قبل فترة بسيطة تفجرت حملة انتقادات واسعة لهيئة الاستثمار في وسائل الإعلام توجه لها أصابع الاتهام للجرائم التي قام بها بعض المستثمرين الأجانب مؤخرا، والتي نتجت عنها خسائر جسيمة لبعض المواطنين والمقيمين الأجانب، أستطيع القول إنهم محقون في غضبهم ولكنه يتهم الجهة الخاطئة.
هذا صحيح فهيئة الاستثمار لا تتحمل مسؤولية جرائم المستثمرين الأجانب بغض النظر عن حجمها؛ لأنها ليست المنظم للسوق التجاري وليست القاضي وليست المنفذ. دور الهيئة في الأساس هو تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في السعودية وتوفير البيئة المناسبة لهم بحسب النظام المتوفر حاليا، ونظرا لكون أن بعض المستثمرين الأجانب يمارس طرقاً غير شرعية في نشاطه التجاري فهذا ليس بسبب هيئة الاستثمار وإنما بسبب وجود بيئة قانونية تجارية ضعيفة مليئة بالثغرات إتاحة له الفرصة لاقتراف جريمة تجارية.
مسؤولية جرائم المستثمرين الأجانب تتحملها جميع الجهات الحكومية المنظمة للعمل التجاري بما فيها وزارة التجارة، والقضاء وبقية الأجهزة الأخرى، فهذه الجرائم ليست محكورة على المستثمرين الأجانب فهناك إخوة لنا مستثمرون سعوديون يتجاوز عددهم المئات اقترفوا جرائم تجارية بنفس القدر وحتى بشكل أكبر وأعظم يتجاوز مليارات الدولارات ويمس الكثير من الأفراد والعائلات السعودية في كافة أقطار البلاد. دافعهم الأساسي لارتكاب هذه الجرائم التجارية هو ضعف البيئة القانونية التجارية منذ فترة طويلة قبل أن يتم تأسيس هيئة الاسثمار أو خلافها.
بكل صراحة لا أجد للغاضبين من هيئة الاستثمار أي مبرر لغضبهم لأنهم يتهمون الجهة الخاطئة فهم يمكنهم محاسبتها اذا قصرت في تحقيق أهدافها وهي جعل السعودية صديقة للاستثمار الأجنبي، ولكن لا يمكنهم تحميلها بأمر يعتبر خارج نطاق عملها وخارج نطاق صلاحياتها وبالتالي يكونوا السبب في تقويض مؤسسة حكومية مهمة لها دور مهم في تحسين المستوى الاقتصادي للبلد بشكل عام خاصة وأن سياسة اقتصاد البلد توسعية وتحتاج للتقيد باستراتيجياتها طويلة الأمد.
ولكن هذا لا يعني بأن نتجاهل السلبيات الموجودة أصلا والتي ظهرت بوضوح بعد بدء الهيئة في عملها فنسبة أكبر من المستثمرين السعوديين طالهم الضرر بشكل تدريجي مع بداية عمل الهيئة فلا توجد هيئة حكومية منفصلة تهتم بتنمية الاستثمار المحلي بل بالعكس ما نشاهده هو وضع الكثير من العراقيل وقوانين الاحتكار أمام المستثمر السعودي إلى درجة أن الكثير منهم بدون مبالغة قام بنقل أو تأسيس جزء كبير من استثماراته وصناعاته في البلدان المجاورة كدبي أو البحرين أو حتى قطر مؤخرا والتي تشهد تطورا اقتصاديا غير مسبوق.
لهذا أجد أنه من الأحرى أن يقوم منتقدو هيئة الاستثمار بتفحص الإدارات الحكومية الأخرى والتعرف بشكل أكبر على دورها في عرقلة المستثمر السعودي ودفعه للاستثمار في الخارج، فهناك إدارات حكومية متعددة مازالت تتبع قوانين تجارية عفا عليها الزمن وتدعم إجراءات تجارية ساعدت على خلق بيئة احتكارية في عدة قطاعات اقتصادية كقطاع المقاولات أو الصناعات الإلكترونية بالإضافة إلى القطاع المالي. فهيئة الاستثمار ودورها الحيوي يجب الا يتوقف ويجب أن يستمر دعمها واداراتها بشفافية اكبر فهي مؤسسة مهمة تدعم الناتج القومي لاقتصاد البلد من ناحية تشجيع الاستثمار الأجنبي.
أعتقد أن البلد يحتاج إلى الاستثمار الأجنبي الذي يجلب التقنية والمعرفة والصناعات المتطورة بدون احتكار وبدون قنوات وسيطة طويلة تضعف تطوره على المدى الطويل وهذا يتطلب من الجميع أن يكون عادلا في تقييمه لحجم المسؤولية التي تتحملها هيئة الاستثمار والجهات الحكومية الأخرى التي مازالت عاجزة عن مواكبة الاستراتيجية الاقتصادية للبلد.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: