نبض أرقام
09:29 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/08/23
2025/08/22

الإفصاح وسيلة استباقية وقائية لتفادي الغش والتضليل

2010/01/18 القبس ـ أحمد معرفي
يُعتبر الإفصاح مؤشراً دقيقاً وحساساً لسلامة الاقتصاد الوطني، كما أنه لا يمكن لأي سوق مالي أن ينمو ويزدهر إلا من خلال تنمية الثقة لدى المستثمرين بما يقدمه من بيانات ومعلومات ملائمة لقراراتهم، الأمر الذي يتطلب وجود إفصاح سواء محاسبي أو غير محاسبي لمعلومات لها أثر جوهري على قرارات المتعاملين وثقتهم في السوق. وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال قيام الجهات المعنية بمراقبة القوائم المالية للشركات المتعاملة في السوق ومراقبة وسائل الإعلام المختلفة والتدخل «الاستباقي» لمنع الغش ولتفادي إعطاء معلومات غير صحيحة ومضلله للمساهمين.


حالة استنفار

فمنذ حدوث الأزمة المالية والجهات التنظيمية في الأسواق العالمية والإقليمية في حالة استنفار، حيث قامت بكل ما من شأنه تعزيز مستوى الثقة والشفافية، بل تسابقت الشركات والبنوك حول العالم الى منبر الإفصاح لتبين لعملائها ومساهميها ومن يهمهم أمرها درجة انكشافها على تلك الأزمة. وهو عكس ما حدث لدينا تماماً! فأوضاع الشركات ومراكزها المالية «ظلام في ظلام»، إذ لا أحد يصرح. وإذا كان هناك تصريح فالقارئ أو المستمع للتصريح يستنتج هاتين الكلمتين «سهود ومهود»، أي أن الوضع مستقر ولا يوجد ما يدعو للقلق. وهذا التصرف من قبل الشركات متوقع ولا أود أن أخوض فيه، أما الأمر غير المفهوم هو انه وبعد مرورنا بهذه الأزمة الطاحنة والتكلفة الباهظة التي دفعها الجميع والتي كانت نتيجة لتدني مستوى الإفصاح والشفافية أن يبقى الوضع على ما هو عليه وتكون ردة فعل إدارة السوق تجاه ملف الإفصاح كأن الأمور لا تستدعي القلق أو أي تغيير.

إذ لا يزال هناك قصور وخلل في عملية الإفصاح، فلو نظرنا إلى الإفصاح المحاسبي على سبيل المثال نجد أن التفاصيل المهمة لا تزال غائبة عن المستثمرين فكما يقول الغربيون Evil is in the details - أي «الشيطان يكمن في التفاصيل». فهناك جوانب جوهرية وحساسة لا تغطيها تقارير مراقبي الحسابات في القوائم المالية، مثل تسليط الضوء على قدرة وكفاءة الأصول على مواجهة المطلوبات ودرجة المخاطر.


مسلسل التكتيم

هذا وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية هي أزمة ناتجة عن انهيار أسعار الأصول فإن مسلسل التكتيم والظلام لا يزال يمارس من قبل الشركات، إذ لا يزال هناك غموض حول ماهية الاستثمارات في بند الأصول وطبيعتها وتوزيعها وتركزها الجغرافي والأسعار التي قيّمت بها. فإن ذكر مثل هذه التفاصيل فيه حماية للمستثمر وإغلاق لباب التكهنات والإشاعات حول حجم الضرر وأي تلاعب تلجأ إليه الشركات في هذا الجانب. وبالتالي فإن التقارير بشكلها الحالي مصاغة بطريقة ترضي الزبون (الشركة) وتبرئ ذمة المراقب من أي مسؤولية، لتكون المحصلة النهائية تقارير مالية لا تحقق الغرض المطلوب منها.

ان القصور لا يتعلق فقط في جانب الافصاح المحاسبي بل حتى على مستوى متابعة القضايا الرئيسية، لنأخذ على سبيل المثال أزمة ديون دبي. فلولا قيام البنك المركزي بمتابعة القضايا المتعلقة بهذا القطاع وحث البنوك على الافصاح عن مدى انكشافها على مجموعة دبي العالمية لما كان لادارة السوق أي دور في حث البنوك على الافصاح. وكأن هذا القطاع لا يعنيها وهذه البنوك مدرجة في سوق جزر هنولولو المالي.

هذا وتأتي عملية الافصاح عن نسبة ملكية 5% مثالا واضحا لحالة الخمول التي تعاني منها ادارة السوق، حيث لا تزال ادارة السوق تنتظر من الشركات تزويدها بالتغيرات المتعلقة بنسب الملكية! كيف يحصل هذا الأمر في ظل وجود ما يسمى بسجل الحفظ المركزي. أما العذر بأن القانون ينص على أن تخطر الشركة ادارة السوق فهو صدر عندما كانت الشركات هي من يملك تلك السجلات وبالتالي فإن هذا العذر غير مقبول.

كما أن غياب التقارير اليومية المتعلقة بتداولات الأفراد والمؤسسات والأجانب على غرار ما هو موجود في الدول المجاورة أدى الى انتشار الاشاعات وتصديقها مثل دخول المؤسسات الى السوق أو عودة المستثمر الأجنبي وغيرها من الأكاذيب التي كانت تروج قبل وأثناء الأزمة وحتى يومنا هذا، الأمر الذي يؤدي الى تأجيج المضاربة واستغلالها في عمليات رفع الأسهم وتصريفها على صغار المتعاملين.


تدقيق الميزانيات

نحن لا نستغرب حدوث قصور وأخطاء في الجانب المتعلق بالافصاح المحاسبي كيف لا، فسوق الكويت للأوراق المالية مسؤول عن مراجعة القوائم المالية لكل من الشركات المدرجة ومكاتب الوساطة المالية، أي يقوم بمراجعة القوائم المالية لما يقارب 250 شركة في كل ربع سنة، أي ألف ميزانية في العام الواحد، وفي المقابل فان عدد الموظفين (الله يعطيهم العافية) الموكلة اليهم هذه المهمة لا يتجاوز 5 أشخاص! وبالتالي مهما عمل هؤلاء باخلاص وضمير لن يستطيعوا أن يقوموا بعملهم على أكمل وجه.

يجب أن تعلم ادارة السوق والجهات المسؤولة بأنه لا يكفي ابداء الاهتمام بعد حدوث المشكلة، بل يجب أن تكون هناك اجراءات وقائية لتجنب حدوث الأزمات، هذا ويعتبر الافصاح خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف فهو وسيلة لتوصيل الصورة الحقيقية لأوضاع تلك الشركات بشرط أن تتسم المعلومات بالوضوح والشمولية والدقة من حيث خلو المعلومات المعروضة سواء في القوائم المالية أو في الاعلانات من الغموض والالتباس بحيث تصف الأثر على المركز المالي للشركة، وأن تكون متاحة في الوقت المناسب.

وبالتالي فان ادارة السوق مطالبة بأن تقوم بدورها وأن تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب، فنحن لا نعاني من مشكلة قصور التشريعات المنظمة للافصاح فكل الصلاحيات موجودة، لكن المشكلة تكمن في أننا بحاجة لتفعيل تلك التشريعات بحيث تحقق النتيجة المرجوة منها.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.