أظهرت بيانات بنك الكويت المركزي أن صافي وضع الاستثمار الدولي للكويت واصل مساره التصاعدي خلال الربع الأول من عام 2025، ليصل إلى 37.66 مليار دينار، مقابل 34.90 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي، محققا نموا سنويا بنسبة 7.9% وزيادة ربعية بلغت 4.9% مقارنة بنهاية 2024، والتي بلغ فيها 35.9 مليار دينار، ويعكس هذا الأداء الإيجابي قدرة الاقتصاد الكويتي على تحقيق فوائض مالية من معاملاته مع العالم الخارجي وتوظيفها في أصول دولية متنوعة، وهو ما يعزز مناعة المركز المالي للدولة أمام الصدمات الاقتصادية العالمية وتذبذبات أسواق المال.
وطبقا للإحصائية الفصلية الصادرة عن بنك الكويت المركزي، فإن وضع الاستثمار الدولي للكويت يضم إجمالي الموجودات مطروحا منه إجمالي المطلوبات، وتضم الموجودات الأرصدة الخارجية لجميع القطاعات عدا الحكومة العامة، وبالنسبة للحكومة العامة فهي متضمنة فقط ضمن بيانات الائتمان التجاري وقروض الصندوق الكويتي للتنمية.
وتكشف البيانات عن أن إجمالي الموجودات الخارجية للكويت بلغ بنهاية مارس 2025 نحو 71.92 مليار دينار، بزيادة سنوية قدرها 10.2% عن مستوى 65.29 مليار دينار في مارس 2024، وهو ما يمثل أحد أعلى المستويات المسجلة خلال السنوات الأخيرة. ويعود هذا النمو إلى عدة محركات أساسية، أبرزها ارتفاع الاستثمار المباشر في الخارج إلى 17.56 مليار دينار، بزيادة 10.9% خلال عام واحد. هذه الزيادة تعكس توسع البنوك الكويتية، التي رفعت حصتها من هذه الاستثمارات بنسبة 12.5% لتبلغ مستوى 8.99 مليارات دينار بنهاية الربع الأول من 2025 مقارنة بـ 7.99 مليارات دينار خلال الربع الأول من 2024، إلى جانب القطاعات الأخرى مثل شركات الاستثمار التي زادت استثماراتها بنسبة 8.2% لتسجل مستوى 8.01 مليارات دينار مقارنة بـ 7.4 مليارات دينار، كما شهدت أدوات الدين ضمن الاستثمار المباشر قفزة بنسبة 46.3% لتصل إلى 564.9 مليون دينار، وهو مؤشر على اتساع دور الكويت في تمويل المشاريع والصفقات الخارجية.
وفي بند الاستثمار في محفظة الأوراق المالية، سجلت الكويت قفزة بنسبة 23.5% ليصل الإجمالي إلى 9.76 مليارات دينار بنهاية الربع الأول 2025، مقارنة بـ 7.9 مليارات دينار خلال الربع الأول من 2024، وهو النمو الأقوى منذ عام 2021، وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بارتفاع كبير في أدوات الدين بلغ أكثر من 33.1% إلى 6.52 مليارات دينار بنهاية مارس 2025 مقارنة بـ 4.9 مليارات دينار خلال مارس 2024، ما يعكس توجه المستثمرين الكويتيين نحو الأصول ذات العوائد الثابتة، مستفيدين من مستويات أسعار الفائدة العالمية المرتفعة، والتي تتيح فرصا استثمارية بعوائد مجزية مع درجة مخاطرة محدودة.
المشتقات المالية كانت من أبرز بنود النمو، حيث شهدت قفزة قياسية على أساس سنوي لتسجل نموا نسبته 89.4% لتصل إلى 5.93 مليارات دينار بنهاية الربع الأول من 2025، مقارنة بـ 3.13 مليارات دينار خلال الربع الأول من 2024، أغلبها مملوك للبنوك المحلية، وهذا الارتفاع الكبير يعكس توسع استخدام أدوات المشتقات سواء للتحوط ضد مخاطر أسعار الصرف والفائدة أو لتحقيق أرباح من تحركات الأسواق العالمية، وهو ما قد يشير إلى استراتيجية أكثر نشاطا وإقبالا على أدوات مالية معقدة من قبل المؤسسات الكويتية.
وفي بند الاستثمارات الأخرى، ارتفع الإجمالي إلى 24.44 مليار دينار مسجلا نموا نسبته 3.0%، رغم تراجع بند العملة والودائع بنسبة 4.0% إلى 11.22 مليار دينار، ما قد يعكس إعادة توجيه السيولة نحو استثمارات ذات عوائد أعلى. بالمقابل، سجلت القروض الممنوحة للخارج ارتفاعا ملحوظا بنسبة 10.2% إلى 11.13 مليار دينار بنهاية مارس 2025 مقارنة مع 10.1 مليارات دينار بنهاية مارس 2024، مع زيادة حصة البنوك المحلية من هذه القروض إلى 5.36 مليارات دينار، كما ارتفع بند «أخرى» بنسبة 17.6% ليصل إلى 584.8 مليون دينار، وهو بند غالبا ما يشمل التزامات وأصول متفرقة غير مدرجة في التصنيفات الرئيسية. أما الأصول الاحتياطية لدى بنك الكويت المركزي فقد انخفضت بنسبة 3.1% إلى 14.23 مليار دينار، رغم تسجيل زيادة في حقوق السحب الخاصة إلى 1.33 مليار دينار، وهو ما يشير إلى تغييرات في إدارة الاحتياطيات وتوزيعها بين أدوات وسيولة مختلفة.
جانب المطلوبات
على جانب المطلوبات، ارتفع الإجمالي إلى 34.26 مليار دينار، بزيادة سنوية بلغت 12.7% مقارنة بـ 30.39 مليار دينار في مارس 2024. جاء هذا النمو مدفوعا بارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت بنسبة 3.0% إلى 5.17 مليارات دينار، وهو ما يعكس استمرار جاذبية السوق الكويتية للمستثمرين الأجانب، وإن كان بوتيرة أبطأ من توسع الاستثمارات الكويتية في الخارج، كما ارتفع الاستثمار في محفظة الأوراق المالية بنسبة 15.2% إلى 4.12 مليارات دينار، مدفوعا بقفزة في حقوق الملكية بنسبة 52.8%، وهو ما قد يرتبط بزيادة اهتمام الأجانب بأسهم الشركات الكويتية الكبرى وقطاعاتها الدفاعية في مواجهة تقلبات الأسواق.
كما ارتفعت المشتقات المالية في جانب المطلوبات بنسبة 91.5% إلى 5.88 مليارات دينار، في تطور يعكس التوسع المتوازي في التعاملات المشتقة بين المؤسسات المالية المحلية والأطراف الخارجية، أما الاستثمارات الأخرى فقد ارتفعت بنسبة 2.0% إلى 19.10 مليار دينار، بدعم من زيادة بند العملة والودائع بنسبة 14.9% إلى 7.09 مليارات دينار، في إشارة إلى ثقة المودعين الأجانب بالبنوك الكويتية أو تحركات موسمية للسيولة. بالمقابل، انخفضت القروض الخارجية المستحقة على الكويت إلى 7.01 مليارات دينار، وتراجع بند «أخرى» بنسبة 15.5% إلى 4.84 مليارات دينار نتيجة انخفاض التزامات الحكومة العامة والبنوك المحلية.
وبقراءة شاملة لهذه المؤشرات، يتضح أن الكويت لاتزال تحتفظ بموقع مالي خارجي قوي، مع فائض مريح في صافي وضع الاستثمار الدولي، ما يمنحها قدرة عالية على مواجهة الصدمات العالمية وتقلبات أسواق المال، كما يعكس التوسع في أدوات الدين والمشتقات المالية تطورا في إدارة المحافظ الاستثمارية، مع موازنة بين الأمان والعائد، غير أن تسارع نمو المطلوبات بوتيرة ملحوظة، خاصة في المشتقات والودائع، يستدعي المتابعة لضمان الحفاظ على استدامة الفائض في المركز المالي الخارجي على المدى الطويل.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: