ترزح عمليات إنتاج النفط في البلاد، تحت وطأة «دوّامة هدر» مكلفة مالياً وبيئياً، حيث يعتمد القطاع النفطي على حقن الآبار بالمياه العذبة لاستخراج البترول، وهي تقنية تستدعي ضخ كميات كبيرة جداً منها، محصلتها النهائية، أن إنتاج برميل واحد من النفط يقابله ما يتراوح بين 5 الى 8 براميل من المياه العذبة.
وبعد ضخها في باطن الأرض تخرج محملة بالبترول الذي يُعزل عنها، لينتهي المطاف بكميات هائلة من المياه الملوثة التي تُعاد مجددا الى المحطات بغرض المعالجة، الأمر الذي يضع البلاد امام تحديات اقتصادية وبيئية حقيقية من حيث تكلفة إنتاج ومعالجة المياه، ناهيك عن مخاطرها البيئية الوخيمة.
وفي حين تدعو الخطة الاستراتيجية للقطاع النفطي لعام 2030، الى رفع الطاقة الإنتاجية الى نحو 4 ملايين برميل يوميا، كشفت دراسة حديثة ان انتاج برميل واحد من النفط يقابله ما يتراوح بين 5 الى 8 براميل من المياه المصاحبة لعمليات استخراج النفط، ويزيد معدل المياه كلما تقادم عمر البئر، وذلك يعني ان مقابل كل 3 ملايين برميل يتم انتاجها يوميا،ً هناك ما لا يقل عن 15 مليون برميل من المياه عالية التلوث في دولة صحراوية تعاني شحا في المياه الطبيعية، وتخصص ميزانية كبيرة جداً لإنتاج ومعالجة مياه البحر.
وحذرت دراسة ماجستير حديثة اعدها الطالب في جامعة الكويت فراس السالم، وحصلت القبس على نسخة منها، من المخاطر البيئية والصحية الجسيمة لتلك المياه في حال وصلت الى المحاصيل الزراعية او مصادر المياه الجوفية، موصية بترشيد الاستهلاك عن طريق اعتماد نظام معالجة داخلي في المنشآت واعادة استخدام المياه المعالجة بأنشطة القطاع لتكون بديلاً ناجحاً للمياه العذبة التي تضخ من محطات التحلية الى حقول النفطية.
ودعت الدراسة الى تعميم تجربة احدى الشركات الرائدة في مجال البتروكيميات في البلاد، اعتمدت نظاماً مغلقاً يعيد تدوير واستخدام المياه دون مخاطر بيئية أو هدر مياه، حيث استخدمت الشركة تقنية التناضح العكسي مما خفض الطلب على المياه الحكومية عبر الترشيد، وحقق التنمية المستدامة وقلل كلفة التشغيل على الشركة للمدى البعيد.
أول محطة
من جهته، ذكر مدير إدارة العلوم والتكنولوجيا لمركز أبحاث البترول التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية د. داود بهزاد أن عام 2000 شهد بدء تشغيل أول محطة حقن بمياه البحر في حقول الشمال (الصابرية والروضتين)، وبُنيت محطة لمعالجة مياه البحر في الصبية لتغذية محطة الحقن في الصابرية، تلتها محطة مشابهة في المناقيش تستخدم المياه الجوفية العميقة، بالإضافة إلى المياه المصاحبة للإنتاج، والعمل جار لاستكمال محطة حقل وارة.
وبيّن بهزاد أن «الأبحاث» يتولى، بالتعاون مع شركة نفط الكويت، مهمة مراقبة نوعية المياه المعالجة في محطة الصبية ومحطتي الحقن في الروضتين والمناقيش، ويجري المعهد التحاليل والقياسات بشكل دوري وتفصيلي يومياً وأسبوعياً وشهرياً، بإشراف نخبة من الباحثين والفنيين.
مراحل الإنتاج
وعن عمليات الإنتاج، أوضح بهزاد أن المكامن النفطية تشكل تكوينات جيولوجية طبيعية حابسة للنفط والغاز داخل طبقات الأرض، وتمر تلك المكامن أثناء تطورها بمراحل عمرية مختلفة، فهناك مرحلة الإنتاج الأولي، حيث يعتمد إنتاج النفط على الطاقة الطبيعية للمكمن الناتجة عن اندفاع الماء داخل المكمن أو عن طريق تمدد الغازات المذابة داخل النفط.
وتابع: في مرحلة الإنتاج الثانوي يتم الاعتماد على الطاقة الاصطناعية الناتجة عن عمليات الحقن لتعويض الضغط المفقود أثناء عمليات الاستخراج، وتسبق الحقن عمليات استكشاف وتحليل كيميائي وجيولوجي لمكونات المكمن، وفي المرحلة الإنتاجية الثالثة تحقن الآبار بمواد محفزة لزيادة نسبة الإنتاج.
متطلبات الحقن
وقال: في نهاية مرحلة الإنتاج الأولي وقبل الوصول إلى ضغط مكمني منخفض مقارب لضغط انطلاق الغازات، يتم التجهيز لمرحلة الإنتاج الثانوي، وذلك عن طريق وضع الخطط والآليات اللازمة لتلك المرحلة وتتضمن هذه الخطط: خطط الإنتاج والحقن، خطط حفر آبار الحقن، خطط بناء منشآت الإنتاج ومناولة المياه، حيث تعد مرحلة الإنتاج الثانوي مرحلة أكثر تعقيداً، وأكثر دقة مقارنة بمرحلة الإنتاج الأولي.
وأوضح بهزاد أن عملية معالجة المياه وتجهيزها للحقن من أبرز مهام مرحلة الإنتاج الثانية، حيث تتطلب تجهيز منشآت خاصة لمعالجة المياه من الشوائب، وتحديد ما إذا كانت المياه قابلة للحقن من حيث التركيب الكيميائي ونسب المواد الذائبة والعالقة، وضمان عدم وجود بكتيريا مختزلة للكبريت وغيرها، مما قد يضر بالمكمن، كما يتطلب وجود مضخات قادرة على رفع ضغط الحقن إلى معدلات أعلى من ضغط المكمن.
وأضاف أن حفر آبار حقن المياه من المتطلبات الرئيسية لهذه المرحلة، وتتم في أماكن محددة ومدروسة بدقة من حيث المسافة بين بئر الحقن والآبار الأخرى المنتجة، ومعدل الحقن، والضغط اللازم لتحقيق الإزاحة المطلوبة للنفط، بحيث تضمن توزيع الضغط على آبار الإنتاج المتأثرة ببئر الحقن، ويتم توصيل هذه الآبار بمنشآت معالجة ومناولة المياه.
3 تريليونات برميل
أكد داود بهزاد ضرورة استخدام طرق مبتكرة وحديثة لتعزيز إنتاج النفط ورفع معدلات الاستخراج اعتمادا على معالجات حرارية وكيماوية، موضحاً انه يصعب ـ تحت أفضل الظروف التشغيلية التقليدية ـ استخراج أكثر من %50 من النفط الموجود في أي مكمن، في حين تبقى كميات هائلة من النفط محشورة بين الصخور ، وتقدَّر احتياطاتها عالمياً بنحو ثلاثة تريليون برميل، ويصعب استخراجها حتى باستخدام الحقن المائي أو الحقن الغازي.
الحقن بالماء
لفت بهزاد إلى أن الطرق المختلفة في حقن الآبار هي: الحقن بالماء، الغاز الطبيعي، غاز ثاني أكسيد الكربون، أو بخار الماء، وتعتبر عملية الحقن بالمياه أحد الطرق المعتمدة في البلاد للحفاظ على الضغط المكمني، حيث يستمر حقن الآبار إلى حين ظهور كميات عالية من الماء في النفط المنتج، أو أن تصبح عملية حقن الماء غير مجدية اقتصادياً.
خطورة الماء المالح
حذر بهزاد من الأضرار البيئية للمياه المالحة، وقال: يجب التخلص من المياه المالحة بطرق سليمة حتى لا تتسبب تلوث البيئة أو تملح الأراضي الزراعية أو المياه الجوفية، فإن برميلا واحدا من مياه ملوحتها 30000 ملغ/ليتر يمكن أن تلوث 97 برميلا من المياه العذبة، ولذلك يجب التخلص منها بطرق آمنة ومعزولة بعيداً عن مصادر المياه.
خطورة عالية
أوضح معد دراسة الماجستير في جامعة الكويت فراس السالم، أن المياه المصاحبة لعملية إنتاج النفط تحتوي على كميات من الهيدروكربون والمعادن الثقيلة، إلى جانب كميات كبيرة من المواد الصلبة المذابة، مواد سريعة الاشتعال والتطاير ، فضلاً عن نسبة الملوحة عالية جداً، مؤكداً على خطورتها العالية بحال الوصول إلى الانسان أو مصادر المياه.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: