نبض أرقام
07:22 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/07/17
2025/07/16

الرهن العقاري وضرورة الحد من آثاره التضخمية

2012/07/11 الاقتصادية ـ د. عبد العزيز الغدير

الكل دون استثناء يتساءل عن نظام الرهن العقاري ما ماهيته وأهميته؟ ما الآثار المترتبة على تطبيقه في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية على المدى القصير والمديين المتوسط والطويل؟ هل سيعالج الرهن العقاري المشكلة الإسكانية؟ هل سينصف الراغبين بشراء مساكن لكم من نظام التأجير المنتهي بالتملك؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تهم المواطن.

بداية يجب أن نُقر أن صدور وتطبيق أنظمة التمويل العقاري ضرورة لا بد منها لسببين رئيسين: الأول، أن الآلية الحالية لتمكين المواطن من الحصول على المسكن الملائم في مقتبل العمر لم تعد فاعلة الأمر الذي أدى لتناقص نسبة تملك المساكن بشكل كبير، والثاني أنه لا يمكن للاقتصاد السعودي أن ينشط دون استثمار الأصول العقارية الرأسمالية لتمويل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بضمان تلك الأصول من خلال رهنها وفق نظام متكامل يضمن حقوق جميع الأطراف دون تغول طرف على آخر، وهذا السبب مرتبط بقضية تنويع مصادر الدخل الوطني للخروج من مخاطر الاعتماد على النفط كمصدر دخل وحيد.

أيضا يجب أن نعترف بأن أكبر تحد يواجهه تطبيق نظام الرهن العقاري هو تضخم أسعار العقارات في السنوات السبع الماضية والناشئة عن ارتفاع أسعار النفط المقرون بالطلب الكبير على الأراضي لا بهدف الاستخدام النهائي لتشييد المباني السكنية أو التجارية أو الصناعية إنما بهدف استخدامها كمخزن للثروات وتنميتها (صكوك استثمارية)، حيث يتجاوز كم الأراضي التي يتم تداولها لهذا الغرض ضعفي الأراضي المستخدمة خصوصا في المدن الثلاث الرئيسة.

كذلك يجب أن نعلم أن المصارف لديها أكثر من ألف مليار ريال ودائع تبحث عن مقترضين سواء أفراد أو شركات وأن حجم الإقراض العقاري الحالي الذي يتراوح بين 20 إلى 25 في المائة سيتزايد بشكل كبير بعد إقرار نظام الرهن العقاري الذي سيوفر ضمانات مقبولة وقوية من المقترضين للمصارف وهي الأصول العقارية الموثوقة ما يعني أن هناك مئات المليارات ستضخ في السوق وتنتقل إلى أيدي المواطنين الذين سيرهنون عقاراتهم بهدف الاستثمار أو الاستهلاك.

نظام الرهن العقاري سيمكن المزيد من المواطنين من الطبقة المتوسطة من شراء مساكن لهم في مقتبل العمر بضمان العين العقارية المرهونة والدخل الشهري حيث تزول بعض الشروط التعجيزية وبالتالي قد يتضاعف عدد المستفيدين من الاقتراض لشراء المساكن الضعف أو الضعفين، كما ستحمي أنظمة التمويل العقاري المستفيد من تغول الممولين الذي يعانيه حاليا بصيغة الإيجار المنتهي بالتملك حيث يحمي النظام المستفيد في حال العجز عن السداد إذ لا يتم التنفيذ عليه إلا من خلال محكمة تضمن له حقه فيما دفعه من أقساط وتزايد قيمة العين بمرور الزمن.

تضاعف الطلب على المساكن بسبب نظام الرهن العقاري لن يكون مؤثراً بشكل كبير في زيادة أسعار الأراضي لأن الطلب على الأراضي للاستخدام النهائي في مجمله لا يشكل سوى النسبة الأقل مقارنة بالطلب لاستخدامها كصكوك استثمارية (مخزن للثروات وتنميتها)، وبالتالي فإن ارتفاع الطلب على المساكن بسبب تطبيق نظام الرهن العقاري سيرفع نسبة التملك من ناحية كما أنه لن يلعب دورا كبيرا في رفع أسعار الأراضي من جهة ارتفاع الطلب على المباني السكنية.

ولكن نظام الرهن العقاري سيلعب دورا كبيرا في التحول إلى السوق الحر وتنويع مصادر الدخل الوطني والاستدامة الاقتصادية عن طريق إطلاق الثروة المستودعة للشعب في العقار والاستفادة منها في مجالات اقتصادية أخرى كرأس مال أساسي للبدء والتمويل لهذه الأعمال وبالنتيجة ستدخل الثروة العقارية في الاقتصاد الكلي وتساعد عجلة التنمية، وهذا سر الرأسمالية كما وثق ذلك المفكر هرناندو ديسوتو في كتابه سر الرأسمالية وهذا ما فعلته جميع أمم العالم الأول والثاني من ضمنها ماليزيا وكوريا اليابان والدول الأوروبية الغربية وأمريكا الشمالية، ونأمل جميعا أن يتحقق في بلادنا العزيزة السعودية.

والسؤال هل سيلعب نظام الرهن العقاري هذه الأدوار سواء تمكين المواطنين من شراء مساكن لهم أو دعم تنويع الاقتصاد والاستدامة بسهولة كما حصل في النماذج الدولية؟ وكم نريد من الوقت لتحقيق ذلك؟ للأسف الواقع يقول إننا يجب أن ندفع ثمناً باهظاً في حال توجه الكثير من المواطنين لرسملة أصولهم العقارية التي يسكنونها، وبالتالي تحول مئات المليارات المودعة في المصارف إلى أيديهم لاستثمارها حيث لن يجدوا أمامهم قناة استثمارية كبيرة وواعدة سوى العقار ليضخوها بها لشراء الأراضي كمستودع ومنمي لتلك الأموال الأمر الذي سينتج عنه تضخم هائل في أسعار العقارات التي تحرك بدورها التضخم في كثير من القطاعات، وهذا بدوره سيخفض القدرة الشرائية للمواطنين الراغبين في شراء مساكن لهم للسكن من ناحية كما سيضر بجميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

أتمنى على حكومتنا الرشيدة لتجاوز سلبيات التضخم الذي سينشأ عن تطبيق نظام الرهن العقاري وما يترتب عليه من مشاكل أن تتخذ حزمة من الإجراءات من أهمها توسيع جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى بآليات متعددة، والحد من المضاربات ورهن العقارات المملوكة بالتشدد بالشروط في هذا المجال ولو لفترة خمس سنوات على الأقل حتى يتمكن المواطن من اغتنام الفرص التي يتيحها هذا النظام ونجنب البلاد مخاطره.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.