خبراء: وقف زراعة القمح يرفع استهلاك المياه 400 %
تطبيق بعض القرارات يأتي عكسيا، وأحيانا تكون أضراره أكثر من المشكلة الأصلية بحد ذاتها. مثلا في قرار إيقاف شراء القمح المحلي من المزارعين وهو القرار رقم 335 كان هدفه وقف استنزاف المياه من خلال تقليص زراعة القمح، لكن هل حقق هذا القرار الأهداف؟ خبراء في المجال الزراعي يعتقدون العكس .. بل إن الدلائل الحالية والمتمثلة في التوسع في زراعة الأعلاف ضاعف من هدر المياه وليس العكس.. هل بدأت لعبة القط والفأر بين المزارعين والجهات التي تتبنى مثل هذه القرارات؟ ألا يمكن تطبيق القرار بشكل أفضل يضمن المحافظة على المياه وعلى الثروة المتكونة خلال العقود الثلاثة الماضية سواء المعدات والآليات أو الخبرات المتراكمة في زراعة القمح، ثم ما مصير المزارعين الذين خرجوا أو في طريقهم للخروج من القطاع الزراعي .. ألا يعد خروجهم مشكلة حقيقية ستظهر عاجلا أم آجلا .. اليوم «الاقتصادية» تفتح هذا الملف من خلال آراء زراعيين وخبراء في المجال من جانب كميات المياه التي يتم استنزافها حاليا .. على أن نستكمل في الحلقات المقبلة بقية التداعيات: إلى التفاصيل:
ربما يتبادر إلى الأذهان سؤال محوري عن فحوى القرار 335 الصادر عن مجلس الوزراء في 9/11/1428 هـ، فنشير هنا إلى أن القرار هدفه الأسمى المحافظة على المياه كأحد المكونات الرئيسية للحياة، وذلك من خلال الموافقة على قواعد وإجراءات ترشيد استهلاك المياه وتنظيم استخداماتها في المجالات الزراعية في جميع القرى والهجر والمدن السعودية. ولا شك أن أمر المياه متفق عليه وليس محل خلاف، بل إن كثيرا من المزارعين، بدأوا فعليا في برامج لترشيد المياه، فضلا عن كون الصندوق الزراعي اعتمد استراتيجية شاملة لهذا الأمر تركز على دعم الزراعات المرشدة. ومن يعرف القطاع الزراعي قبل 30 عاما ويدخل في كواليسه حاليا، لا يمكن أن يتجاهل التطور الكبير الذي حدث فيه، والخبرات المتراكمة في ترشيد المياه تحديدا، ولعل شركات زراعية معروفة برعت في هذا المجال، وقللت الاستهلاك إلى أقصى الدرجات الممكنة.
إجراءات ترشيد المياه الصادرة برفقة القرار نصت على 21 فقرة عالجت الموضوع من مختلف جوانبه، ولعل من أهمها قضية التعويض والنظر في أوضاع من يتضرر من المزارعين، لكن كثيرين في القطاع الزراعي يعتقدون أن بعض الجهات قصرت في رصد الأضرار التي لحقت أو يمكن أن تلحق بالمزارعين, ولذلك فإن تطبيق الفعلي اقتصر على المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق التي قلصت الشراء 12.5 في المائة سنويا وبدأت بالفعل في إجراءات الاستيراد.
وتكشف إحصائيات وزارة الزراعة التي اطلعت عليها «الاقتصادية أنه خلال 2008 ارتفعت مساحات محصول البرسيم تحديدا خلال العام بنحو خمسة آلاف طن من 95 ألف هكتار إلى أكثر من 100 ألف هكتار، في حين تشير الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة إلى أن مساحة الأعلاف الأخرى (المنوعة) ارتفعت من 55 ألف هكتار إلى 60 ألف هكتار، وهذا يعني أن هذه المساحات اقتطعت من مساحة القمح التي توقف المزارعون عن زراعتها، حيث انخفضت مساحات القمح من 450 ألف هكتار إلى 326 ألف هكتار بانخفاض يعادل 124 ألف هكتار.
وإذا أضفنا مثل هذه الإحصائية إلى إحصائية أخرى تؤكد خروج أكثر من خمسة آلاف مزارع من السوق فهذا يعني أن المشكلة بالفعل بدأت تداعياتها تظهر بالفعل.
سألت في البداية سمير بن علي قباني وهو رئيس اللجنة الوطنية الزراعية عن استهلاك المياه تحديدا فقال إن تقليص شراء القمح وعزوف المزارعين عن زراعته لعدة أسباب رفع استهلاك المياه بنحو 400 في المائة. سألته .. كيف ذلك فقال: إن استهلاك محصول القمح من المياه بمتوسط ستة آلاف متر مكعب للهكتار في جميع المدن الزراعية السعودية، وترك هذا المحصول والاتجاه إلى محاصيل أخرى مشابهة قياسا بطريقة الزراعة يعني حتمية التوجه إلى زراعة الأعلاف الخضراء .. وهذه بالضرورة أكثر من استهلاك القمح, حيث إن المتوسط لزراعتها يقارب 24 ألف متر مكعب للهكتار. هذا يعني والحديث للقباني أن أي تغيير على القمح سيعني بالضرورة التحول لشيء مشابه خاصة في طريقة الزراعة المحورية، لأن من يملك مزرعة كبيرة لن يتحول إلى زراعة الخضار أو الطماطم على اعتبار أن هذه الزراعة تحتاج إلى طرق أخرى. وقال إن من الضروري التدخل بدلا من ترك المزارع يواجه مصيره.
في السياق ذاته يقول المهندس سالم الشاوي وهو مدير الزراعة في الشركة الوطنية للتنمية الزراعية «نادك» إن القرار أسهم في زيادة استنزاف المياه
لأن القمح أصبح غير مجد اقتصاديا بالنسبة لمزارعه, حيث أصبح يزرع أكثر من محصول في السنة لإيجاد بدائل، وهذا ضاعف من الاستهلاك المائي، ومن وجهة نظري كان من المفترض أنه عند الرغبة في تقليص المساحات المزروعة من القمح كان يفترض شراء القمح خلال السنوات الثماني المقبلة بأعلى قيمة بمعنى أكثر من 3.5 ريال للكيلو الواحد على أساس إغراء المزارع بعدم زراعة أي محصول آخر، لأن القمح بإمكاننا الحصول على الحبوب والأعلاف في الوقت نفسه والأقل استهلاكا للمياه وإغراء المزارع بمواصلة زراعة القمح وصرف انتباهه عن زراعات أخرى هي أكثر استهلاكا للمياه من القمح كالأعلاف والخضار المكشوفة مثل البطاطس.
وبالتالي - والحديث للشاوي – فإن رفع السعر وفق برنامج زمني معروف هو إخلاء مسؤولية وتناول موضوعي للقضية بدلا من الهدر الحاصل حاليا سواء في المياه أو المعدات والآلات.
سألت المهندس الشاوي عن اقتصاديات المناطق التي قامت على الزراعة فقال: هذه المناطق قامت على الزراعة لعدم وجود مصانع أو شركات أو تجارة في تلك المدن خلاف الزراعة، فالتنمية الزراعية الكبيرة التي حدثت في المملكة في الفترات الماضية غيرت من تلك المناطق بشكل إيجابي وأسهمت في تطورها للأفضل فالقطاع الزراعي قام بدعم تلك المناطق وأسهم في إنعاشها وهذا ما أدى إلى تغيرات كثيرة جدا سواء في المنطقة الصناعية في تلك المناطق أو داخل المدن من روافد زراعية جميعها أثرت بشكل إيجابي في الزراعة والمزارعين. وقال الشاوي: يكفينا أن إسهام القطاع الزراعي بالناتج المحلي بلغ 10 في المائة وهو دليل على مساهمة القطاع الزراعي باقتصاد المملكة بشكل عام، إضافة إلى أن نسبة السعودة في القطاع الزراعي وصلت نحو 50 في المائة فهذا دليل آخر على إيضاح نسبة العاملين في هذا القطاع.
خالد بن عبد المحسن الباتع رئيس الجمعية التسويقية الزراعية قال عن القضية إن رصد الجمعية خلال الفترة الماضية أثبت ارتفاع المساحات المزروعة بالأعلاف الخضراء، وبين أن المزارعين الذين تحدثت معهم الجمعية كانوا يرون إمكانية التوقف عن القمح والاتجاه إلى زراعات أكثر ترشيدا لكنهم ربطوا ذلك بتفاعل الجهات المكلفة لذلك. وقال الباتع من الظلم أن قطاعا زراعيا صرفت عليه الدولة من عام 1385 هـ إلى عام 1428 هـ أكثر من 40 مليار ريال من خلال قروض الصندوق الزراعي والتي جاءت من خلال 428 ألفا يكون ضحية بعض التطبيقات على الرقم من القرار حاول استيعاب الأضرار ومعالجتها بطريقة علمية وواقعية.
ويتفق أحمد السماري ــ وهو خبير زراعي ــ مع سابقيه ويقول إن القرار استبق الدراسات التي تجرى على وضع المياه في البلاد، حيث كان يفترض إعلان هذه الدراسات أولا ثم محاولة معالجة مشكلة هدر المياه بطريقة تكفل المحافظة على المكتسبات السابقة وعدم التأثير في الطبقة الزراعية التي تشكل طبقة مهمة في المجتمع.
ويعتبر السماري أن استنزاف المياه حاليا في الأعلاف الخضراء وهو أحد الدلائل التي تؤكد أن النقد الذي وجهه الزراعيون في البداية لمثل هذا التوجه صحيح، بدليل انقلاب الوضع حاليا ومضاعفة الاستهلاك بهذا الشكل الخطير. مطالبا بضرورة مراعاة اقتصاديات المناطق الزراعية التراكمية والتي بنيت خلال السنوات الثلاثين الماضية، لافتا إلى أن مساعدة المزارع على التحول التدريجي هي الحل الأمثل بدلا من الوضع الحالي.
## قواعد وإجراءات ترشيد استهلاك المياه
نصت قواعد ترشيد المياه التي تضمنها قرار 335 على 21 فقرة تعالج القضية من جوانبها كافة.
1 ــ على المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق أن تتوقف عن شراء القمح المنتج محليا تدريجيا في مدة أقصاها ثماني سنوات بمعدل سنوي 12.5 في المائة.
2 ــ الاستمرار في منع تصدير القمح المنتج محليا.
3 ــ استمرار وزارة الزراعة في التوقف عن إصدار تراخيص لإنتاج القمح والشعير والأعلاف.
4 ــ وقف تصدير منتجات الخضار المزروعة في مساحات مكشوفة مثل البطاطس والحبحب وغيرهما تدريجيا، وذلك خلال فترة خمس سنوات قادمة.
5 ــ يمنع منعا قاطعا تصدير الأعلاف المزروعة مع تيسير استيرادها وتقديم التسهيلات الائتمانية للمستثمرين في زراعة الأعلاف الخضراء خارج المملكة بغرض تصديرها إلى المملكة.
6 ــ تتحمل الدولة التعرفة الجمركية الخاصة باستيراد جميع المنتجات الزراعية بما في ذلك القمح والأعلاف.
7 ــ إيقاف حفر آبار جديدة في الطبقات الحاملة للمياه غير المتجددة في المناطق شحيحة المياه، واقتصار الحفر لتلبية احتياجات مياه الشرب فقط.
8- تركيب عدادات لقياس المياه المتدفقة من الآبار لضمان ترشيد استخدام المياه وفقاً للمقننات المائية، والنظر في وضع تعرفة على المياه التي تزيد عن المقننات المائية.
9- التوسع في تقديم العون من قبل الدولة لتحويل القطاع الزراعي من نمط الزراعة التقليدية إلى الزراعة المستدامة عن طريق استخدام التقنيات الحديثة في الري ووسائل الإنتاج الزراعي الحديثة مثل الري بالتنقيط، والزراعة في البيوت المحمية، وأن تربط القروض والإعانات الزراعية بتطبيق هذه الوسائل الحديثة في الزراعة.
10- دعم المراكز البحثية الزراعية والمختبرات البيطرية، ودعم الخدمات الإرشادية الزراعية والبيطرية تحقيقا وتفعيلاً للتطوير المستهدف للقطاع الزراعي.
11- توفير الكوادر العامة بوزارة الزراعة عن طريق التدريب والابتعاث، وإحداث وظائف جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة.
12- تكثيف برامج الإرشاد الزراعي في وسائل الإعلام المختلفة لتوعية المزارعين بأهمية المحافظة على الموارد المائية والاتجاه نحو استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية في هذا الخصوص.
13- توجيه وتشجيع مراكز الأبحاث في مختلف أجهزة الدولة، لاستنباط سلالات مقاومة للملوحة والجفاف والتربية الحمضية.
14- النظر في وضع المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي في حالة تأثرهم بالسياسات الزراعية الجديدة.
15 ــ التوسع في إنتاج واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في قطاعي الزراعة والصناعة، وتوفير الدعم اللازم للمشاريع المرتبطة بذلك، وضرورة المحافظة على البيئة، والتوسع في معالجة التسرب من شبكات مياه الشرب.
16 ــ إيقاف تراخيص حفر الآبار في الطبقات الحاملة للمياه غير المتجددة في جميع الاستراحات دون استثناء، وردم الآبار المحفورة غير المرخصة.
17 ــ دراسة الاستمرار في إيقاف توزيع الأراضي الزراعية لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل.
18 ــ التوسع في استخدام وسائل الري الحديثة وتعميمها على مشاريع زراعة النخيل.
19 ــ دعم الكوادر البشرية الفنية بوزارة المياه والكهرباء عن طريق تكثيف التدريب والابتعاث، وإيجاد وظائف جديدة للجيولوجيين والهيدرولوجيين حتى تتمكن الوزارة من الوفاء بمهامها.
20 ــ توفير الدعم المالي والفني لتنفيذ مشروع وطني لحصر الآبار المحفورة برخص أو من دون رخص حفر، وردم المخالف منها للمواصفات الفنية.
21 ــ دراسة إمكانية إلغاء شرط الإحياء لتملك الأراضي الزراعية الصادر في شأنها قرارات من وزارة الزراعة، مما يسهم في تقليص المساحات المزروعة في المملكة.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}

تحليل التعليقات: