في عالم التمويل، لا يُعد الحصول على القرض نهاية المطاف، بل بداية رحلة محفوفة بالتحديات. وفي هذه الرحلة، قد تتحول بعض القروض إلى "أصول متعثرة"؛ ما يدق ناقوس الخطر في الأسواق المالية ويهدد استقرار المؤسسات المقرضة.
ما هي الأصول المتعثرة؟
- الأصل المتعثر هو قرض أو أداة دين فشل المقترض في سداد دفعاته الدورية -سواء الفائدة أو أصل المبلغ- خلال فترة زمنية مطوّلة.
- وغالبًا ما يُستخدم هذا المصطلح في الإشارة إلى حالات التأخر التي تتجاوز 90 يومًا، كما هو الحال في قروض الرهن العقاري.
- وعند هذه النقطة، يعتبر المقرض القرض في حالة "تعثّر"، وقد يشرع في إجراءات استرداد الضمانات التي رُهنت مقابل القرض، أو يشطب الدين كخسارة ويبيعه لشركات متخصصة في تحصيل الديون.
مثال توضيحي: من تعثّر السداد إلى الحجز على العقار
- لنفترض أن أحد الأفراد حصل على قرض عقاري بقيمة 350 ألف ريال، يسدده على أقساط شهرية تبلغ 2,500 ريال.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- إذا توقف عن السداد لثلاثة أشهر متتالية بسبب فقدان وظيفته، فإن البنك سيصنّف القرض متعثرًا أو متأخرًا بعد مرور التسعين يومًا.
- وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية أو إعادة جدولة، فقد تبدأ إجراءات الحجز العقاري، والتي قد تنتهي ببيع المنزل لتعويض البنك عن خسائره.
- أما في حالات القروض غير المضمونة، فقد لا يكون أمام البنك سوى شطب الدين أو بيعه بسعر منخفض لشركات التحصيل.
تداعيات القروض المتعثرة: خسائر تطال الطرفين |
|
أولًا: المقترض في عين العاصفة |
- وكلما انخفض هذا التصنيف، زادت صعوبة الحصول على تمويل جديد، سواء كان بطاقة ائتمان أو قرض سيارة أو حتى قرض شخصي. - ليس ذلك فحسب، بل قد يترتب على التراجع الائتماني ارتفاع في معدلات الفائدة المستقبلية، ما يفاقم العبء المالي على المقترض. |
ثانيًا: المقرضون... ومأزق القروض المتعثرة |
- كما تُجبر المؤسسات المالية على تخصيص احتياطيات مالية لتعويض هذه الخسائر المحتملة، ما يضعف قدرتها على منح قروض جديدة ويؤثر سلبًا على ميزانياتها العمومية وربحيتها الإجمالية. - وكلما زاد حجم القروض المتعثرة، زادت هشاشة النظام المصرفي. |
كيف تتعامل البنوك مع القروض المتعثرة؟
تتبع البنوك والمؤسسات المالية عدة استراتيجيات في مواجهة التعثر، تتنوع بين الوقائية والتكتيكية.
استراتيجيات البنوك لمواجهة القروض المتعثرة |
|
إعادة الهيكلة الوقائية |
- ورغم أن ذلك قد يجنّب تصنيف القرض كمتعثر، إلا أنه قد يؤثر لاحقًا على الملف الائتماني للمقترض. |
مصادرة الضمانات وبيعها |
|
تحويل الديون إلى أسهم |
|
بيع الديون المعدومة |
|
هل جميع القروض المتعثرة "غير قابلة للإنقاذ"؟
- لا، إذ إن بعض القروض المتعثرة يمكن "تحصيلها" من خلال خطط إنقاذ ناجعة؛ وفي كثير من الحالات، لا يكون تعثر المقترض نتيجة سوء نية، بل لأسباب خارجة عن إرادته؛ مثل فقدان الوظيفة، أو مرض مفاجئ، أو تغييرات اقتصادية قسرية.
- لذلك، تلعب برامج إعادة الجدولة، والمساعدات الحكومية، وخطط تقسيط القروض دورًا مهمًا في الحد من تفاقم الأزمة.
- في المقابل، تختلف الصورة في حال كان التعثر جزءًا من ممارسات اقتراض متهورة، أو من نماذج إقراض غير مدروسة.
- هنا، تتضاعف المخاطر وتُصبح إدارة القروض المتعثرة أكثر تعقيدًا، وتبرز الحاجة إلى تحسين أنظمة التقييم الائتماني والرقابة المصرفية.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: أدوات جديدة في مكافحة التعثر
- في عصر الرقمنة، بدأت المصارف وشركات التمويل في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك العملاء، ورصد مؤشرات الإنذار المبكر لتجنب التعثر.
- فأنظمة التحليل التنبئي قادرة على تحديد العملاء الأكثر عرضة للتأخر في السداد، واقتراح سياسات تدخل استباقية لحمايتهم وحماية المصرف من الخسائر.
- كما تتيح التقنيات الحديثة تحسين عمليات تحصيل الديون، عبر تخصيص خطط تواصل تتناسب مع ظروف كل عميل، وتحديد الحلول الأنسب لإعادة هيكلة القروض بفعالية أكبر.
كلمة أخيرة: المسؤولية المشتركة
- في نهاية المطاف، تُعدّ القروض المتعثرة تذكيرًا قويًا بأن التمويل مسؤولية متبادلة؛ فكما يقع على عاتق المقترض أن يتعامل مع القروض بوعي مالي وانضباط، يتحمل المقرض أيضًا مسؤولية تقديم تمويل مسؤول ومبني على تقييم دقيق للملاءة المالية.
- وإذا كان التعامل مع القروض المتعثرة أمرًا لا مفر منه في بعض الأحيان، فإن تجنبها يبدأ من بناء ثقافة مالية رشيدة، وتعزيز الشفافية، والتخطيط المحكم للالتزامات المالية؛ سواء من جانب الأفراد أو الشركات أو المؤسسات المالية نفسها.
المصدر: إنفستوبيديا
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: