نبض أرقام
07:47 م
توقيت مكة المكرمة

2025/07/16
2025/07/15

تاريخ الجنيه الإسترليني يقدم درسًا حول كيفية انهيار مكانة العملات

2015/10/19 أرقام

ذكر تقرير نشرته "الإيكونومست" أن هناك خلافا حول التاريخ الذي شهد تنازل بريطانيا عن عرش القوة في العالم،  حيث يشير البعض إلى أنه جاء مع نهاية الحرب العالمية الأولى، بينما يرى آخرون أنه تم بنهاية الحرب العالمية الثانية، في حين يؤكد الجميع أن الهيمنة الأمريكية على العالم أصبحت واضحة خلال أزمة قناة السويس في عام 1956.
 



وأشار التقرير إلى أن أهم مؤشر على تراجع القوة البريطانية مر دون ملاحظة من قبل المعاصرين آنذاك، وهو احتلال الدولار الأمريكي لمكانة الجنيه الإسترليني كعملة الاحتياط الرئيسية في العالم.

 

وظهرت المخاوف بشكل متواصل خلال العقود الماضية بشأن تكرار نفس المصير للولايات المتحدة والدولار على يد الصين واليوان، بسبب النمو الاقتصادي القوي للصين، والذي أصبح في العام الماضي أكبر اقتصاد عالمي من حيث القوى الشرائية، وجهود بكين لدعم العملة لتصبح إحدى عملات الاحتياط في صندوق النقد الدولي.
 

واتجه المؤرخون الاقتصاديون إلى إعادة النظر في كيفية سقوط الجنيه الإسترليني من عرش عملات العالم، في إطار البحث عن أدلة حول الصراع الوشيك بين الدولار واليوان في الوقت الحالي.
 

وتناولت الأبحاث 3 قطاعات واسعة تشمل كيفية بلوغ عملة لمكانة احتياطية بين عملات العالم، وما إذا كان من الممكن وجود نظام عالمي على أساس عملتين رئيسيتين، وكيفية تأثير السياسة النقدية الضعيفة على تراجع العملة.
 

كيف احتل الجنيه الإسترليني عرش العملات؟
 

وسيطر الجنيه الإسترليني على النظام المالي العالمي في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت 60% من التجارة، و90% من الديون العامة يتم طرحها حول العالم بالإسترليني.
 

وكان ازدهار الإسترليني قائما جزئيًا بسبب النفوذ الاقتصادي الهائل للبلاد، حيث توسعت الإمبراطورية البريطانية في أوجها لتشمل ربع سكان العالم تقريبًا.
 

إلا أن سلسلة من الأبحاث التي قام بها "باري أيكلنرين" من جامعة "كاليفورنيا"، وبعض زملائه قد أشارت إلى أن الهيمنة السياسية والنفوذ الاقتصادي الهائل ليس شرطًا كافيًا للهيمنة المالية أيضًا.
 

وأشارت الأبحاث إلى أن الاقتصاد الأمريكي تجاوز نظيره البريطاني من حيث الحجم في عام 1880، ومع ذلك لم يستخدم الدولار في الخارج إلا نادرًا حتى بعد الحرب العالمية الأولى.
 

ويرى "أيكنغرين" أن "الحجم والاستقرار والسيولة" للأسواق المالية هي أهم عوامل الوضع الاحتياطي للعملة، حيث كان الإسترليني يمثل "متجرا موثوق القيمة" مع إمكانية تحويله بحرية إلى ذهب بحلول عشرينيات القرن التاسع عشر.
 

كما وفر الجنيه الإسترليني إمكانية لدخول التجار والأعمال إلى لندن، التي كانت آنذاك تعتبر أكبر مركز مالي وأكثرهم استقرارًا في العالم.
 

ويقول "تشارلز كيندلبيرجر" المؤرخ الاقتصادي إلى أن مكانة الجنيه الإسترليني قد تعززت في العالم أجمع من خلال التعاون الدولي بقيادة بريطانيا، والذي تضمن التعامل مع الفائض والعجز في الحساب الجاري، والتنسيق في السياسة النقدية مع المصارف المركزية في أوروبا، وتبادل القروض.
 

ولم يبدأ الدولار في الحلول مكان الجنيه الإسترليني سوى بعد إنشاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 1913، ما ساعد في جعل الأسواق المالية الأمريكية أكثر سيولة واستقرارًا.
 

وبعد فترة وجيزة انهار التعاون الدولي الذي دعم مكانة الإسترليني، بسبب الصراع بشأن التعويضات والقروض في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
 

وأشار التقرير إلى أن هذه المؤشرات تطمئن المدافعين عن الدولار، حيث إن الأسواق المالية الأمريكية لا تزال أكبر من غيرها على نطاق واسع، كما أنها أكثر سيولة وأفضل تنظميًا من الصين، رغم الأزمة المالية.
 

وبالرغم من قيام الحكومة الصينية بنشاط واضح لترويج وتعزيز تنمية الأسواق المالية، مثلما فعلت الولايات المتحدة منذ قرن مضى، فإن التقدم في هذا الشأن كان متقطعًا.
 

ولا يزال اليوان الصيني عملة غير قابلة للتحويل بشكل كامل، كما أن السلطات تتدخل في الأسواق المالية، وأصبحت الأسهم الصينية مرادفًا لعدم الاستقرار.
 

التعايش المحتمل
 

وعلى جانب آخر، تشير أبحاث " أيكنغرين" أيضًا إلى أن اثنتين من العملات الاحتياطية يمكنهما التعايش معًا لفترة طويلة، فرغم بدء ارتفاع مكانة الدولار في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ظل الإسترليني عملة احتياطية كبيرة وموازية له طوال فترة ما بين الحربين العالميتين.
 


 

وشدد التقرير إلى أن الطريق إلى المكانة الأبرز للعملات لا يعتبر طريقا ذا اتجاه واحد، حيث إن الإسترليني استعاد بعض مكانته عندما شهدت الولايات المتحدة سلسلة من الأزمات المصرفية في بداية ثلاثينيات القرن الماضي.
 

وكان الاقتصاديون يميلون إلى افتراض وجود مكاسب كبيرة من استخدام عملة احتياط واحدة، تظهر في شكل انخفاض تكاليف المعاملات في التجارة الدولية والاستثمار، وهو ما ينبغي أن يؤدي بدوره إلى نقل سريع للمكانة في أوقات التحول من عملة احتياطية إلى أخرى.
 

في حين يرى "أيكنغرين" أن البنوك المركزية والمستثمرين سوف يواصلون الاحتفاظ بجزء من احتياطات العملة المتراجعة طالما لا تزال تشهد مستوى سيولة كافيا، حيث إن التنوع يجلب منافع أكبر تتمثل في مساعدة الحد من الخسائر الرأسمالية في حالات تقلبات العملة.
 

أثر السياسة المالية
 

وبالرغم من ذلك، فإن السياسات المضللة خلال فترات التداخل قد تعجل بسقوط عملة الاحتياط، ففي فترة ما بين الحربين العالميتين قامت بريطانيا بخطوات متباينة لتعكس مكانة لندن كمركز مالي، شملت تحديد سعر صرف الإسترليني مقابل الذهب بمعدل أضر بتنافسية صادرتها، بالإضافة إلى فرض تعريفات حمائية.
 


 

وعلى المدى الطويل، أسفرت هذه التدابير البريطانية عن نتائج عكسية، عن طريق كبح جماح النمو الاقتصادي في البلاد، وخفض مكانة الجنيه الإسترليني.
 

كما أدى خفض قيمة الجنيه الإسترليني، وتبادل الضوابط بعد الحرب العالمية الثانية إلى تضرر سمعة ومصداقية واستقرار العملة والأسواق البريطانية.
 

ويعتقد التقرير أن الكونجرس الأمريكي قد يقاوم إغراءات إقامة عقبات أمام التجارة، رغم تأييد متحمس من جانب بعض السياسيين أصحاب الشعبية في اليسار واليمين، إلا أنه من الممكن أن تقوم أمريكا بخفض مكانة الدولار من خلال رفضها التعاون مع الاقتصادات الكبرى حول العالم.
 

وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلافًا حول إصلاح صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، كما قاومت الأولى مبادرات صينية مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية.
 

وأوضح التقرير أن انهيار التعاون المالي العالمي نتيجة الحرب العالمي الأولى أدى لفوضى وعدم استقرار في سنوات ما بين الحربين، في حين تم إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية لضمان عدم تكرار هذا الخطأ.
 

وتبرز الدروس التاريخية للولايات المتحدة في أن الدولار لن يتراجع عن مكانته القيادية العالمية قريبًا، وأن عملتين يمكنهما التواجد سويًا كعملة احتياط رئيسية، بالإضافة إلى أن العزلة هي أسرع طريقة لزوال مكانة العملة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.