نبض أرقام
10:01 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/18
2025/10/17

صفر هجرة .. أخطر سياسة اقتصادية في تاريخ أمريكا الحديث

08:56 ص (بتوقيت مكة) أرقام

منذ خمسينيات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة تستقبل كل عام عددًا من المهاجرين يفوق عدد المغادرين.

 

بيد أن عام 2025 قد يشكّل نقطة تحوّل تاريخية، إذ تشير التقديرات إلى أن صافي الهجرة قد يهبط إلى الصفر أو يتحول إلى رقم سلبي.

 

بعد أن تجاوز عدد المهاجرين 2.5 مليون سنويًا في نهاية ولاية جو بايدن، تسعى إدارة دونالد ترامب إلى ما تسميه “أمريكا بلا هجرة”، وهي سياسة قد تكون الأخطر اقتصاديًا من بين جميع سياساته المثيرة للجدل.

 

بينما رفع ترامب الرسوم الجمركية إلى مستويات ثلاثينيات القرن الماضي وهاجم الاحتياطي الفيدرالي، يستهدف إغلاق أبواب الهجرة أحد أعمدة القوة الأمريكية: تدفق العقول والعمالة.

 

يأتي ذلك في وقت تتسارع فيه شيخوخة السكان المحليين وينخفض نمو القوى العاملة.

 

 

سياسة غير مسبوقة

 

تنفذ الإدارة الحالية سياستها بصرامة غير مسبوقة. الحدود مع المكسيك أُغلقت فعليًا، ولم يُسمح إلا لقلة قليلة من المهاجرين بالعبور، فيما تراجعت طلبات اللجوء إلى أدنى مستوياتها منذ عقود.

 

 كما شُددت حملات الترحيل عبر وكالة الهجرة والجمارك (ICE)، حتى أصبح العديد من العمال يتغيبون عن وظائفهم خوفًا من المداهمات.

 

لم تتوقف الإجراءات عند المهاجرين غير النظاميين، إذ أعلنت الإدارة فرض رسم قدره 100 ألف دولار على تأشيرة  H1-B، وهي التأشيرة الرئيسية لجذب الكفاءات العالية.

 

هذا القرار يهدد تدفق المهندسين والباحثين، ويخيف الطلاب الدوليين الذين يشكلون ركيزة الابتكار العلمي في الجامعات الأمريكية.

 

تباطؤ اقتصادي وتكاليف مرتفعة

 

تشير التقديرات إلى أن تقليص الهجرة سيؤدي إلى انكماش حجم الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل، إذ سيصبح سداد الديون وتمويل الجيش أكثر صعوبة.

 

كما أن الإنتاجية، التي تمثل جوهر ازدهار الاقتصاد، ستتراجع بفعل نقص العمالة وتراجع الابتكار.

 

الآثار قصيرة المدى بدأت بالفعل في الظهور. فمع انخفاض عدد المهاجرين، تجد قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء والخدمات صعوبة في التوظيف، ما يرفع التكاليف ويخفض الإنتاج.

 

في سان دييغو مثلًا، وهي المدينة الأمريكية الأكثر ارتباطًا بالمكسيك، تحذر الشركات من “صدمة قادمة” في سوق العمل.

 

وتشير دراسات سابقة إلى أن حملات الترحيل المحدودة بين 2008 و2013 أدت إلى ارتفاع أسعار المنازل بنسبة 20% بسبب نقص عمال البناء.

 

وإذا استمر الإغلاق الكامل للحدود، فإن الأثر سيكون أوسع وأكثر حدة.

 

ارتباك السياسات النقدية

 

في السنوات الماضية، ساعدت موجة الهجرة في تلبية الطلب القوي بعد الجائحة وساهمت في “الهبوط السلس” للاقتصاد الأمريكي، حيث تراجعت معدلات التضخم دون حدوث ركود.

 

بيد أن وقف الهجرة الآن قد يعكس المعادلة، ويرفع الأسعار مجددًا، ما يجبر الاحتياطي الفيدرالي على الإبقاء على سياسات نقدية متشددة لفترة أطول.

 

كما أن الانخفاض الحاد في عدد السكان الجدد يعقد مهمة واضعي السياسات، إذ أصبحت البيانات الاقتصادية مشوشة.

 

على سبيل المثال، هبطت معدلات خلق الوظائف من أكثر من 100 ألف وظيفة شهريًا إلى نحو 30 ألف فقط، لكن من الصعب تفسير هذه الأرقام: هل تعكس تباطؤًا اقتصاديًا فعليًا، أم مجرد انخفاض في عدد السكان العاملين؟ أي خطأ في قراءة هذه المؤشرات قد يؤدي إلى قرارات خاطئة ومكلفة.

 

 

خسارة العقول والإبداع

 

أخطر ما في “أمريكا بلا هجرة” هو تأثيرها البطيء والعميق على الإنتاجية. فالمهاجرون لا يوسعون حجم القوة العاملة فحسب، بل يرفعون كفاءتها.

 

تشير دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن زيادة نسبة المهاجرين بنسبة 1% في الدول المتقدمة ترفع مساهمة الفرد في الناتج المحلي بنحو 2%.

 

أما منع الكفاءات العالية من الدخول، فضرره مضاعف. يشكل المهاجرون ذوو المهارات العالية 5% فقط من القوى العاملة الأمريكية لكنهم يحصلون على 10% من إجمالي الدخل، ويساهمون بنحو ثلث الابتكار الأمريكي وفقًا لبحوث جامعة هارفارد.

 

سيقلص فرض رسوم ضخمة على تأشيرات H1-B هذا المسار بنسبة 30%، بحسب تقديرات بنك باركليز، ما سيحرم الجامعات ومراكز الأبحاث من العلماء الشباب الذين يقودون الابتكار.

 

كما تخطط الإدارة لتقليص “برنامج التدريب العملي” للطلاب الأجانب، وهو ما سيجعل العديد من العقول الواعدة تفضل الدراسة والعمل في دول أخرى.

 

أزمة مالية سكانية

 

تأتي هذه السياسة في وقت حرج؛ فبدون مهاجرين جدد، ستتراجع أعداد الأمريكيين في سن العمل.

 

ومع ارتفاع الإنفاق العام نتيجة الشيخوخة، كانت موجة الهجرة في عهد بايدن ستقلص العجز الفيدرالي بنحو 90 مليار دولار سنويًا خلال العقد المقبل، بحسب مكتب الميزانية في الكونغرس.

 

يدفع المهاجرون ضرائب أكثر مما يكلفون الدولة، ويزيدون إنتاجية العاملين المحليين، أما غيابهم فسيعني عجزًا أعمق ونموًا أبطأ.

 

الرأي العام والعواقب

 

المفارقة أن 79% من الأمريكيين اليوم يرون الهجرة أمرًا إيجابيًا، وهي أعلى نسبة منذ بدء تسجيل الآراء في هذا الملف.

 

بيد أن التجربة تشير إلى أنه حتى السياسات غير الشعبية، مثل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب سابقًا، يصعب التراجع عنها لاحقًا.

 

وربما، حتى إن أعادت إدارة لاحقة فتح الأبواب بعد ثلاث سنوات، سيكون الضرر قد وقع بالفعل.

 

ومن ثم، قد لا تكون “أمريكا بلا مهاجرين” أكثر أمانًا أو اكتفاءً، بل أكثر انغلاقًا وفقراً وأقل قدرة على الابتكار.

 

المصدر: ذي إيكونوميست

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.