في عام ازدحمت شاشات الأخبار بالحروب والعقوبات والضربات المتبادلة، جلس متداولو النفط يراقبون السوق بقلقٍ معتاد، لكن المفاجأة كانت في الجمود. لا قفزات تاريخية، ولا أسعار ثلاثية الأرقام، بل سوق يتلقى الصدمات ثم يمضي وكأن شيئًا لم يكن. هذا التناقض بين عالم سياسي أكثر خطورة وسوق نفط أكثر هدوءًا يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تغيّرت قواعد اللعبة، بعد عقود أثر فيها "البارود" على "البرميل"؟

مشهد مغاير
- واجهت أسواق النفط العالمية في عام 2025 أحداثاً وُصفت بـ "البجعة السوداء"، من حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل إلى ضربات أوكرانية على المصافي الروسية، ومع ذلك ظلت الأسواق هادئة بشكل غير مسبوق، ويرى الخبراء أن هذا الهدوء قد يمثل "الوضع الطبيعي الجديد" في ظل وفرة الإمدادات، حتى مع تحول العالم إلى مكان أكثر خطورة وتصاعد التوترات التجارية والدبلوماسية بعد عودة "دونالد ترامب" للبيت الأبيض.
هدوء مريب
- كانت اللحظة الفارقة في 12 يونيو، حين قصفت إسرائيل مواقع إيرانية حساسة، تبعتها واشنطن بعملية عسكرية استهدفت التحصينات النووية، حيث كان هذا هو السيناريو الكارثي الذي يخشاه تجار النفط نظرياً، في ظل توقعات بأن تقفز الأسعار إلى أرقام ثلاثية بمجرد التهديد بإغلاق مضيق هرمز، لكن الواقع صدم الجميع بهدوء مريب.
تبخُّر العلاوة
- رغم أن مؤشر التقلب قفز لأعلى مستوياته منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن خام "برنت" تصرّف برصانة غريبة؛ ارتفع من 69 دولاراً إلى ذروة 78.85 دولار فقط، ثم سرعان ما هوى لمستويات ما قبل الحرب بمجرد إعلان الهدنة، ما يعني تلاشي علاوة المخاطر التي كانت تمنح البرميل سعراً إضافياً لمجرد الخوف.
منافسة شرسة
- تتربع الولايات المتحدة على عرش الإنتاج العالمي بـ 13.84 مليون برميل يومياً، مدعومة بنمو هائل في حوض "بيرميان"، وينضم إليها جوقة من المنتجين خارج "أوبك" مثل البرازيل وغيانا وكندا والأرجنتين، ما يخلق وسادة أمان تمتص الصدمات الجيوسياسية.
عصر الوفرة
- مع وصول المخزونات العالمية إلى أعلى مستوياتها في أربع سنوات، باتت المخاطر الجيوسياسية تُهمل بشكل متزايد من قبل المشاركين في السوق، وبينما لا تزال الصراعات الإقليمية تشكل خطراً رئيسياً، فإن العوامل الأساسية الكامنة - والتي تتسم بضعف الطلب الصيني ونمو الإنتاج القوي من خارج أوبك - قد فصلت الأسعار عن عدم الاستقرار السياسي.
|
استجابة أسعار النفط للصدمات الجيوسياسية (2025) |
||||||
|
الحدث الجيوسياسي |
|
التوقيت |
|
رد فعل السوق (خام برنت) |
|
النتيجة والتعليق |
|
الصراع الإيراني الإسرائيلي |
|
12 - 24 يونيو |
|
قفزة مؤقتة إلى 78.85 دولار من 69 دولاراً. |
|
الأسعار عادت إلى مستويات ما قبل الحرب خلال 12 يومًا فقط، وتجاوزت 80 دولاراً في ذروتها خلال الأزمة، لكنها ظلت بعيدة عن المستويات الثلاثية.
|
|
عملية "مطرقة منتصف الليل" |
|
22 يونيو |
|
تذبذب محدود |
|
السوق لم يُسعّر الحدث كتهديد دائم للإمدادات رغم استهداف منشآت نووية.
|
|
ضربات أوكرانية للمصافي الروسية |
|
أبريل - ديسمبر |
|
استقرار مع ميل للانخفاض |
|
تراجع طاقة التكرير دفع روسيا لزيادة تصدير الخام غير المكرر، ما زاد المعروض العالمي.
|
|
حصار فنزويلا (إدارة ترامب) |
|
ديسمبر |
|
ارتفاع لحظي بنسبة 2% |
|
فشل السعر في الثبات فوق 57 دولاراً للخام الأمريكي بسبب "أساطيل الظل".
|
|
عقوبات "روسنفت" و"لوك أويل" |
|
أكتوبر |
|
ارتفاع قصير الأجل |
|
المتداولون استغلوا الارتفاع كفرصة للبيع.
|

طلقات فارغة
- أثبت عام 2025 أن العقوبات الاقتصادية فقدت الكثير من أنيابها، فرغم حصار "ترامب" للنفط الفنزويلي واستهداف ناقلاته، ورغم العقوبات الأمريكية على أباطرة النفط الروسي "روسنفت" و"لوك أويل"، استمر النفط في التدفق عبر "أساطيل الظل" والأسواق البديلة، حيث أدرك المستثمرون أن البراميل الخاضعة للعقوبات تجد دائماً طريقها للسوق بخصومات مغرية، ما يزيد من تخمة المعروض بدلاً من تقليصه.
دول الجنوب
- تُشكّل آليات التعاون في الأسواق الناشئة تحديًا متزايدًا لأنظمة تجارة الطاقة التقليدية التي يهيمن عليها الغرب، حيث يستمر التعاون في مجال الطاقة بين الهند وروسيا رغم حملات الضغط الدولية، وتُجسّد الاتفاقيات الاستراتيجية بين الصين والشرق الأوسط رغبة في الحفاظ على علاقات تجارية مُثمرة بغض النظر عن التوترات الجيوسياسية.

تقييم المخاطر
- تعتمد الأسواق حاليًا على أطر تقييم مخاطر أكثر دقة، تأخذ في اعتبارها مرونة العرض في مناطق الإنتاج المتنوعة، وقدرات الاحتياطيات الاستراتيجية لدى أكبر الدول المستهلكة، ومعدلات تبني الطاقة البديلة التي تؤثر على مسارات الطلب الطويلة، وعوامل الارتباط بين الأسواق المالية والأسواق النفطية.
التفاؤل الحذر
- رغم هذا الاستقرار الظاهر في الأسواق، يظل هناك احتمال لعودة التقلبات في المستقبل، خاصة إذا حدثت أزمة جيوسياسية حقيقية تؤثر على الإمدادات، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الأسواق قد تجاوزت مرحلة الرهبة من الأزمات السياسية، بل أصبحت أكثر قدرة على التكيف مع هذه الأحداث.
التوقعات المستقبلية
- من المحتمل أن تحل الجيوسياسية المتعلقة بالطاقة المتجددة في المستقبل، محل التوترات التقليدية المرتبطة بالنفط، كما ستكون سلاسل التوريد للمعادن الحيوية مثل الليثيوم والكوبالت، والطلب على الطاقة المتجددة، من العوامل التي ستحدد الاتجاهات المستقبلية في الأسواق العالمية.
المصادر: أرقام – وكالة الطاقة الدولية – إدارة معلومات الطاقة الأمريكية – جولدمان ساكس - جيه بي مورجان – آي إن جي – بلومبرج – رويترز – أويل برايس – ديسكفري ألرت
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: