أكد مختصان في قطاع التأمين أن أسعار الخدمات التأمينية في المملكة تعد الأرخص عالميا، وأن ذلك ذلك غير جيد على المدى الطويل لاسيما أن الأسعار الحالية لا تعكس حجم الخطر المؤمن عليه.
وقال حسين حسن الشيعان نائب رئيس لجنة التأمين في غرفة الشرقية لـ ''الاقتصادية'' إن ضعف الوعي لدى عموم شرائح المجتمع وعدم الإلمام بالمعلومات الكافية عن شركات التأمين من ناحية خبرة الموظفين وشبكة مزودي الخدمات المختلفة، أسهم في جهل المؤمن لهم بالكثير من الأمور التي لهم الحق في معرفتها، كما أن الأسعار الحالية للتأمين في السعودية تعد من أرخص الأسعار عالمياً وهو غير جيد على المدى الطويل بسبب أن الأسعار الحالية لا تعكس حجم الخطر المؤمن عليه.
وعلى سبيل المثال قد يصل سعر التأمين الطبي على الفرد إلى 700 ريال أو أقل بينما تغطي الوثيقة المؤمن له إلى غاية 250 ألف ريال، ما قد يعرض شركات التأمين إلى الخسارة ومن ثم خسارة المساهمين وعملاء التأمين.
وأوضح الشيعان أن التأمين كصناعة لم تتوسع بشكل كبير في المملكة إلا بعد تطبيق التأمين الإلزامي على المركبات بموجب قرار من مجلس الوزراء في عام 2002 وبعد صدور نظام التأمين التعاوني من قبل مؤسسة النقد في عام 2003، لذلك تعد صناعة التأمين في المملكة حديثة نسبيا.
وأشار كذلك إلى الاعتقاد الخاطئ لدى الكثير بأن التأمين يعتبر مضيعة للمال، ولولا إلزاميته لعزف كثير من الناس عنه، إذ يجب النظر إلى التأمين كضرورة لحماية للممتلكات، والمبالغ القليلة المدفوعة كاشتراكات تأمين تقيه من خسائر عظيمة، لا سيما أن هناك مواطنين يتعرضون لخسائر فادحة وفقدان أموال طائلة بعد وقوع حريق في المنزل أو فقدان أمتعة السفر وغير ذلك، حيث إن مثل هذه الخسائر يمكن تعويضها أو جزء منها من خلال التأمين.
في المقابل، قال لـ ''الاقتصادية'' عيد عبدالله الناصر الخبير في قطاع التأمين والمدرِّب في مجال التأمين وإدارة الأخطار، إن المملكة عرفت التأمين منذ عام 2004 وهو التاريخ الذي تم فيه إصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، وإن تطبيق هذه القوانين حد كثيرا من التجاوزات التي كانت منتشرة في سوق التأمين، وقفز بالسوق إلى مسافات متقدمة جدا مقارنة ببعض أسواق التأمين الخليجية والعربية.
واعتبر الناصر أن ما يجعل التأمين يبدو أنه الأسوأ في الاحتيال - كما يُطلق عليه - أنه يتعامل مع كل شرائح المجتمع الأصحاء والمرضى منهم، مؤكدا أن التأمين مهنة احترافية مثلها مثل القانون إلا أن الفارق هو حجم حاجة الناس الذين لا يحتاجون إلى خدمة المحامي كل يوم، في حين أن الحاجة إلى التأمين يومية وقد تكون إلزامية حسب القانون، ولذا المطلوب هو رفع وعي المجتمع وثقافته بالتأمين وما يتعلق به من واجبات ومسؤوليات تقع على الأطراف كافة.
وأردف الناصر قائلا: أعتقد أن مؤسسة النقد في السنة الأخيرة فرضت على كل شركة تأمين أن يكون فيها مدير للأخطار وهي خطوة ممتازة.
وكما هو معروف فإن التأمين مجرد خيار من الخيارات التي يعالجها هذا الفكر المتخصص لأن التأمين يعالج أحد خيارات التمويل لدفع الخسائر فقط، ومثال ذلك أن إدارة الأخطار عبارة عن نظام له آلياته، والكثير منا يطبق بعضا منه كتجربة إنسانية دون أن يضعها في سياقها كمجال متخصص يمكن تطبيقه على كل ما نقوم به في الحياة اليومية، فعلى سبيل المثال قبل أن تسافر العائلة يغلقون حنفيات المياه في المنزل لأنهم يخشون حدوث خلل فيها ومن ثم إغراق المنزل بالمياه وما يترتب على ذلك من خسائر، وكذلك يبلغون الجيران بسفهرم ليمنعوا تسلل المجرمين لمنزلهم، وهذا يعني أنهم قد حددوا خطرا معينا وطبقوا أسلوبا لمنعه من الحدوث وهي خطوة مهمة في إدارة الأخطار، ولكن تبقى الممارسة لهذه الأمور عادة وليس وعيا وثقافة علمية.
وحول ما يُشاع من الاحتيال والتلاعب الموجود لدى شركات التأمين اعتبر الشيعان أن ذلك موجود من المؤمن لهم و من شركات التأمين أيضا، وهو أمر مؤلم بحسب وصفه لأن في التأمين الطبي على سبيل المثال يتجول البعض من مستشفى إلى آخر للمتعة و التجربة فقط من غير و جود ما يستدعي ذلك، وهذا يرفع معدل الخسارة و بالتالي يرفع قسط التأمين عند التجديد.
ونرى في جانب آخر بعض شركات التأمين تماطل في دفع فواتير المستشفيات ما يضطر المستشفيات إلى عدم استقبال عملاء تلك الشركات.
ونفى ما يُشاع حول أن التأمين أحد أسباب وقوع الجرائم وحدوثها، بل هو على العكس من ذلك كونه بتخفيف أثر الخسارة يؤدي إلى الطمأنينة، وأن المجرم يحاول استغلال أي شيء للقيام بالجريمة لغرض الاستفادة سواء كان السبيل التأمين أم الخدمات البنكية أم غيرها.
رفض الشيعان وصف شركات التأمين بأنها من الشركات الرابحة، حيث يوجد 35 من الشركات المدرجة مهددة بوقف التداول بسبب الخسائر كان منها 15 شركة في قطاع التأمين بحسب التقارير الاقتصادية أخيرا.
ونوّه إلى أن السبب في ذلك يعود إلى المنافسة الشديدة في السوق والتي تؤدي إلى بيع الوثائق بأسعار متدنية جدا، مع قلة خبرة بعض الشركات في إدارة المحافظ التأمينية، كون بعض الشركات تقوم بالتأمين على كامل الخطر دون القيام بإعادة التأمين لأي جزء منه ما يعرض الشركة إلى خسائر فادحة في حال حدوث مطالبة كبيرة.
ويعتقد الناصر أنه يمكن منع حدوث المخاطر من خلال استقطاب مجموعة من المتخصصين في هذا المجال تقوم بدراسة متكاملة للأعمال الرئيسة والفرعية التي تقوم بها شركات التأمين، وما الأخطار المحتملة التي تواجهها، ومن ثم وضع الخطط لمنع أو تقليل أو الحد من هذه الحالات، وبعد ذلك تضع تصورا عن كيفية دفع التكاليف المالية التي قد تتحملها الشركات في حال فشلت كل تلك الخطط في منع حدوث الخطر المحتمل، والتأمين هو أحد الخيارات لتوفير السيولة المطلوبة لدفع هذه المبالغ، منوها إلى أن احتمال وقوع حريق في المبنى من الأخطار التي تتعرض لها شركات التأمين، ولذا فإن الجواب المباشر هو شراء تأمين لتغطية هذه التكاليف، ولكن القضية أعقد بكثير مما تبدو عليه أو مما يتصوره البعض.
وحول إمكانية ربط واقع الحال مع ما يخص شركات التأمين للسيارات، يرى الناصر أنه يفترض معرفة المخاطر التي تواجهها الدولة والمواطن جراء كثرة السيارات وعدد الحوادث المرورية التي تشكل رقما قياسيا في كل عام، وبالتالي يمكن النظر من جهتين الأولى جهة مستخدم السيارة سواء كان شخصا أو شركة، والثانية من جهة الدولة كجهة مسؤولة عن حماية المواطن وسلامته، شارحا ما قد يتعرض له مالك السيارة من أخطار كالتعرض لحادث تصادم أو انقلاب أو سرقة أو حريق ذاتي، وعليه كشخص أو شركة أن يدرس الوضع ويحدد بشكل دقيق ما إذا كان يستطيع تكبد الأضرار أم لا، وكذلك وضع الخطط والبرامج التي تمنع وقوع هذه الحوادث أو تقلل منها ومن أضرارها، وهي أساليب منع الخسائر والتقليل من التي يمكن معرفتها من خلال تطبيق مبادئ إدارة الأخطار.
وتابع الناصر حديثه: إن الدولة تواجه خطر الاستنزاف المستمر لأرواح المواطنين وتكاليف العلاج في المستشفيات، وكذلك ضياع حقوق بعض المتضررين إذا كان الطرف المخطئ مفلسا أو غير قادر على دفع التعويضات المطلوبة للأطراف المتضررة، وهو الأمر الذي يضطر الدولة لدفع هذه التعويضات للمتضررين، ولهذا فالجهات المعنية وضعت خططا في إطار التصور العام لمفاهيم إدارة الأخطار، بحيث فرضت على السائقين دراسة عدة أيام لتعلم القيادة الصحيحة للمركبة واجتياز امتحان قيادة السيارة، مع فرض تأمين المركبة على كل مالك سيارة ليغطي المسؤوليات القانونية والشرعية التي قد تترتب عليه جراء قيادته لتلك المركبة.
وحول أهمية نشر مفاهيم التأمين وإدارة الأخطار من قبل شركات التأمين، أكد الناصر قصور دور قطاع التأمين وكذلك الدولة في توعية العاملين في سوق التأمين والمستفيدين منه كأشخاص وشركات.
وأشار إلى أنه قبل سنوات حينما كان رئيسا للجنة التأمين في غرفة الدمام وبمبادرة من لجنة التأمين في الغرفة، رفعوا تصورا إلى إدارة التعليم في المنطقة الشرقية طالبوا فيه بالموافقة على تقديم محاضرات لطلاب الصف ثالث ثانوي حول مبادئ إدارة الأخطار وتطبيقها بشكل عملي، حيث سيباشرون في تلك المرحلة العمرية قيادة السيارات، وقد يتعرضون لعدد من المشكلات في هذا الخصوص، ومن ثم فمن المهم توضيح التأمين لهم كمهنة محتملة في المستقبل، وعلى الرغم من الموافقة على الفكرة مبدئيا وصل فيما بعد خطاب اعتذار من الجهة نفسها دون إبداء الأسباب.
واعتبر الشيعان أن مؤسسة النقد خطت خطوات جيدة في مجال سن التشريعات التي تحافظ على حفظ حقوق المساهمين والعملاء وضمان جودة وثائق التأمين المباعة من قبل الشركات، وأيضا التركيز على تأهيل الكوادر البشرية من خلال إلزامية جميع الممارسين في سوق التأمين باجتياز اختبار أساسيات التأمين، وأيضا التأكيد على سعودة الوظائف التأمينية، كما نجد مجلس الضمان الصحي هو الآخر يقوم بعمل ممتاز في مراقبة الشركات ومزودي الخدمة العاملين في مجال التأمين الصحي.
وبين أن ربط جميع أطراف وثيقة التأمين الطبي بنظام موحد يسهل انتقال المعاملات من طرف لآخر الذي بدوره يعجل في حصول المؤمن له على الخدمة المطلوبة.
ودعا الشيعان إلى إيجاد قاعدة بيانات موحدة لجميع المؤمن لهم بحيث يمكن لشركات التأمين الحصول على معلومات عن تاريخ المطالبات والوضع الائتماني لجميع العملاء، كي تحد من ظاهرة عدم الإفصاح التي تسهل على العميل صاحب المطالبات الكبيرة الانتقال من شركة إلى أخرى دون دفع قسط يتناسب مع مستوى الخسائر المتوقعة لهذا العميل، أو دون دفع بقية الأقساط المستحقة.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: