في لحظة تتسم بعدم اليقين العالمي والتغيرات الجذرية في موازين القوى، يطرح المستثمر والخبير الاقتصادي "راي داليو" سؤالًا مصيريًا: لماذا تنهض بعض الأمم لتتسيد العالم بينما تسقط أخرى؟ عبر كتابه "مبادئ التعامل مع النظام العالمي المتغير". وهو ليس مجرد تحليل اقتصادي، بل هو خريطة لفهم صعود وسقوط الإمبراطوريات، بناءً على دراسات تاريخية ومالية معمقة تمتد لخمسة قرون.
الدورة الكبرى
- يعرض "داليو" نموذجًا لحياة أي قوة عظمى، من "النظام الجديد" إلى "القمّة" ثم "الانحدار"، حيث تصعد الدول عندما تتوافر القيادة القوية، الابتكار، التعليم، الثقافة، وتوزيع الموارد بكفاءة، لكن مع الوصول إلى القمة، تبدأ أعراض التراجع بالظهور: انخفاض الإنتاجية، توسع الالتزامات العسكرية والمالية، وتزايد فجوة الثروة، حتى تتفاقم الأمور مع تراكم الديون، طباعة النقود، الصراعات الداخلية، ضعف القيادة، وربما الثورات أو الحروب، لتبدأ بعدها دورة جديدة بقيادة قوة أخرى.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
النمو العالمي
- يرصد الكتاب تطور الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ عام 1500، حيث ظل الاقتصاد العالمي شبه ثابت لعدة قرون، قبل أن يقفز النمو مع الثورة الصناعية تدريجيًا، إلا أن هذا التوسع تعرقل لاحقًا بسبب الحروب الكبرى، لكن بعد الحرب العالمية الثانية، استعادت الاقتصادات زخمها، خاصة مع ازدهار الولايات المتحدة ودخول الصين بقوة منذ إصلاحات الثمانينيات.
الذهب والعملات
- يقارن الكتاب عوائد الاستثمار بين الذهب والعملات الحكومية منذ عام 1850، ويكشف أن العملات الحكومية حققت أداءً جيدًا في الفترات المستقرة، لكنها تراجعت بشدة خلال فترات التضخم والحروب، فخلال الفترة من 1912 إلى وقتنا الحالي، كان أداء الذهب (1.6% سنويًا) أفضل من أذونات الخزانة الحكومية (0.1%).
عوائد الاستثمار الحقيقية في بعض الدول الكبرى منذ عام 1912 |
||||
الترتيب |
|
الدولة |
أذون الخزانة |
الذهب |
1 |
|
المملكة المتحدة |
%0.50 |
%1.10 |
2 |
|
الولايات المتحدة |
%0.80 |
%0.60 |
3 |
|
ألمانيا |
(%1.80) |
%2.10 |
4 |
|
فرنسا |
(%2.40) |
%1.70 |
5 |
|
إيطاليا |
(%2.50) |
%2.00 |
6 |
|
اليابان |
(%2.20) |
%1.20 |
7 |
|
سويسرا |
%0.30 |
%1.30 |
8 |
|
إسبانيا |
(%2.90) |
%1.80 |
9 |
|
هولندا |
(%0.60) |
%0.40 |
المتوسط |
(%0.10) |
%1.60 |
تقلبات الأصول
- يقدم الجدول الزمني لعوائد الأسهم والسندات والنقد (1900–2020) مشهدًا تفصيليًا للعوائد الحقيقية لعشر دول كبرى، وتكشف البيانات أن العقود المرتبطة بالحروب والأزمات شهدت عوائد سلبية حادة، لا سيما في ألمانيا واليابان خلال الأربعينيات، بينما حققت الولايات المتحدة فترات طويلة من العوائد المرتفعة، خاصة بعد عام 1980، ما يعكس دور الاستقرار والابتكار في دعم أداء الأصول المالية.
الثورات والصراعات
- لا تقتصر التغييرات الكبرى على الحروب فحسب، بل تشمل الاحتقانات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى تحولات جذرية في الأنظمة، مثل الثورة الفرنسية (1789)، الأمريكية (1775)، والروسية (1917)، والتي كانت كلها لحظات تاريخية أعادت تشكيل القوى العالمية وأنظمة الحكم، كما كان لها أثر مباشر على الأسواق والاقتصاد.
انتقال القوة
- يناقش "داليو" كيف انتقلت القوة العالمية من هولندا إلى بريطانيا، ثم إلى الولايات المتحدة، ويطرح احتمال انتقالها إلى الصين مستقبلًا، ويوضح أن المؤشرات الحالية تضع الولايات المتحدة في مرحلة "الانحدار"، بينما تملك الصين مقومات "الصعود"، خاصة في الابتكار والنمو الاقتصادي.
الكوابيس الاستثمارية
- يستعرض "داليو" أسوأ تجارب المستثمرين في التاريخ، عبر فترات خسر فيها المستثمرون أكثر من 40% من أصولهم خلال 20 عامًا، وتتصدر روسيا (1900–1918) والصين (1930–1950) القائمة بخسارة كاملة (-100%) بسبب الثورات وتغير الأنظمة.
أسوأ تجارب المستثمرين عبر التاريخ |
|
|||||
الترتيب |
الدولة |
الفترة |
أسوأ عائد تراكمي |
|
الأسباب والتفاصيل |
|
1 |
روسيا |
1900–1918 |
(%100) |
|
الثورة البلشفية، مصادرة الأصول، وانهيار الأسواق المالية.
|
|
2 |
الصين |
1930–1950 |
(%100) |
|
الحرب الأهلية، صعود الشيوعية، وتدمير الأسواق قبل إعادة فتحها في أواخر الأربعينات.
|
|
3 |
ألمانيا |
1903–1923 |
(%99) |
|
التضخم المفرط في جمهورية فايمار بعد الحرب العالمية الأولى، أدى إلى انهيار الأصول.
|
|
4 |
اليابان |
1928–1948 |
(%96) |
|
انهيار الأسواق بعد الحرب العالمية الثانية، وتدهور قيمة العملة بشكل حاد.
|
|
5 |
النمسا |
1903–1923 |
(%95) |
|
تضخم مفرط مشابه لألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، أدى إلى خسائر هائلة.
|
|
6 |
فرنسا |
1930–1950 |
(%93) |
|
الكساد الكبير، الاحتلال النازي، والتضخم بعد الحرب.
|
|
7 |
إيطاليا |
1928–1948 |
(%87) |
|
خسائر الحرب العالمية الثانية والانهيار الاقتصادي اللاحق.
|
|
8 |
إيطاليا |
1907–1927 |
(%82) |
|
ركود اقتصادي طويل، وتضخم شديد خلال فترة حكم موسوليني.
|
|
9 |
فرنسا |
1906–1926 |
(%75) |
|
حروب متعاقبة وتضخم خانق في بدايات القرن العشرين.
|
|
10 |
إيطاليا |
1960–1980 |
(%72) |
|
أزمات طاقة، تضخم مرتفع، وضعف في النمو الاقتصادي.
|
|
11 |
الهند |
1955–1975 |
(%67) |
|
اضطرابات سياسية بعد الاستقلال، وأزمات اقتصادية مزمنة.
|
|
12 |
إسبانيا |
1970–1990 |
(%59) |
|
انتقال ديمقراطي صعب، وتضخم مرتفع في السبعينيات.
|
|
13 |
ألمانيا |
1929–1949 |
(%50) |
|
دمار اقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.
|
|
14 |
فرنسا |
1961–1981 |
(%48) |
|
ضعف اقتصادي مزمن وتضخم مرتفع في الستينيات والسبعينيات.
|
|
15 |
بريطانيا |
1901–1921 |
(%46) |
|
الحرب العالمية الأولى، تلتها أزمة الكساد في 1920–1921.
|
ابن خلدون
- تساعد دراسة التاريخ المستثمر على توقع الأزمات الكبرى وتجنبها، لكن "داليو" قدم ما هو بديهي: تصعد الدول، تصبح قوية، تتورط في ديون، تواجه مشاكل داخلية وخارجية، ثم تنهار، ومعظم هذه الأمور معروفة للقارئ العام، بل وسبقه إليها "ابن خلدون" منذ قرون، والكتاب يضيف إليها إطارًا يستند إلى خبرة الكاتب المالية الطويلة.
المصادر: أرقام – أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت – منصة ميديام - منظمة يونيفرسيتي أوف ذا بور – منصّة سابستاك – كتاب "مبادئ للتعامل مع النظام العالمي المتغير" - آسيا بيزنس كاونسل - آليو كابيتال
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: