نبض أرقام
02:05
توقيت مكة المكرمة

2024/05/12
2024/05/11

الكل يتذاكى على الكل.. لماذا قد يدفع المستثمر في السهم أكثر مما يستحق؟

2020/08/28 أرقام - خاص

قبل ما يقرب من 180 عامًا وتحديدًا في عام 1841 نشر الصحفي الأسكتلندي "تشارلز ماكاي" كتابه الشهير "أوهام شعبية استثنائية وجنون الجماهير"، والذي أشار فيه إلى أن المستثمرين بإمكانهم اكتشاف فقاعات الأسواق المالية إذا انتبهوا مبكرًا إلى العلامات التي تدل على أن السوق يقوده جنون الجماهير.
 

  

لكن اكتشاف الفقاعات ليس سهلًا كما ادعى "ماكاي"، حتى في أيامنا هذه التي لا ينقصنا فيها كمستثمرين لا المعلومات ولا الخبرات والدراسات الأكاديمية، والدليل هو فشل الأغلبية الساحقة من الخبراء وصناع السياسة في توقع جميع الفقاعات التي شهدتها الأسواق المالية والتي كان آخرها فقاعة الإسكان بالولايات المتحدة.
 

وعلى الرغم من أن هناك الكثير ممن يدعون أنهم اكتشفوا الفقاعة قبل انفجارها إلا أن أغلبهم واقعون في الحقيقة تحت تأثير ما يسمى بـ"تحيز الإدراك المتأخر"، وهو شعور الشخص بعد وقوع حدث معين بأنه كان يعرف أن ما حدث كان سيحدث، وأن النتيجة الحاصلة هي النتيجة الوحيدة التي كانت ممكنة.
 

طبيب يداوي الناس وهو عليل
 

الطريف هو أن "ماكاي" نفسه الذي يعتبر أشهر ناقد في التاريخ لسلوك القطيع وجنون الجماهير وقع في ذات الفخ الذي حذر منه؛ ففي عام 1844 – أي بعد ثلاث سنوات فقط من نشره لكتابه – بدأت فقاعة أسهم شركات السكك الحديدية البريطانية في التكون، وذلك قبل أن تنفجر في أواخر عام 1845.
 

"ماكاي" الذي من المفترض أنه كان أفضل مَن يفهم كيف يمكن أن يقود جنون الجماهير وحماسها المبالغ فيه إلى تكوين فقاعات تقضي حين تنفجر على الأخضر واليابس شجّع المستثمرين البريطانيين وحثهم على الاستثمار في أسهم شركات السكك الحديدية التي كانت تداول بأسعار عالية جدًا تستند إلى توقعات غير منطقية حول النمو المستقبلي لهذه الشركات.
 

   

ولسخرية القدر، حين جادله البعض في ذلك الوقت بأن الهوس الذي يشهده السوق فيما يتعلق بأسهم شركات السكك الحديدية يشبه الفقاعات المدمرة التي حذّر منها هو في كتابه رد "ماكاي" قائلًاً: "ليس هناك ما يدعو للخوف".
 

ولكن الزمن لم يمهله كثيرًا لكي يثبت له أنه هو نفسه كان واحدًا من العامة الذين ساهموا في تشكيل الفقاعة وأعمتهم أوهامهم عن اكتشافها؛ فبداية من أواخر عام 1845 وحتى عام 1850 فقدت أسهم شركات السكك الحديدية البريطانية أكثر من ثلثي قيمتها، وهو ما كبّد المستثمرين خسائر تتجاوز قيمتها التريليون دولار بحسابات اليوم.
 

كيف يفكر هؤلاء؟
 

لماذا لا يزال يصعب على المستثمرين اكتشاف الفقاعات حتى مع هذا الكم الهائل من المعلومات الذي أصبح متاحًا الآن؟ هذا السؤال حاول "كولين كاميرر" أستاذ الاقتصاد السلوكي بمختبر الاقتصاد التجريبي التابع لجامعة "كالتك" الإجابة عليه من خلال إجراء التجربة التالية.
 

في إطار التجربة تم منح الطلاب المشاركين فرصة التداول على سهم شركة وهمية في 15 فترة مدة الواحدة منها 5 دقائق، ولكن هناك ملاحظة مهمة، وهي أن الطالب سيحصل على 24 سنتًا كتوزيعات أرباح عن السهم الواحد في نهاية كل فترة، وعلى هذا الأساس إذا احتفظ الطالب بالسهم طوال الفترات الـ15 سيحصل في النهاية على ما مجموعه 3.6 دولار هي مجموع التوزيعات طوال تلك الفترات.
 

في بداية التجربة تم إعطاء كل طالب محفظة مكونة من سهمين اثنين بالإضافة إلى بعض المال لشراء السهم من غيره إذا أراد ذلك، كان السؤال الذي ترغب التجربة في الإجابة عليه هو: ما القيمة الحقيقية لهذا السهم؟
  

  

نظرية السوق الفعّالة لديها إجابة واضحة على هذا السؤال وهي أنه بما أن جميع المشاركين يعلمون مسبقًا أن السهم سيدفع ما مجموعه 3.6 دولار من الأرباح الموزعة على مدار الفترات الـ15 فإن سعره يجب أن يساوي 3.6 دولار.
 

وفي نهاية الفترة الأولى يجب أن يتراجع السعر إلى 3.36 دولار (3.6 دولار مطروحًا منها 24 سنتًا) قبل أن ينخفض إلى 3.12 دولار في نهاية الفترة الثانية على إثر خصم قيمة الـ24 سنتًا التي حصل عليها حامله كتوزيعات.
 

ببساطة يجب أن ينخفض سعر السهم في نهاية كل فترة بما يساوي مقدار الأرباح الموزعة إلى أن يصل إلى الصفر في نهاية الفترة الـ15 والأخيرة، هذا ما يقوله العلم والمنطق، لكن ماذا عن السلوك الفعلي للمشاركين في التجربة؟ إلى أين وصلوا بسعر السهم؟
 

في بداية التجربة قفز سعر السهم على الفور إلى 3.50 دولار، ولكنه بقي عند هذا السعر حتى نهاية الفترات الـ15 رغم أن قيمته الحقيقية في تلك اللحظة أصبحت تساوي الصفر! حتى عندما انخفضت قيمة السهم إلى ما دون الدولارين كان المشاركون يتداولونه بينهم مقابل 3.50 دولار! كيف يفكر هؤلاء الطلاب؟
 

هذا السلوك المثير للاستغراب من قِبل الطلاب دفع مصمم التجربة إلى سؤالهم عن السر وراء إقدامهم على شراء السهم بهذا السعر رغم أنهم يعلمون يقينًا أنه يساوي أقل من ذلك بكثير.
 

   

والإجابة التي حصل عليها "كاميرر" من الجميع تقريبًا هي: "لقد كنت أعلم أن سعر السهم مُبالغ فيه بالفعل، ولكنني رأيت الآخرين يبيعونه ويشترونه بهذه الأسعار، لذلك تصورت أنه بإمكاني شراء السهم والاستفادة من توزيعات الأرباح خلال فترة أو اثنتين، ثم أعود وأبيعه بنفس السعر لمغفل آخر".
 

بعبارة أخرى، لم يُقبل هؤلاء على شراء السهم بهذه الأسعار المرتفعة إلا لاعتقادهم بأنهم يمكنهم العثور على آخرين سيشترون منهم بسعر أعلى.
 

النهاية الحتمية
 

أكثر ما يثير الاهتمام حول تلك التجربة هو أن المشاركين بها كانوا يمتلكون بالفعل كل المعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ القرار الصحيح، وهو الامتناع عن شراء السهم بسعر يتجاوز قيمته الحقيقية، وفي الوقت ذاته كانوا يعلمون متى ستنتهي التجربة، ورغم كل ذلك تشكلت فقاعة بسبب دفعهم في السهم أسعارًا مبالغ فيها.
 

رغم أن الفقاعات الحقيقية أكثر تعقيدًا من ذلك إلا أن هذه التجربة تكشف جانبًا من الأسباب التي تحرك سلوك المتداولين المشكلين للفقاعة، ببساطة، في خضم الفقاعة الحقيقية يبحث كل شخص عمن هو على استعداد لدفع سعر أعلى.
 

   

في خطاب أرسله لمستثمري شركته "بيركشاير هاثاواي" في 29 فبراير 1987، قال المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت": "إذا لم تكن متأكدًا من أنك تفهم قيمة الشركة أفضل من السوق فأنت خارج لعبة الاستثمار، فكما يقولون في لعبة البوكر: إذا مرت 30 دقيقة من بداية اللعبة وأنت بعد لم تتمكن من معرفة اللاعب المغفل الجالس على طاولة اللعب، فهذا لأنك أنت ذلك اللاعب".
 

المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال

كتاب: Extraordinary Popular Delusions and The Madness of Crowds

كتاب: The Wisdom of Crowds

دراسة: Taxi Drivers and Beauty Contests

كتاب: The Winning Investment Habits of Warren Buffett & George Soros

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة