رجّح محللون في تصريحات لـ أرقام، أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أسعار الفائدة دون تغيير خلال اجتماعه اليوم، وسط ضغوط متزايدة ناجمة عن تباطؤ الاقتصاد وعودة التصعيد في الرسوم الجمركية على الواردات.
ويختتم الفيدرالي اجتماعه مساء اليوم، يتبعه مؤتمر صحفي مرتقب لرئيسه جيروم باول، وسط ترقب واسع من المستثمرين لنبرة الخطاب وتلميحات السياسة النقدية.
ويرى المحللون أن التثبيت في هذه المرحلة يمنح صانعي السياسات مزيداً من الوقت لتقييم عمق التباطؤ الاقتصادي، وتطور تأثير الرسوم الجمركية على التضخم والنمو.
تثبيت الفائدة مدعوم ببيانات قوية... والخفض مؤجل حتى إشعار آخر
وائل مكارم كبير استراتيجي السوق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Exness
توقع وائل مكارم كبير استراتيجي السوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Exness، أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه، عند نطاق 4.25%-4.50%.
وأوضح ان هذا التوقع يأتي مدفوعًا بحالة عدم اليقين الكبيرة الناتجة عن التعريفات الجمركية والحاجة إلى مزيد من البيانات لتقييم تأثيرها، مبينا انه على الرغم من أن بيانات الوظائف القوية لشهر أبريل تدعم هذا التوقف المؤقت في خفض الفائدة، إلا أن الفيديرالي قد يظل منفتحا أكثر على إمكانية تخفيض أسعار الفائدة مرتين هذه السنة بعد أن تراجع مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي إلى أدنى مستوى له منذ 2021.
محمد فراج الرئيس الأول لإدارة الأصول في أرباح كابيتال
وفي ذات السياق، قال محمد فراج، الرئيس الأول لإدارة الأصول في أرباح كابيتال، إنه من المرجح أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير، بدعم من بيانات الوظائف القوية التي تمنحه مساحة للمراقبة.
وتوقع أن أي خفض محتمل للفائدة قد يؤجل حتى ظهور أدلة واضحة ومستدامة على تباطؤ اقتصادي أو ضعف في سوق العمل، مع احتمال تعديل سياسة الخفض التقليدي بمقدار 25 نقطة أساس، سواء إلى أقل منها أو أكثر، في حال تقرر المضي بهذا الاتجاه.
وأضاف فراج أن الانكماش الأخير في الناتج المحلي الإجمالي يعد "علامة تحذيرية"، لكنها تحتاج إلى مزيد من التأكيد قبل أن يتخذ الفيدرالي قراراً بتغيير مساره النقدي الحذر تجاه التضخم.
أحمد عزام رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي
من جهته، قال أحمد عزام، رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي، إن الاحتياطي الفيدرالي يقف حاليًا على مفترق حساس، بين سوق عمل لا تزال متماسكة من جهة، وانكماش اقتصادي يُثير القلق من جهة أخرى.
ورجّح عزام أن يبقي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير، مع تبني لهجة حذرة تركز على "الاعتماد على البيانات" وسط تصاعد الضبابية الناجمة عن التوترات التجارية.
وأشار إلى أن بيانات أبريل القوية (177 ألف وظيفة مضافة، ومعدل بطالة عند 4.2%) توفر للفيدرالي غطاءً مناسباً لتمديد توقفه المؤقت عن الخفض، إلا أن الانكماش المفاجئ بنسبة 0.3% في الناتج المحلي يعقّد الصورة.
ولفت إلى أن هذه القراءة قد تكون مضخّمة بفعل قفزة في الواردات قبيل فرض الرسوم الجديدة، مما يمنح بيانات 30 مايو المرتقبة للنمو أهمية مضاعفة في تحديد المسار المستقبلي للسياسة النقدية.
وذكر عزام أن الفيدرالي معروف بتفاعله مع الأرقام لا استباقه لها، ما يرجح أن يتأنّى في اتخاذ القرار، خصوصاً مع تصاعد التوترات الجمركية وضغوط البيت الأبيض، لكن الباب يبقى مواربًا للهجة حمائمية من جيروم باول في المؤتمر.
حذر في الأسواق: مكاسب محدودة للأسهم... وتماسك في الذهب وسط مخاوف الركود
وفيما يتعلق برد فعل الأسواق، يرى وائل مكارم أنه نظرا لان قرار تثبيت الفائدة متوقع إلى حد كبير، ستركز الأسواق على لهجة بيان الفيدرالي وتصريحات باول خصوصا مع مستويات التضخم التي استمرت في الانخفاض، مبينا أن الأسهم قد تشهد تقلبات أو ضغوطًا، إذا كانت اللهجة متشددة.
وأضاف أن الذهب قد يجد دعمًا كملاذ آمن وسط حالة عدم اليقين، فيما تواجه أسعار السلع ضغوطًا بسبب مخاوف تباطؤ النمو العالمي الناتجة عن التعريفات. بينما سيظل الدولار متقلبًا، ويتأثر بتوقعات السياسة التجارية اساسا وأسعار الفائدة.
وتوقّع فراج استمرار التقلبات في الأسواق على أن تكون الحركة "هادئة نسبياً" في حال تثبيت الفائدة، مع احتمالية صعود طفيف في الأسهم نتيجة استبعاد سيناريو رفع الفائدة، إلا أن المكاسب ستكون محدودة بسبب استمرار عدم اليقين الاقتصادي والتوترات التجارية.
أما بالنسبة للسلع، فيتوقع استمرار الضغوط عليها، مع احتمال ارتفاع محدود للذهب بفعل تنامي الطلب على الملاذات الآمنة.
وأضاف أن الدولار قد يتعرض بدوره لضعف على المدى القصير إذا ما فسرت الأسواق موقف الفيدرالي كمؤشر على قلق متزايد بشأن النمو، إلا أن "قوة الدولار الأساسية" قد تحد من هذا الانخفاض.
من جانبه، يرى أحمد عزام أن قرار التثبيت مع خطاب حذر من جيروم باول قد يرفع شهية المخاطرة مرحلياً، لكن استمرار الرسوم الجمركية يفرض سقفاً منخفضاً على أي موجة صعود قوية، ويعزز احتمالات التراجع في أدوات المخاطر، خصوصاً مع تصاعد حساسية الأسواق تجاه سردية الركود: أسهم متقلبة سلبية، ذهب متماسك، ودولار متراجع تدريجيًا كلما ازدادت رهانات التخفيضات أواخر 2025.
وأوضح أن قرار التثبيت قد يدعم علاوات القيمة، إلا أن ضغوط الرسوم وفتور الأرباح يحدان من الارتفاع؛ مع احتمالية تفوق القطاعات الدفاعية مثل العقارات والمرافق على القطاعات الدورية، مضيفاً أن السلع قد تواجه المزيد من الضغوط الهبوطية مع تفاقم مخاوف الركود وتقلّل شهية المصانع العالمية للمواد الخام، ما يضغط على الأسعار رغم ضعف الدولار.
وبيّن أن الذهب قد يبدو أحد المستفيدين الأكبر في عام 2025 مع تثبيت الفائدة وخفضها مستقبلاً جراء بقاء العائد الحقيقي منخفضاً، وارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة مع التصعيد الجمركي.
الرسوم الجمركية تربك معادلة الفيدرالي: بين صدمة تضخمية ومخاطر ركود
وحول أثر الرسوم الجمركية، توقع وائل مكارم، أن تؤدي التعريفات الجمركية الشاملة إلى تباطؤ كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة التضخم (أي حدوث صدمة ركود تضخمي)، مشيرا الى أن هذا من الممكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة في الناتج والوظائف وارتفاع تكاليف الأسر.
وأضاف أنه إذا ظلت أسعار النفط عند مستويات منخفضة بسبب تراجع الطلب وانكماش اقتصادي فقد تساهم في انخفاض التضخم، مبينا أن الفيدرالي سيعيد تقييم توجهاته بناءً على البيانات الفعلية، لكن تدهور حاد في سوق العمل قد يجبره على خفض الفائدة.
من جانبه، أوضح أحمد عزام أن الفيدرالي سيضطر إلى موازنة "تضخم الرسوم" ضد "ركود الرسوم"، إذا أظهرت بيانات الصيف تباطؤاً ملموساً في الاستهلاك والاستثمار، بينما يظل التضخم مرتفعاً بدرجة يمكن التحكم بهاً (1–1.5 نقطة فوق الهدف)، حيث قد ينتقل الخطاب من صبرٍ مطوّل إلى تيسير احترازي قبل نهاية 2025.
وتوقع عزام أن يتم ذلك من خلال تخفيضات تدريجية للفائدة، مع استمرار تقليص الميزانية العمومية لاحتواء الضغوط السعرية، خاصة في ظل ما قد تحدثه الرسوم الشاملة بنسبة 10% على الواردات من صدمة عرض تضخمية مباشرة.
وأشار إلى أن هذه الرسوم قد ترفع توقعات التضخم الأميركي للعام 2025 بنحو 1%، من خلال تأثيرها على أسعار السلع الأساسية والخدمات المرتبطة بها. أما على المدى الطويل، فقد يعادل أثر هذه الرسوم انخفاضاً بنحو 6% في الناتج المحلي الحقيقي، وتراجعاً بنحو 5% في الأجور، ما يكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة نحو 22 ألف دولار من دخلها السنوي.
وأضاف أنه على المدى القصير قد تضيف كل 5 نقاط مئوية من التعرفة حوالي 0.3 نقطة مئوية إلى مؤشر أسعار المستهلك خلال 12 شهرًا، مع اقتطاع ربع نقطة من النمو بسبب تراجع الاستهلاك وتآكل هوامش الشركات.
وتابع أن ترجمة ذلك إلى 10 % رسوم تعني تضخمًا إضافيًا يلامس 0.6‑0.7 نقطة ونموًا أقل بنحو 0.4‑0.5 نقطة بحلول نهاية العام؛ وهو رقم قابل للزيادة جراء معادلة حمائية للرئيس الأميركي.
ويرى فراج أن التصعيد التجاري وفرض رسوم واسعة النطاق سيؤثران سلبًا على معدلات النمو والتضخم، ما سيضع ضغوطًا إضافية على الاحتياطي الفيدرالي لإعادة تقييم سياسته النقدية.
وأضاف أنه في حال تفاقمت الحرب التجارية وانعكست آثارها في البيانات الاقتصادية، فمن المرجح أن يضطر الفيدرالي للتحول نحو التيسير النقدي، رغم ما قد يصاحب ذلك من مخاطر تضخمية.
سوق العمل أمام اختبار قادم: نمو الوظائف يتباطأ... والضغوط الحمائية تتصاعد
وأكد وائل مكارم انه على الرغم من قوة سوق العمل الحالية، من المتوقع أن تتزايد الضغوط عليه في الأشهر المقبلة بسبب تأثير التعريفات وتباطؤ النمو العالمي.
وأضاف أن حالة عدم اليقين تدفع الشركات للتردد في التوظيف والاستثمار، مشيرا الى أن استدامة قوة سوق العمل غير مؤكدة وسيتم تأكيد ذلك على المدى القصير.
من جهته، أوضح أحمد عزام أن سوق العمل كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت الفيدرالي إلى بدء دورة خفض الفائدة في 2024، لذا فإن قراءة أبريل (177 ألف وظيفة، وبطالة مستقرة) تبدو مرضية من الناحية الظاهرية، إلا أن صمود هذه الأرقام ليس مضمونًا لأكثر من بضعة فصول.
وأشار إلى أن قوة التوظيف تتركز في الخدمات المحلية، ومع توقع انكماش التصنيع الأميركي تحت وطأة الرسوم الشاملة مع ارتفاع أسعار المدخلات وتراجع الطلبيات، وارتفاع التضخم وضعف الدخل الحقيقي قد يضغط على الاستهلاك؛ مما يعني أن المحركات الرئيسية للتوظيف قد تتعطل.
ولفت إلى أن نمو الوظائف بدأ يتباطأ بالفعل مقارنة بالأشهر السابقة، بعدما خُفضت أرقام فبراير ومارس بـ 58 ألف وظيفة، مضيفاً أنه مع تباطؤ الطلب العالمي وتآكل هوامش الشركات جرّاء الحمائية، من المرجح أن تهبط الزيادة الشهرية في الوظائف إلى نطاق 70–90 ألفاً بنهاية العام، أي دون المستوى اللازم لاستيعاب نمو القوة العاملة.
وأشار الى أن البيانات الحالية تمنح الفيدرالي "مهلة قصيرة" لتأجيل خفض الفائدة، مبينا أنها تبقى هشّة أمام مزيج من تضخم الرسوم، وتباطؤ الصناعة، وتراجع التجارة العالمية؛ ومع ظهور أول تشققات واضحة في الأجور أو في معدل التوظيف، سيُعاد فتح ملف التيسير النقدي سريعًا.
وفي السياق ذاته، قال فراج أن قوة سوق العمل الحالية ليست ضمانة ضد التباطؤ الاقتصادي، حيث أن سوق العمل غالبًا ما يتأخر في التأثر بالانكماش.
وأضاف أن السياسات الحمائية وتباطؤ النمو العالمي تشكل رياحاً معاكسة قوية قد تؤدي تدريجيًا إلى ظهور علامات ضعف في سوق العمل خلال الأشهر القادمة، مما قد يفتح الباب أمام خفض للفائدة إما في وقت لاحق من العام الجاري أو العام المقبل حتى لو بدت الأمور مستقرة حاليًا.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: