نبض أرقام
10:51 م
توقيت مكة المكرمة

2025/10/28

توزيعات الأرباح النقدية أم إعادة شراء الأسهم .. أيهما أفضل للمساهمين؟

08:01 ص (بتوقيت مكة) أرقام - خاص

في ربيع عام 2023، وجد مساهمو شركة أبل أنفسهم أمام مفارقة مالية مثيرة بعد أن أعلنت الشركة التي تمتلك واحداً من أضخم الاحتياطيات النقدية في العالم، تجاوز 165 مليار دولار، عن إعادة شراء أسهم بقيمة 90 مليار دولار.

 

 

في حين أبقت الشركة على توزيعات أرباحها النقدية عند 0.24 دولار للسهم الواحد فقط، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين المستثمرين، إذ رأى فريق أن ضخ هذا الحجم من السيولة في إعادة الشراء سيُعزّز سعر السهم ويرفع ربحية السهم على المدى الطويل.

 

على الجانب الآخر تساءل مستثمرون عن جدوى تجاهل توزيع أرباح نقدية أكبر في ظل التدفقات النقدية الضخمة التي تحققها الشركة.

 

وبينما حقق سهم أبل ارتفاعًا بنحو 45% خلال 2023 مدعومًا ببرنامج إعادة الشراء، شعر بعض المساهمين القدامى خصوصًا الصناديق التقاعدية التي تفضّل الدخل الثابت، بأن العائد النقدي المباشر أصبح أقل مما كان ينبغي.

 

ولم تكن هذه المفارقة حكرًا على مساهمي "أبل"، إذ وجد مساهمو شركات كبرى أخرى مثل "ميتا" و"ألفابيت" و"مايكروسوفت" أنفسهم أمام المعضلة ذاتها، بعدما وجّهت تلك الشركات مئات المليارات نحو إعادة شراء الأسهم مقابل توزيعات نقدية محدودة.

 

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت سياسات الشركات الخاصة بتوزيع العائد على المساهمين محطّ اهتمام متزايد من المستثمرين حيث أدى تدفق السيولة في الأسواق العالمية وتحقيق الشركات مستويات قياسية من التدفقات النقدية الحرة، لمواجهة خيارات متعددة.

 

وتواجه الشركات تحديًا استراتيجيًا بين توزيع أرباح نقدية مباشرة على المساهمين أم توجيه الأموال إلى إعادة شراء الأسهم.

 

عائد مضمون أم رهان محفوف بالمخاطر؟

 

في عام 2024، أعادت شركات مؤشر إس آند بي 500 للمساهمين نحو 1.6 تريليون دولار أمريكي من خلال توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم منها 942.5 مليار دولار إعادة شراء (وهو رقم تاريخي لم يسجل من قبل)، و629.6 مليار دولار كأرباح نقدية.

 

وتبقى توزيعات الأرباح النقدية الخيار الأكثر وضوحًا وبساطة للمساهمين، إذ تمنحهم تدفقًا نقديًا مباشرًا ومتوقعًا، هذا العائد المضمون يمثل مصدر طمأنينة للمستثمرين الباحثين عن دخل ثابت مثل صناديق التقاعد والمستثمرين المحافظين.

 

 

لكن هذا العائد يأتي على حساب المرونة، فالشركات التي تعتمد على توزيع أرباح ثابتة غالبًا ما تجد نفسها مضطرة للحفاظ على نفس الوتيرة حتى في فترات ضعف الأرباح أو شحّ السيولة، لأن أي خفض في التوزيعات يُفسَّر سلبيًا في السوق ويُنظر إليه كإشارة تراجع للأداء.

 

في المقابل، فإن إعادة شراء الأسهم تمثل رهانًا على المستقبل، لا سيما عندما ترى الإدارة أن سعر السهم في السوق أقل من قيمته الحقيقية، إذ إن تقليص عدد الأسهم القائمة يعزز تلقائيًا ربحية السهم، ما يدعم سعر السهم في السوق ويُحسّن مؤشرات الأداء.

 

مقارنة بين إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح

البند

توزيعات الأرباح

إعادة شراء الأسهم

المرونة

منخفضة وفي حال عدم الالتزام بها تعطي إشارة سلبية للسوق

عالية ويمكن تعديلها أو إيقافها حسب وضع السيولة

تأثيرها على ربحية السهم

لا تؤثر مباشرة على عدد الأسهم

تقلل عدد الأسهم القائمة فترفع ربحية السهم

رد فعل السوق

إيجابي عند الاستقرار وسلبي عند الخفض

عادة إيجابي في حال كانت الشركة ذات تدفقات نقدية قوية

الأثر الضريبي للمستثمر

خاضعة للضرائب في أغلب الأنظمة

معفاة في بعض الدول

المخاطر المحتملة

قد تقلل من قدرة الشركة على تمويل النمو

قد تُستخدم لتجميل الأداء المالي مؤقتًا

 

كما أن بعض البلدان تمنح عملية إعادة الشراء ميزة إضافية للمساهمين تتعلق بالجانب الضريبي، الذي يشكّل عاملاً مؤثرًا في تفضيلات المستثمرين.

 

ففي الولايات المتحدة، تُعامَل الأرباح النقدية كدخل خاضع للضريبة في سنة التوزيع، بينما تُفرض الضرائب على مكاسب رأس المال الناتجة عن إعادة الشراء فقط عند بيع الأسهم.

 

ووفقًا لتقديرات اللجنة المشتركة للضرائب الأمريكية، فإن الميزة الضريبية لا تزال تميل لصالح إعادة الشراء بفارق يتراوح بين 5 إلى 8% مقارنةً بالأرباح النقدية.

 

وهذا يعني أن المستثمرين الكبار مثل صناديق التحوط والمؤسسات الاستثمارية، يميلون أكثر إلى تفضيل إعادة الشراء بسبب الكفاءة الضريبية وإمكانية التحكم في توقيت تحقيق الأرباح.

 

أما المستثمر الفردي، الذي يعتمد على العائد المنتظم، فيظل يرى في التوزيعات النقدية وسيلة مضمونة للدخل الدوري.

 

أي الخيارين يخدم أداء الشركة؟

 

تمنح إعادة شراء الأسهم الإدارة هامش حركة يجمع بين الانضباط والتكيّف؛ فهي تتيح تحديد توقيت المشتريات، وضخّ المبالغ عند توفر الفوائض، وإيقاف البرنامج مؤقتاً إذا ضعفت التدفقات أو واجهت الشركة التزامات مالية ملحة.

 

 

في المقابل، توزيعات الأرباح غالبًا ما تتحول إلى التزامٍ دائم يصعب خفضه دون أن يُساء تفسير ذلك في السوق كإشارة ضعف أو تهاون في الأداء، ما يجبر بعض الشركات على التمسّك بالتوزيعات رغم ضغوط سيولة محتملة.

 

فعلى سبيل المثال واجهت شركة إيه تي آند تي صعوبات بعد التزامها بتوزيعات أرباح مرتفعة رغم انخفاض أرباحها، ما اضطرها إلى خفض التوزيعات في عام 2022، وهو قرار فسّره المستثمرون بإنه إشارة على مواجهتها لضغوط مالية، وأدى إلى تراجع سهمها مؤقتًا.

 

كما تُظهر بيانات مؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشونال للشركات الأمريكية أن الشركات التي تعتمد برامج إعادة شراء منتظمة ومنضبطة، مثل مايكروسوفت وإكسون موبيل، سجّلت أداءً يفوق نظيراتها التي تكتفي بتوزيعات نقدية مرتفعة دون إعادة شراء.

 

وفي الربع الرابع من عام 2024، بلغت قيمة عمليات إعادة الشراء في مؤشر إس آند بي 500 نحو 243 مليار دولار أمريكي، مقابل نحو 168 مليار دولار لتوزيعات الأرباح.

 

هذا التفاوت يعكس ميل العديد من الشركات الكبرى إلى تفضيل إعادة الشراء كوسيلة أكثر مرونة لرفع قيمة المساهمين، خاصة في فترات السيولة المرتفعة وانخفاض الفرص الاستثمارية.

 

ويعني هذا أنه إذا كانت التدفقات النقدية للشركة قوية وفرص النمو محدودة، فإن إعادة الشراء قد تُعدّ الخيار الأمثل لرفع قيمة السهم، وتقليل التخفيف، وتحسين مؤشرات الربحية.

 

أما في الحالات التي تتطلب فيها الشركة تمويل مشاريع جديدة أو تغطية ديون أو استثمارات توسعية، فإن التوزيعات النقدية قد تتحول إلى عبء على مرونة الأداء إذا استُخدمت دون توازن مدروس.

 

هل يفضل السوق التوزيعات أم إعادة الشراء؟

 

عندما تعلن الشركة رفع توزيعات أرباحها، تُفسَّر هذه الخطوة في أوساط المستثمرين كإشارة واضحة على صحة القوائم المالية وقوة التدفقات النقدية وثقة الإدارة في استمرارية الربحية.

 

 

في حين تعكس برامج إعادة الشراء ثقة الإدارة بسعر السهم في السوق، وفي بعض الحالات الأقل إيجابية، ينظر إليه كطريقة لرفع ربحية السهم بصورة اصطناعية لزيادة العوائد التي تُحسب للمسؤولين التنفيذيين.

 

غير أن إشارات السوق لا تكون دائمًا إيجابية على إطلاقها، فحين تختار الشركة توجيه مواردها نحو برامج إعادة الشراء بدل استثمارها في البحث والتطوير أو التوسع، قد يُفسَّر ذلك كمؤشّر على تفضيل الإدارة للعوائد السريعة على حساب النمو المستدام طويل الأجل.

 

على النقيض، تجبر التوزيعات النقدية الإدارة على الالتزام المالي والانضباط؛ فعندما تعد بتوزيع معين، يصعب تقليصه دون أن يُفهم ذلك على أنه ضعف أو تراجع في الأداء، وهو ما يعني أن توزيعات الأرباح تناسب المستثمر الذي يبحث عن الاستقرار والدخل الدوري.

 

من جهة أخرى تميل إعادة الشراء إلى أن تكون أنسب لمن يثق في قدرة الإدارة على تحويل الفرص إلى نمو مستدام، لكن في النهاية لا يوجد خيار مثالي يناسب جميع الحالات.

 

بعبارة أخرى، ليست المسألة: "من يفوز؟ توزيعات أم إعادة شراء؟"، بل "من يدمج العائد والسيولة والنمو والحوكمة في سياسة واحدة تعكس استراتيجية الشركة وسياقها المالي؟".

 

وبالنسبة للمستثمرين الباحثين عن الدخل، خصوصًا في الشركات منخفضة النمو، تبقى الأرباح النقدية الخيار الأنسب.

 

أما في الشركات الناضجة ذات الفوائض النقدية المحدودة الفرص الاستثمارية، فإن إعادة الشراء غالبًا ما تحقق قيمة أعلى للمساهمين كما حدث في عام 2024 حين بلغت قيمتها 942.5 مليار دولار أمريكي.

 

لكن يجب على مجالس الإدارات النظر في الاستدامة والحوكمة والتوازن؛ فإعادة الشراء قد ترفع الربحية مؤقتًا لكنها قد تُخفي ضعف الاستثمار، بينما تُلزم الأرباح الشركة بتوزيعات مستمرة.

 

ويظل أفضل عائد للمساهمين يتحقق عندما تكون سياسات توزيع رأس المال مرتبطة باستراتيجية محكمة ذات قيمة حقيقية، وليس مجرد وسيلة تجميل للأداء المالي.

 

المصادر: إس آند بي داو جونز إنديسز- موقع إس آند بي جلوبال- فيرست تراست- موقع إف تي بورتفوليوز- جانوس هندرسون – بوسطن بارتنرز- مورجان ستانلي كابيتال

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.