هي أصغر من حصد جائزة نوبل للاقتصاد وثاني امرأة تكتب التاريخ. أحدثت إسهاماتها تأثيرًا عميقًا في اقتصاديات التنمية من خلال إدخال التحليل التجريبي الدقيق والأساليب التجريبية في دراسة مكافحة الفقر وتصميم السياسات.
وسلّطت أبحاثها الضوء على استراتيجيات فاعلة لمعالجة الفقر وتحسين نتائج التنمية، مع التأكيد على أهمية اتباع مقاربات قائمة على الأدلة في صياغة السياسات الاقتصادية، وهي الاقتصادية الفرنسية-الأمريكية البارزة إستر دوفلو.
فيما يلي بعض الأفكار الاقتصادية الأساسية المرتبطة بها:
- التجارب العشوائية المُحكَمة (RCTs):
لعبت دوفلو دورًا محوريًا في الترويج لاستخدام التجارب العشوائية المُحكَمة في البحوث الاقتصادية. تقوم هذه المنهجية على توزيع الأفراد أو المجتمعات عشوائيًا على مجموعات تجريبية وضابطة لتقييم أثر تدخلات أو سياسات محددة. وتُتيح هذه الطريقة تحليلاً قائمًا على الأدلة لما ينجح وما يفشل في جهود الحد من الفقر.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- الاقتصاد السلوكي والتنمية:
جمعت دوفلو بين رؤى الاقتصاد السلوكي واقتصاديات التنمية لفهم كيفية تأثير العوامل النفسية والسلوكية على اتخاذ القرارات الاقتصادية ونتائج التنمية. يتناول عملها موضوعات مثل دور الأعراف الاجتماعية، وتأثير الأقران، والتحيزات الإدراكية في تشكيل السلوك الفردي والنتائج الاقتصادية في البيئات منخفضة الدخل.
- التدخلات في التعليم والصحة:
ركّزت أبحاث دوفلو على تحديد التدخلات الفعّالة لتحسين نتائج التعليم والصحة في الدول النامية. أجرت دراسات على أثر سياسات وبرامج مختلفة مثل الحوافز للمعلمين، وإصلاحات حوكمة المدارس، والتدخلات المبكرة في الطفولة، وأنظمة تقديم الرعاية الصحية. ويؤكد عملها على تصميم السياسات المبنية على الأدلة وأهمية استهداف التدخلات لتحقيق تأثيرات ملموسة.
- تمكين المرأة:
درست دوفلو دور النوع الاجتماعي في التنمية الاقتصادية وأهمية تمكين المرأة. وتُبرز أبحاثها الآثار الإيجابية لتمكين النساء من خلال تعزيز الوصول إلى التعليم، والإدماج المالي، وزيادة القدرة على اتخاذ القرارات داخل الأسر. وقد أظهرت العلاقة بين المساواة بين الجنسين والتنمية الاقتصادية، مؤكدة ضرورة معالجة الفجوات الجندرية في التدخلات والسياسات.
- فخاخ الفقر والحماية الاجتماعية:
بحثت دوفلو مفهوم "فخ الفقر"، أي الحالات التي يُحاصر فيها الأفراد أو المجتمعات في دائرة الفقر بسبب قيود مختلفة. وتتناول أبحاثها فاعلية برامج الحماية الاجتماعية مثل التحويلات النقدية وشبكات الأمان في كسر هذه الفخاخ وتعزيز الحراك الاقتصادي.
- تقييم السياسات وصنع القرار القائم على الأدلة:
يشدد عمل دوفلو على أهمية التقييم الصارم للسياسات والبرامج من أجل إرساء قرارات قائمة على الأدلة. وقد دافعت عن استخدام الأساليب العلمية لقياس أثر التدخلات، وأبرزت الحاجة إلى التعاون بين الباحثين وصنّاع القرار لتصميم وتنفيذ سياسات أكثر فاعلية.
وحصلت دوفل، وهي من مواليد 25 أكتوبر 1972، مع أبهيجيت بانيرجي ومايكل كريمر، على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2019، وذلك تقديرًا لمساهمتهم في تطوير منهج تجريبي مبتكر يهدف إلى التخفيف من حدة الفقر العالمي.
ركّز كل من دوفلو، وبانيرجي وكريمر – وغالبًا ما عملوا معًا – على مشكلات صغيرة ومحددة نسبيًا تسهم في استمرار الفقر، وسعوا للتوصل إلى أفضل الحلول لها من خلال تجارب ميدانية مُحكمة التصميم، أجروها في عدة دول منخفضة ومتوسطة الدخل على مدار أكثر من عقدين.
كما استكشفوا طرقًا لتعميم نتائج تجارب محددة على نطاقات أوسع من السكان، ومناطق جغرافية مختلفة، وهيئات تنفيذية متنوعة (مثل المنظمات غير الحكومية، والحكومات المحلية أو الوطنية)، فضلًا عن متغيرات أخرى.
قادت أبحاثهم الميدانية إلى توصيات ناجحة للسياسات العامة وأسهمت في تحويل مسار علم اقتصاديات التنمية، حيث أصبح نهجهم وأساليبهم معيارًا متبعًا في هذا المجال. وكانت دوفلو أصغر شخص، وثاني امرأة فقط، تفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد.
حصلت دوفلو على شهادات المايتريز (وهي تعادل تقريبًا درجة البكالوريوس الممتدة لأربع سنوات) في كلٍ من الاقتصاد والتاريخ من المدرسة العليا للأساتذة – École Normale Supérieure عام 1994، كما نالت درجة الماجستير في الاقتصاد من DELTA، وهو اتحاد لمراكز البحوث الاقتصادية الفرنسية التي اندمجت لاحقًا لتشكّل مدرسة باريس للاقتصاد (1995).
ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عام 1999 وأمضت تقريبًا كامل مسيرتها الأكاديمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجي ، حيث تم تعيينها عام 2005 أستاذةً.
في عام 2003، أسست دوفلو مع بانيرجي الذي كان عضوًا بهيئة التدريس في المعهد منذ 1993) وسنديل موليناثان (وكان وقتها اقتصاديًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مختبر عبداللطيف جميل للعمل ضد الفقر (J-PAL)، وهو مركز أبحاث يدعم صياغة السياسات المستندة إلى الأدلة العلمية للتقليل من حدة الفقر عالميًا.
طبّق كل من دوفلو، بانيرجي وكريمر منهجهم التجريبي في مجالات متعددة، منها: التعليم، والصحة والطب، والوصول إلى الائتمان، واعتماد التقنيات الجديدة.
وبالاستناد إلى نتائج التجارب الميدانية التي أجراها كريمر وزملاؤه منتصف التسعينيات –والتي أظهرت أن ضعف التحصيل الدراسي لدى تلاميذ المدارس في غرب كينيا لم يكن سببه نقص الكتب المدرسية أو حتى الجوع (إذ كان كثير من الطلاب يذهبون إلى المدرسة دون تناول الإفطار).
وقامت دوفلو وبانيرجي باختبار فرضية مفادها أن نتائج الاختبارات يمكن تحسينها عبر تطبيق برامج التدريس العلاجي والتعليم المعزز بالكمبيوتر لتلبية احتياجات الطلاب الأضعف.
وخلال تجربتهما مع أعداد كبيرة من الطلاب في مدينتين هنديتين على مدى عامين، توصلا إلى أن مثل هذه البرامج أحدثت آثارًا إيجابية كبيرة على المدى القصير والمتوسط، ما دفعهما للاستنتاج بأن أحد الأسباب الرئيسية لضعف التعلم في الدول منخفضة الدخل هو أن أساليب التدريس غير مكيّفة بما يلائم احتياجات الطلاب.
وفي أبحاث لاحقة في كينيا، توصلت دوفلو وكريمر إلى أن تقليص حجم الصفوف التي يدرّسها معلمون دائمون لم يحسّن بشكل ملحوظ نتائج التعلم، لكن وضع المعلمين على عقود قصيرة الأجل – يتم تجديدها فقط إذا حقق المعلم نتائج جيدة – كان له تأثيرات إيجابية.
وفي مجال الصحة والطب، اختبرت دوفلو وبانيرجي فرضية مفادها أن إدخال العيادات المتنقلة يمكن أن يرفع بشكل كبير معدلات تطعيم الأطفال (أي نسبة الأطفال الذين حصلوا على جميع التطعيمات اللازمة) في الهند، حيث كانت نسب تغطية اللقاحات متدنية بسبب معدلات الغياب المرتفعة للعاملين الصحيين وضعف جودة الخدمات في المراكز الصحية الثابتة، إلى جانب عوامل أخرى حالت دون لجوء الأسر الفقيرة إلى الطب الوقائي.
ووجد الباحثان أن معدلات التطعيم في القرى التي اختيرت عشوائيًا لاستقبال زيارات العيادات المتنقلة بلغت ثلاثة أضعاف معدلات القرى التي لم يتم اختيارها، وأن هذه المعدلات ارتفعت إلى أكثر من ستة أضعاف حينما كانت الأسر تتلقى كيسًا من العدس مع كل تطعيم.
وفي سلسلة من الدراسات بدأت عام 2000، تعاونت دوفلو، كريمر، والاقتصادي الأمريكي جوناثان روبنسون لإجراء تجارب ميدانية بحثت في سبب عزوف صغار المزارعين في إفريقيا جنوب الصحراء عن تبنّي تقنيات حديثة، وكان المزارعون الذين يركزون على الحاضر يؤجلون قرار شراء الأسمدة المدعومة حتى اقتراب الموعد النهائي، بل إن بعضهم كان يختار في النهاية عدم الشراء، مفضلًا مكسبًا بسيطًا وفوريًا في الحاضر على دخل أكبر في المستقبل.
ولاختبار هذه الفرضية، صمّمت دوفلو وكريمر وروبنسون تجارب ميدانية أظهرت أن المزارعين اشتروا أسمدة أكثر عندما عُرضت عليهم بخصم صغير ولفترة محدودة في بداية الموسم الزراعي (حين كانت لديهم سيولة مالية)، مقارنةً بما إذا عُرضت بخصم أكبر (يكفي لتغطية التكلفة المباشرة) ولكن من دون تحديد مهلة في وقت لاحق من الموسم.
وقد خلص الباحثون إلى نتيجة عملية بالغة الأهمية مفادها أن الدعم المؤقت للأسمدة يفوق الدعم الدائم في زيادة دخول صغار المزارعين.
لقد أثّر عمل دوفلو، بانيرجي وكريمر بشكل مباشر وغير مباشر في رسم السياسات الوطنية والدولية بطرق إيجابية. فعلى سبيل المثال، أدت دراسات بانيرجي ودوفلو حول التدريس العلاجي والتعليم المعزز بالكمبيوتر في الهند إلى إطلاق برامج واسعة النطاق أثرت على أكثر من خمسة ملايين تلميذ هندي.
وبحسب مختبر J-PAL، فإن البرامج التي نُفذت استنادًا إلى دراسات أجراها باحثون تابعون للمختبر – ومن بينهم كريمر – وصلت إلى أكثر من 400 مليون شخص.
كما ألهم النهج التجريبي لهؤلاء العلماء العديد من الهيئات العامة والخاصة إلى تبنّي تقييمات منهجية لبرامجها الهادفة إلى مكافحة الفقر، وأحيانًا بالاعتماد على تجارب ميدانية خاصة بها، وإلى وقف البرامج التي أثبتت عدم فاعليتها.
المصدر: بريتانيكا ماني
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: