في أية شركة، وهي الإطار الزماني والمكاني الذي يلتقي بها المساهم بإدارة الشركة، ويمارس حقوقه التي كفلها المشرع. والجمعية العامة هي صاحبة الاختصاص باتخاذ جميع القرارات المتعلقة في القضايا الجوهرية في الشركة، التي تتجاوز سلطات مجلس الإدارة. حيث تنحصر مهام مجلس الإدارة في تصريف الشؤون اليومية والتشغيلية للشركة. بينما تختص الجمعية العامة باعتماد السياسات العامة، وباتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أفضل النتائج للشركة. ولا يحد من اختصاصها سوى أحكام القانون. وهناك مسائل أساسية دورية واعتيادية تختص بها الجمعية العامة العادية، وتنظر بها سنوياً. وهناك مسائل مصيرية تختص بها الجمعية العامة غير العادية، مثل تعديل عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة، زيادة أو تخفيض رأس المال، تمديد مدة الشركة، حل الشركة أو تصفيتها أو تحولها أو اندماجها.
مما سبق يتضح بأن الجمعية العامة هي صاحبة القرار سواءً في المسائل الروتينية الاعتيادية، أو في المسائل الجوهرية الاستثنائية. ويتجلى بذلك دورها الرقابي فيما إذا قامت بأداء مهامها على الوجه الصحيح. وهنا يبرز دور المساهم الفعال في ممارسة حقوقه في الشركة. فمجموع المساهمين هم الجمعية العامة لأية شركة، وعليهم تقع مسؤولية ممارسة الحقوق التي كفلها لهم القانون، بما فيها ممارسة الدور الرقابي على أعمال مجلس الإدارة.
إضافة لما سبق أجاز القانون لعدد من المساهمين دعوة الجمعية العامة للانعقاد، في حالة عدم دعوة الجمعية من قبل مجلس الإدارة.
كما نص القانون على حقوق أساسية لجميع المساهمين، منها: حق الملكية، الحق في المشاركة في اتخاذ القرار، الحق في الرقابة على إدارة الشركة، حق الشكوى وحق تمثيل الأقلية.
كما أعطى القانون للمساهمين ضمانات وحقوقا أخرى لحماية حقوقهم، منها:
1- لقد أناط المشرع بوزارة الأعمال والتجارة مهمة مراقبة الشركات، للتحقق من قيامها بالالتزام بالقانون والأنظمة الأساسية، وأسبغ على موظفي الإدارة المختصة بمراقبة الشركات، صفة مأموري الضبط القضائي.
2- لم يجز القانون للمساهم توكيل أحد أعضاء مجلس الإدارة نيابة عنه، وأبطل القانون أي شرط في النظام الأساسي يقيد حق المساهم في المناقشة والاستفسار والاعتراض.
3- اشترط القانون نصاباً معيناً لصحة انعقاد الجمعية العامة، واشترط استكمال بعض الإجراءات.
4- لم يجز القانون لأعضاء مجلس الإدارة الاشتراك في التصويت على إبراء ذمتهم.
5- أبطل القانون كل قرار يصدر لمصلحة فئة معينة من المساهمين، أو يضر بها أو يجلب نفعاً خاصاً لأعضاء مجلس الإدارة دون اعتبار لمصلحة الشركة.
6- ولدعم الجمعية العامة في أداء دورها الرقابي ورفدها بالخبرات المهنية المتميزة، اعتبر القانون مراقب الحسابات وكيلاً عن مجموع المساهمين للتأكد من صحة البيانات الحسابية والفنية، وعدم مخالفة الشركة لأحكام القانون أو النظام الأساسي.
7- أبطل القانون كل قرار يكون من شأنه المساس بحقوق المساهم المستمدة من نصوص القانون، أو النظام الأساسي، أو زيادة التزاماته.
8- ألزم القانون مجلس الإدارة أن يضع تحت تصرف المساهمين كشفاً تفصيلياً يتضمن أية أجور أو أتعاب أو مرتبات أو مصاريف أو مزايا عينية أو مكافآت، قد يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة.
9- إن من شأن تطبيق أحكام نظام الحوكمة والانضباط المؤسسي المنصوص عليها في نظام حوكمة الشركات المدرجة في الأسواق المالية التي تخضع لرقابة هيئة قطر للأسواق المالية، أن يكمل الدور الرقابي للجمعيات العامة.
مما سبق يتضح أن المشرع قد وضع إطاراً قانونياً متكاملاً، يضمن للمساهمين حقوقاً في الجمعيات العمومية، ويضمن لهم عدم الانتقاص من تلك الحقوق، ويؤسس لدور رقابي فعال لكل مساهم على حدة، ولمجموع المساهمين الممثلين في الجمعية العامة.
لذا فإن المسألة تتعلق بممارسة المساهم لحقوقه باعتدال، والاستفادة من الضمانات التي كفلها المشروع، تحقيقاً لمصلحة معتبرة دون التعسف في ممارسة تلك الحقوق والضمانات وإلحاق الضرر بمجموع المساهمين أو أغلبيتهم.
ثانياً: التعسف في استعمال الحق:
لا تجيز القوانين بشكل عام، ومن بينها القانون القطري لأي شخص، وهو يستعمل حقه أن يتعسف في استعماله. فينبغي لصاحب الحق أن يتقيد بالغاية التي منح من أجلها الحق. ويكون استعمال الحق غير مشروع، كلما وقع خارج حدود هذه الغاية. وهذه القاعدة تنطبق أيضاً على المساهمين في الشركات المساهمة.
ويعتبر صاحب الحق، أي المساهم، متعسفا في استعمال حقه في الحالات التالية:
1- كلما اتجهت نيته (قصده) إلى إلحاق الضرر ببعض أو كل المساهمين من وراء استعمال الحق، حتى ولو كان المساهم يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال. ولا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعسف.
2- يعتبر المساهم متعسفا في استعمال الحق أيضاً، إذا كان يحقق من وراء استعمال الحق ضررا جسيما بغيره من المساهمين في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه، وهذه الحالة واقعة ومتكررة.
يشمل مبدأ عدم التعسف آنف الذكر جميع أنواع الحقوق، فهو مبدأ عام يستوجب من كل شخص أن يستعمل حقه استعمالا مشروعا بمن في ذلك المساهمون في الشركات المساهمة. ولما كان من نتائج التعسف إلحاق الضرر بالغير، فيكون الجزاء التعويض النقدي للمضرور أو تعويضا عينيا لجبر الضرر.
تتفق القوانين ويجمع الفقه بشكل عام، في أن استعمال الحق بحسب الأصل يكون مشروعا. إلا أن نصوص القانون المدني في معظم الدول، قيدت هذا الحق ولم تجعل المشروعية في استعمال الحق على إطلاقها، فاستثنت حالات يكون فيها استعمال الحق غير مشروع، ومن بينها القانون المدني القطري.
حيث تنص المادة 62 من القانون المدني القطري على:
"من استعمل حقه استعمالا مشروعاً لا يكون مسؤولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر".
بينما تستدرك المادة 63 من القانون المدني القطري، بما يلي:
" يكون استعمال الحق غير مشروع في الحالات التالية:
1- إذا كانت المصلحة التي يرمي إليها غير مشروعة.
2- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
3- إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يلحق بالغير.
4- إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضرراً فاحشاً غير مألوف".
فنصوص المادة آنفة الذكر، تدل على أن مناط التعسف في استعمال الحق، الذي يجعله محظورا ومؤثماً، باعتباره استعمالاً غير مشروع له، هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر في المادة سالفة الذكر. والتي تدور كلها حول قصد صاحب الحق في استعماله لحقه، أو مدى أهمية أو مشروعية المصالح التي يهدف إلى تحقيقها.
والأمثلة عديدة ومتنوعة على التعسف في استعمال الحق في الشركات المساهمة. لكن الأكثر عملا وشيوعا هو إساءة استعمال حق الشكوى والتقاضي. وهو من الحقوق التي كفلها الدستور القطري في المادة 135 منه. فالأصل ألا يسأل من يلجأ إلى القضاء تمسكا أو دفاعاً عن حق يدعيه لنفسه. إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت بقصد الإضرار بالخصم.
وإذا ما طبقنا تلك النصوص على بعض الممارسات السلبية لبعض المساهمين، فإن التعسف في استعمال الحق يبدو جلياً وواضحاً. لذا لابد من التصدي لمن يلحق الضرر بحقوق المساهمين، حماية للمال العام وفقاً لما ينص عليه الدستور القطري في المادة 55 منه.
ثالثاً: اقتراح إضافة مادة إلى قانون الشركات التجارية:
بما أن استعمال الحق غير مشروع، كلما وقع خارج حدود الغاية التي توخاها المشرع في ضمان الحق. ويعتبر المساهم متعسفاً في استعمال الحق خارج حدود تلك الغاية، فإنه يقترح أن يتم تضمين قانون الشركات التجارية مادة تنص على ما يلي:
"مع عدم الإخلال بحقوق المساهم المستمدة من هذا القانون، يجوز للجمعية العامة غير العادية بالأغلبية المطلقة لعدد الأسهم، إلزام أي مساهم يملك أقل من واحد بالألف من رأس المال، بالتخارج من الشركة، مع منعه من تملك أسهم الشركة لمدة خمس سنوات متتالية".
إن من شأن إضافة تلك المادة وتطبيقها، أن تشكل صمام آمان وأداة دفاع مشروعة عن حقوق المساهمين، وهي الأولى بالرعاية من حقوق مساهم مستهتر بحقوق جموع المساهمين. كما أنها توفر وسائل قانونية إضافية لحماية حقوق المساهمين وفقاً لما بيناه آنفاً. وفي ذلك فقط الضمانة الأكيدة لتحقيق غاية المشرع في حماية حقوق المساهمين وحقوق الأقلية المعتبرة.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: