هشاشة الثقافة المهنية لدى البعض، وبالذات حينما لا تتجسد ممارسة، أو تتصادم مع آداب تلك المهنة، يمكن لك أن تتجاوزها وتغض الطرف عنها، ولكن حينما يفضي ذلك الغياب الثقافي المهني إلى وجود أفراد تراهم يؤدون أعمالاً مهنية لا يمتلكون أبجدياتها، ولا التأهيل العلمي للقيام بمسئولياتها، ولا حتى الترخيص النظامي للتعاقد مع الآخرين بشأنها، ويكون ذلك علناً والإفصاح عنه على أعمدة الصحف، أمر يصعب قبوله والتغاضي عنه، لما في ذلك من ترسيخ لممارسات خاطئة، وتبعات غير محمودة وإجهاض لنمو عمل مهني مؤسسي.
لقد تضمن تقرير صحفي، نشر على الصفحة الأخيرة من الرياض الاقتصادي الأسبوع الماضي عن سعوديين يستثمرون..! هكذا، في الإشراف على المباني.. يسرد التقرير في مقدمته عن بدء بعض الشباب السعودي بالاستثمار في المقاولات، عن طريق الإشراف على المباني، بهدف اغتنام فرصة الطفرة التي تشهدها البلاد في العقار وقطاع المقاولات، مشيراً التقرير إلى أن عمل الشباب السعودي يقوم على بناء السمعة الحسنة أولاً، عن طريق من تم التعامل معهم مسبقاً، حيث إن السمعة الحسنة هي التي تحدد سعر المشرف على البناء، إلى جانب الخبرة التي يملكها الشاب في تأمين احتياجات الفلل أو العمارات السكنية، التي عادة لا يستطيع مالكوها متابعتها أولاً بأول، أو تنقصهم الخبرة في البناء، ويلجأون لمن لديه معرفة بالسوق وأسعار مواد البناء والعمالة الجيدة ومتابعتها، ويسترسل التقرير في العرض، عن أن الاستثمار في الإشراف على المباني يعتبر فرصة جيدة للشباب السعودي، ممن يرغب في استثمار أوقات الفراغ..!، بل ويضيف أحد من تم الالتقاء بهم ممن يمارسون هذا النشاط، وضمن حديثه في التقرير، أن قطاع الإشراف على المباني يدر عليه دخلاً لا بأس به، حيث إنه يستلم بين ثلاث إلى أربع فلل سنوياً، وأحياناً تزيد عن ذلك، ذاكراً أنه بات الآن خبيراً في السوق..!! كما يتفق معه آخر، ممن تمت مقابلته أيضاً، أنه أحد المستثمرين في مجال الإشراف على المباني، موضحاً أن كثيراً من الراغبين في بناء مساكنهم، وبالأخص قليلي الخبرة يلجأون إليهم، وذلك لتقليل التكاليف، والثقة التي يتمتع بها المشرف.
إن نظرة من قام بإعداد ذلك التقرير الصحفي لمن يمارسون أعمال الإشراف على المباني أنهم المنافس الأول لمؤسسات المقاولات الصغيرة، واعتباره أنهم يستقطعون حصة لا بأس بها من سوقهم يعبّر عن عدم إدراك بأن أعمال الإشراف على المباني هي من مهام دور الاستشارات الهندسية، وليست مؤسسات المقاولات التي تقوم بأعمال تنفيذ تلك المباني فقط، أما من تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير وأبانوا عن ممارستهم لأعمال الإشراف على المباني، فلا أظن أنه كان يدور في ذهنهم أن ما يقومون به هو تجاوز للأنظمة، وممارسة لعمل مهني له متطلباته التأهيلية وترخيصه النظامي ومعاييره الفنية، وليس مجرد إمكانية الادعاء بمعرفة جوانبه من تجربة بناء فيلا سكنية لمرة واحدة بأخطاء مهنية تتفاوت درجات خطورتها، وتكرار تلك التجربة وربما بذات الأخطاء في مشاريع استثمارية لآخرين، هذا بخلاف عدم الوعي بأنهم يمثلون معول هدم في بناء قطاع هندسي في مجال الإشراف على المباني ظل دوره متراجعاً بسبب تلك الممارسات اللامهنية، التي تقف هيئة المهندسين أمامها صامتة..!
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: