نبض أرقام
08:59 م
توقيت مكة المكرمة

2025/11/04

عصر التألق لصناديق الذهب .. واقع مستمر أم فقاعة مؤقتة؟

08:00 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في مطلع عام 2020، وبينما كانت الأسواق العالمية تهتزّ تحت وطأة جائحة كوفيد-19، اتخذ المستثمر الأميركي الشهير "راي داليو" مؤسس صندوق بريدج ووتر أسوشيتس، أكبر صندوق تحوّط في العالم قرارًا بزيادة مخصصات الذهب في محفظته الاستثمارية.

 

هذه الخطوة اعتبرها كثيرون مثيرة للجدل، إذ جاءت تلك الزيادة على حساب الأسهم والسندات، في وقت كانت فيه الأسواق تتراجع بسبب تفشي الجائحة، لكن "داليو" كان حينها يراهن على صعود قوي للمعدن الأصفر.


 

وعبر "داليو" عن هذا الاتجاه قائلًا جملته الشهيرة: "من لا يملك ذهبًا لا يعرف كيف يحمي نفسه من الغباء المالي"، كما أكد في العديد من المقابلات الإعلامية على أن الذهب أحد أهم أصول التحوّط من "غباء السياسات المالية والنقدية".

 

وبالفعل، ارتفع سعر الذهب من نحو 1500 دولار أمريكي للأوقية في يناير 2020 إلى أكثر من 2000 دولار في أغسطس 2020 (أي بزيادة قدرها 33%)، تزامنًا مع تصاعد المخاوف من الانهيار الاقتصادي.

 

كانت تلك اللحظة بمثابة العصر الذهبي للمعدن الأصفر، فبينما تهاوت الأسهم والسندات، سجل سعر المعدن الأصفر ارتفاعات ضخمة خلال أشهر، وبدأت صناديق الذهب المتداولة تستقبل مليارات الدولارات من المستثمرين الباحثين عن الأمان.

 

واليوم، بعد مرور عدة سنوات على تلك الموجة، ومع تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وعودة البنوك المركزية إلى سياسات التيسير النقدي، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب إقبالًا مرة أخرى.

 

هذا الإقبال أثار تساؤلًا جوهريًا: هل تعيش صناديق الذهب بالفعل أزهى عصورها أم أن بريقها قد يخفت في المستقبل القريب؟

 

وبحسب مجلس الذهب العالمي، ارتفعت حيازات صناديق الذهب العالمية في سبتمبر 2024 بمقدار 46 طنًا لتصل إلى 3226 طنًا، وهي أكبر زيادة شهرية منذ أكثر من عامين، مدفوعة بارتفاع الطلب المؤسسي وتزايد الرهانات على خفض أسعار الفائدة الأمريكية.

 

لماذا يعود المستثمرون إلى الذهب؟

 

منذ تفشّي جائحة كوفيد-19، مروراً بالحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، عاد الذهب ليتصدّر المشهد الاستثماري العالمي بوصفه ملاذًا آمنًا يحافظ على القيمة في أوقات الاضطراب.

 

وبينما تهاوت بعض أسواق الأسهم والسندات، ارتفع سعر المعدن الأصفر بقوة في 2025، إذ بلغ ذروته عند نحو 4378 دولارًا أمريكيًا للأوقية في أكتوبر، ما يجعل 2025 من أكثر الأعوام ازدهارًا للمعدن.

 

 

مكاسب صعود المعدن الأصفر لم تقتصر على المستثمرين الأفراد، بل تمكنت صناديق الذهب المتداولة من تسجيل تدفقات شهرية ضخمة بلغت نحو 26 مليار دولار أمريكي في سبتمبر 2025، ما جعل الربع الثالث من العام الأعلى على الإطلاق في تاريخ هذه الصناديق.

 

ولا يعود هذا الإقبال إلى المخاطر الجيوسياسية فقط، بل إلى عوامل هيكلية مثل التحوّط من التضخّم وضعف الدولار، وكذلك الطلب المتزايد من البنوك المركزية على الذهب كاحتياطي استراتيجي.

 

هكذا، لم يعد الذهب مجرد أداة وقائية مؤقتة، بل أصبح عنصرًا محوريًا في استراتيجية المستثمرين والدول على حدّ سواء.

 

أكبر خمس دول تملك احتياطيات لدى بنوكها المركزية (وفقًا لبيانات مجلس الذهب 2024)

الترتيب 

الدولة

احتياطات الذهب (طن متري)

1

الولايات المتحدة الأمريكية

8133

2

ألمانيا

3350

3

إيطاليا

2452

4

فرنسا

2437

5

الصين

2279

 

فمع ارتفاع أسعار المستهلك وتراجع قيمة العملة الخضراء من أعلى مستوياتها في 2022، اتجه المستثمرون إلى الذهب كدرع يحمي الثروة من تآكل القوة الشرائية.

 

وتُظهر بيانات مورنينج ستار أن المعدن الأصفر تفوق في الأداء على مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية خلال فترات التضخم المرتفع بين 2021 و2024، محققًا متوسط عائد سنوي يقارب 9% مقابل نحو 5% فقط لمؤشر أس آند بي 500.

 

ولم تقتصر العودة إلى الذهب على المستثمرين الأفراد والمؤسسات، بل امتدت لتشمل البنوك المركزية التي كثّفت مشترياتها بشكل غير مسبوق خلال العامين الماضيين.

 

فبحسب مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات البنوك المركزية أكثر من 1100 طن من الذهب في عام 2024، وهي ثاني أعلى كمية مسجلة في التاريخ الحديث بعد عام 2022.

 

وتقدمت الصين وتركيا والهند قائمة المشترين، في خطوة تعكس رغبة متزايدة لدى الاقتصادات الصاعدة في تنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار في عالم يزداد ضبابية وتقلبًا.

 

صناديق الذهب في مواجهة بدائل الاستثمار

 

في الوقت الذي شهدت فيه أسواق الأسهم العالمية تذبذبًا واضحًا خلال عامي 2024 و2025، ظل الذهب محافظًا على بريقه كملاذ استثماري آمن.

 

 

في الوقت الذي انخفض فيه مؤشر مورجان ستانلي للأسواق العالمية بنسبة تقارب 3.1% في النصف الأول من عام 2025 بسبب تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض، حققت صناديق الذهب المتداولة عائدًا إيجابيًا تجاوز 8% في الفترة نفسها.

 

هذا الأداء جعلها خيارًا مفضلًا للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار وسط اضطراب الأسواق.

 

في المقابل، فقدت السندات الحكومية جاذبيتها التقليدية نتيجة استمرار سياسات الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي ضغطت على قيمها السوقية.

 

أما على مستوى استراتيجيات إدارة الصناديق، فقد تطورت طبيعة الاستثمار في الذهب لتتجاوز مجرد تتبع سعر الأونصة.

 

فالصناديق المتداولة مثل آي شيرز جولد تراست وإس بي دي آر غولد شيرز استمرت في جذب التدفقات عبر تتبّع السعر الفوري، بينما سلكت الصناديق النشطة نهجًا مختلفًا بالاستثمار في شركات تعدين الذهب للاستفادة من أرباحها التشغيلية.

 

وقد سجّل صندوق فان إيك جولد ماينرز إي تي إف الذي يضم شركات مثل نيوماونت وباريك غولد، عائدًا سنويًا قدره 13.8% في عام 2024، مدعومًا بارتفاع أسعار الذهب وأسهم شركات التعدين، بحسب بيانات ريفينيتيف.

 

ولم يقتصر هذا الزخم على المؤسسات المالية، إذ كشفت بيانات بلاك روك أن عدد المستثمرين الأفراد الذين يمتلكون حصصًا في صناديق الذهب ارتفع بنسبة 22% في 2024 مقارنة بالعام السابق.

 

هذا التحول في سلوك المستثمرين الأفراد أسهم في زيادة عمق سوق صناديق الذهب، وجعلها فئة استثمارية رئيسية قائمة بذاتها، لا مجرد أداة مؤقتة للتحوط.

 

وفي وقت تراجعت فيه عدة أصول تقليدية بسبب ضبابية الاقتصاد، تسير صناديق الذهب في اتجاه صاعد مدفوع باستمرار الطلب على الأمان المالي، وتزايد عدم اليقين الجيوسياسي، وتنامي الذهب كأصل استراتيجي لدى البنوك المركزية والمستثمرين على حد سواء.

 

هل يستمر العصر الذهبي لصناديق الذهب؟

 

مع استمرار الذهب في جذب المستثمرين خلال عام 2025، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان هذا العصر الذهبي لصناديق الذهب سيستمر أم أنه مرحلة مؤقتة.

 

 

وللإجابة على تلك التساؤلات يجب الإشارة إلى أن أحد العوامل الرئيسة التي قد تدعم المعدن الأصفر وصناديقه الاستثمارية هو احتمالية مواصلة الفيدرالي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة.

 

وبعد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض معدلات الفائدة تدريجيًا هذا العام، ازداد اهتمام المستثمرين بالذهب، إذ تؤدي الفائدة المنخفضة عادةً إلى تقليص جاذبية الأصول المدرة للعائد، وتعزيز الطلب على الأصول الحقيقية مثل المعدن الأصفر.

 

وفي وقت يستمر العامل الجيوسياسي في لعب دور محوري في دعم الطلب على الذهب، تتواصل النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، وسط تصاعد للتوترات بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما يعزز تدفقات الاستثمار في صناديق الذهب خلال العام الحالي.

 

وتشير بيانات مجلس الذهب العالمي حتى نوفمبر 2025 إلى أن مشتريات البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد والمؤسسات لصناديق الذهب قد سجلت زيادة ملحوظة بنسبة تتجاوز 12% مقارنة بنفس الفترة من 2024.

 

ورغم هذا الزخم، تواجه صناديق الذهب تحديات أمام النمو المستقبلي، أولها المنافسة المتزايدة من الأصول الرقمية مثل البيتكوين، الذي يعتبره بعض المستثمرين الذهب الرقمي لما يتمتع به من خصائص حماية من التضخم والندرة المحدودة.

 

كما أن ارتفاع تكاليف إدارة الصناديق وتذبذب الأسعار قد يحدّ من معدل تدفقات المستثمرين الجدد، خصوصًا إذا استقرت أسواق الأسهم والسندات بشكل ملحوظ خلال الأشهر القادمة.

 

وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن صناديق الاستثمار في الذهب تعيش بالفعل مرحلة ذهبية، إلا أن استدامة هذا العصر الذهبي ستعتمد على مسار السياسة النقدية العالمية، وسرعة تعافي الاقتصاد، وقدرة المعدن على المنافسة أمام أصول جديدة تتنافس على لقب "الملاذ الآمن".

 

المصادر: أرقام- موقع مجلس الذهب العالمي- بلومبرج- مورنينج ستار- تقرير فان إيك السنوي- مورغان ستانلي- بلاك روك- رويترز- سي إن بي سي- ريفينيتيف

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.