قال أحد مستشاري البنك المركزي الصيني إن البلاد بحاجة إلى حزمة إنفاق أكثر جرأة لإصلاح الأوضاع المالية للأسر والشركات، حيث تخفي مؤشرات الصمود الظاهرة في الاقتصاد، الأضرار العميقة التي خلّفتها الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وأوضح هوانغ ييبينغ، العضو في لجنة السياسة النقدية لدى "بنك الشعب" الصيني، أن الصادرات القوية دعمت النمو الاقتصادي في الربع الثالث، إلا أن مؤشرات مثل التضخم والاستثمار الخاص والبطالة تعكس ضعف الثقة في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية.
وقال هوانغ في مقابلة على هامش "قمة بوند" في شنغهاي: "ما نحتاج إليه فعلاً هو أن تقوم الحكومة، بما في ذلك البنك المركزي، بخطوة كبيرة لإصلاح ميزانيات الأسر والشركات والحكومات المحلية وربما المؤسسات المالية أيضاً".
دعوة لتحفيز مالي واسع وإعادة بناء الثقة
يثير هذا التقييم شكوكاً حول قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على البقاء بمنأى عن تداعيات الحرب التجارية من دون جرعة أكبر من التحفيز.
وبدا أن كبار المسؤولين في بكين يدركون حجم التحديات التي تواجه الصين خلال اجتماع استمر أربعة أيام للجنة المركزية للحزب الشيوعي هذا الأسبوع. ورغم تركيز الاجتماع على رسم الخطط طويلة المدى، شدد البيان الختامي الصادر يوم الخميس على ضرورة استقرار التوظيف والشركات والأسواق والتوقعات.
ودعا هوانغ، وهو أيضاً أستاذ اقتصاد في جامعة بكين، إلى توسيع نطاق التيسير المالي بحيث تتمكن الحكومة المركزية من تزويد السلطات المحلية بأموال إضافية تنفقها وفقاً لأولوياتها.
سيمثل تخفيف القيود على الإنفاق تحولاً عن النهج التقليدي لبكين، إذ تُربط العديد من السندات الحكومية العامة بشروط صارمة مثل ضرورة تحقيق أرباح من المشاريع، ما يؤدي إلى تجميد الأموال المخصصة، ويقيّد الإنفاق على البنية التحتية والخدمات العامة.
نمو قوي لكن غير متوازن
أعلنت الصين عن تحقيق نمو اقتصادي قوي في الربع الماضي، ما يضعها على مسار بلوغ الهدف الرسمي البالغ نحو 5% هذا العام.
لكن النمو أصبح أكثر اختلالاً؛ إذ يتباطأ الاستهلاك مع انحسار أثر برامج الدعم الحكومية لتبديل السلع، في حين تتسارع الإنتاجية الصناعية بفضل قوة الصادرات.
وامتدّت الانكماشات السعرية في الاقتصاد إلى الربع العاشر على التوالي نتيجة ضعف الطلب المحلي واستمرار تراجع أسعار العقارات.
إصلاح سوق العقارات ورفع دخول الأسر
جدّد هوانغ دعوته للحكومة إلى تحقيق الاستقرار في سوق العقارات، التي كانت في السابق أحد أعمدة الاقتصاد، وتعدّ أساسية لاستعادة ثقة المستهلكين.
وقال إن زيادة دخول الأسر وتعزيز ثقتها يمثلان مفتاحاً لدعم الاستهلاك بطريقة أكثر استدامة، لأن الدعم الحكومي للمستهلكين لا يمكن أن يكون سوى إجراء مؤقت.
وفي ما يتعلق بالسياسة النقدية، بدا هوانغ أكثر حذراً، مؤكداً أن السياسة النقدية يمكن أن تلعب دوراً، لكنها لا تملك مجالاً كبيراً للتيسير القوي في المدى القصير.
وأضاف أن على الصين أن تُوجّه الحكومات المحلية بعيداً عن دورها التقليدي في تحفيز النمو الاقتصادي كما في الماضي، إذ تسعى بكين حالياً إلى كبح الدعم المحلي المفرط الذي أدى إلى فائض في الطاقة الإنتاجية في قطاعات مثل السيارات الكهربائية.
وأشار هوانغ إلى أن على المسؤولين المحليين أن يُقيَّموا وفق مؤشرات مثل مستويات التوظيف ودخول الأسر، وليس فقط وفق معدل النمو الاقتصادي.
وقال في ختام حديثه إن "انخراط الحكومات المحلية المباشر في الأنشطة الاقتصادية هو مرحلة انتقالية"، مضيفاً أن ما ينبغي أن تركز عليه مستقبلاً هو "الأنشطة الحكومية بالمعنى الضيق فقط".
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: