ذكرت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» في تقرير حديث، أن القطاع المصرفي الكويتي يشهد تغيّرات هيكلية كبيرة مدعومة بتشريعات جديدة. بعد أن أقرّت الحكومة قانون الدين العام، والذي يسمح بإصدار أدوات دين تقليدية وإسلامية لتمويل العجز، مع تمكين البنوك من استثمار السيولة الفائضة في أصول سائلة عالية الجودة.
ويتوقع إقرار قانون التمويل العقاري قريباً، ما سيدعم نمو الائتمان الاستهلاكي وربحية البنوك، كما يُرجّح أن يشهد القطاع عمليات دمج إضافية تعزز الكفاءة والربحية مع تراجع المنافسة، وأن تظهر بنوك إسلامية أكبر مع اندماج المؤسسات القائمة.
وبالسؤال عن كيفية تأثير قانون الدَين العام على القطاع المصرفي، أجابت «موديز» أن القانون الذي دخل حيّز التنفيذ 27 مارس 2025، يوفّر إطاراً قانونياً لاقتراض الحكومة، بما يدعم النمو الاقتصادي والإدارة المالية تماشياً مع رؤية الكويت 2035.
وتتوقع الوكالة، أن يُحسّن القانون السيولة وربحية البنوك الكويتية؛ إذ تحتفظ عادةً بنحو ثلث أصولها سائلة، معظمها ودائع لدى بنك الكويت المركزي أو أدوات قصيرة الأجل أو أوراق مالية أجنبية. ومن شأن إصدار الحكومة لأدوات دين محلية (سندات وصكوك) أن يتيح للبنوك توظيف سيولتها الفائضة في أصول كويتية عالية الجودة بعوائد مجزية، ما يعزز الإدارة والسيولة والربحية.
ولفتت «موديز» إلى أن البنوك تحتفظ حالياً بنحو 8.5 مليار دينار في حسابات لدى «المركزي» بعائد منخفض، موضحة أن الاستثمار في السندات الحكومية سيُحسّن العائدات دون الإضرار بالسيولة، إذ يمكن تسييلها أو استخدامها كضمان في اتفاقيات إعادة الشراء مع «المركزي».
كما سيؤدي إصدار أدوات الدين بمختلف آجالها إلى بناء منحنى عائد للدين الكويتي، ما يوفّر معياراً لتسعير أدوات الدين الأخرى (الشركات، القروض، المشتقات)، ويزيد شفافية السوق ويحفّز مشاركة أوسع من الشركات والبنوك.
وسيمنح القانون الحكومة مرونة أكبر لتمويل المشاريع التحتية الكبرى، ما سيحفّز النشاط الاقتصادي ويزيد الطلب على القروض خصوصاً في قطاعات العقار والإنشاءات.
لماذا يُعدّ قانون التمويل العقاري مهماً للبنوك؟ وفقاً لـ «موديز» يهدف القانون إلى إصلاح نظام تمويل الإسكان عبر إدخال منتجات التمويل العقاري بدلاً من نظام الأقساط الحالي الذي يديره بنك الائتمان، وستكون البنوك المستفيد الأكبر من القانون، إذ سيسمح لها بتقديم قروض رهن عقاري للأفراد لأول مرة، ما يفتح فرصاً ضخمة للنمو في الإقراض الاستهلاكي بعوائد مناسبة للمخاطر، وتُقدّر الطلبات الإسكانية المعلّقة بنحو 100 ألف طلب من المواطنين، ما قد يفتح المجال لتمويل بمليارات الدنانير خلال السنوات المقبلة.
وأضافت الوكالة أن القانون مشابه لتجربة السعودية ضمن «رؤية 2030» التي سمحت للبنوك بتقديم الرهون للأفراد مع دعم حكومي محدود، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الإقراض العقاري، لكن النموذج الكويتي يختلف بأنه يوحّد الدعم والشروط لجميع المواطنين، مع بقاء بعض الغموض حول حقوق البنوك في حالات التعثّر أو الحجز على العقار.
ورغم توافر السيولة والملاءة لدى البنوك الكويتية، إلا أن منتجات الرهن العقاري طويلة الأجل حسب الوكالة قد تخلق فجوات آجال وسيولة، وتعرّض البنوك لمخاطر إعادة تسعير الفائدة. لذا سيتعين على البنوك إدارة هذه المخاطر بعناية، وتطوير أنظمة تشغيلية قوية للامتثال وحماية العملاء لتجنّب مخاطر السمعة وعقوبات الجهات الرقابية.
حاجة الدمج
وحول ما إذا كان هناك حاجة للدمج في القطاع المصرفي الكويتي، ترى «موديز» أن هناك حاجة بالفعل، نظراً إلى أن القطاع مكتظ بالبنوك مقارنة بعدد السكان البالغ نحو 5 ملايين، ثلثهم من المواطنين، مضيفة أنه يوجد نحو 20 بنكاً في الكويت (9 محلية و11 أجنبية)، ويستحوذ بنك الكويت الوطني وبيت التمويل الكويتي معاً على نحو 67 في المئة من إجمالي الأصول بنهاية 2024.
ويضغط هذا التركّز على البنوك الأصغر التي تكافح للحفاظ على حصتها السوقية. وفي رد فعل على ضعف نمو الائتمان في الكويت، تسعى بنوك عدة إلى التوسع الدولي أو الاستحواذ على أصول في الخارج، وخاصة في تركيا ومصر والبحرين.
وأشار التقرير إلى أنه بدأت موجة الدمج فعلياً 2022 مع استحواذ «بيت التمويل» على البنك الأهلي المتحد – البحرين ودمج فرعه الكويتي. وأخيراً، أعلن بنك الخليج وبنك وربة الذي يملك 32.75 في المئة من أسهمه، أنهما يدرسان الاندماج، وترى «موديز» أن الدمج خطوة إيجابية لأنها تعزز الكفاءة وتخفف ضغط المنافسة على الأسعار، خاصة في سوق محدود النمو. كما تتيح للبنوك الصغيرة فرص توسع غير عضوي وتحسين القيمة للمساهمين.
البنوك الإسلامية
وفي سياق آخر، لفت التقرير إلى أنه لطالما واجهت البنوك الإسلامية في الكويت خيارات محدودة للاستثمار المتوافق مع الشريعة لتوظيف فوائض السيولة لديها، ويُعد التزام الحكومة بإصدار الصكوك بشكلٍ أكثر انتظاماً تطوراً مهماً، إذ يوفّر مجموعة أوسع من الأصول السائلة عالية الجودة، ما سيُحسّن من احتياطات السيولة لدى البنوك الإسلامية ويُقلّل اعتمادها على ودائع «المركزي» ذات العوائد المنخفضة، وبالتالي يدعم هوامش الربح والربحية العامة.
وحتى ديسمبر 2024، شكّلت التمويلات الممنوحة للأفراد نحو 30 في المئة من إجمالي أصول البنوك الإسلامية، مقارنةً بـ26 في المئة لدى البنوك التقليدية.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: