تمضي شركات النفط الصخري الأميركية قدماً في خططها الإنتاجية، متكيّفةً مع أسعار النفط عند 60 دولاراً للبرميل، بينما تحقق زيادات طفيفة في الإنتاج، ما يمهّد الطريق أمام القطاع للإسهام في تفاقم فائض المعروض العام المقبل.
فقد أعلنت كلٌّ من "دايموندباك إنرجي" (Diamondback Energy Inc) و"كوتيرا إنرجي" (Coterra Energy Inc) و"أوفينتيف" (Ovintiv Inc) هذا الأسبوع عن نيتها زيادة الإنتاج بشكل طفيف خلال هذا العام أو عام 2026، رغم تراجع أسعار النفط إلى مستويات قريبة من حدود التعادل بين الإيرادات والمصروفات لعدد كبير من الآبار الصخرية الأميركية.
أما "إكسون موبيل" (Exxon Mobil Corp)، فقد عززت الأسبوع الماضي مكانتها كأكبر مشغّل في حوض برميان، بعدما رفعت توجيهاتها للإنتاج لعام 2025 بمقدار 100 ألف برميل مكافئ نفط يومياً، وهو ما يفوق إجمالي إنتاج بعض الشركات الصغيرة.
ويُعزى هذا الزخم إلى التطورات التقنية التي شهدها القطاع في السنوات الأخيرة، والتي جعلت المنتجين أكثر كفاءة، وقادرة على ضخ كميات أكبر من الخام مقابل كل دولار يُنفق.
وقال بن هوف، رئيس استراتيجية السلع العالمية في "سوسيتيه جنرال": "لقد أصبحت صناعة النفط الصخري إلى حد كبير قصة تكنولوجية، ليس بالمعنى المرتبط بوادي السيليكون، بل من حيث تقنيات الحفر"، مضيفاً أن هذه التطورات "سمحت للقطاع بالحفاظ على مستويات إنتاج ثابتة نسبياً مع معالجة جانب الكلفة في المعادلة".
كفاءة أعلى رغم الضغوط السعرية
تُظهر مرونة الإنتاج الأميركي تبايناً واضحاً مع ما حدث مطلع هذا العام، عندما هبطت أسعار الخام بنسبة 15% في أقل من أسبوع بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أبريل سلسلة من الرسوم الجمركية.
ومع زيادة "أوبك" للإمدادات آنذاك، أبدى عدد من التنفيذيين الأميركيين استعدادهم لخفض الإنتاج إذا تراجعت الأسعار نحو 50 دولاراً للبرميل، وهي أقل من مستوى التعادل لمعظم القطاع.
لكن تلك الأسعار لم تدم طويلاً. فقد ساهمت جهود خفض التكاليف الممتدة لسنوات في تعزيز كفاءة الحقول، ما رفع إنتاج النفط الأميركي إلى نحو 13.8 مليون برميل يومياً في أغسطس، وهو رقم قياسي جديد وفقاً لـ"إدارة معلومات الطاقة" الأميركية.
ويعود جزء من هذه الزيادة إلى ارتفاع الإنتاج في خليج المكسيك الأميركي، حيث دخلت مشاريع جديدة تم الإعداد لها منذ سنوات مرحلة التشغيل.
لكن من الواضح أيضاً أن التحسينات التقنية الصغيرة في الحقول الصخرية بدأت تتراكم لتحدث فرقاً ملموساً.
وقال كايس فان هوف، الرئيس التنفيذي لشركة "دايموندباك إنرجي"، في رسالة للمساهمين يوم الإثنين: "لا تستهينوا أبداً بالمهندس الأميركي"، مضيفاً في مكالمة مع المحللين: "سنجد دائماً طريقة لتحقيق أرباح أكبر رغم الرياح المعاكسة على الصعيد الكلي".
بفضل سرعة الحفر وتحسين تقنيات الضخ، خفّضت "دايموندباك" سعر التعادل لبرميل النفط إلى نحو 37 دولاراً، أي أقل بـ8% مقارنة بالعامين الماضيين.
وبدورها، رفعت "كوتيرا" تقديراتها للنمو العام المقبل بنسبة 5% لتصل إلى نحو 168 ألف برميل يومياً، مع إنفاق أقل "بشكل طفيف"، وستأتي الوفورات جزئياً من تركيب شبكات كهربائية صغيرة في غرب تكساس لخفض تكاليف الطاقة، وفقاً لإرشادات الإنتاج الخاصة بالشركة.
تراجع التوظيف في الحقول الصخرية
في المقابل، فإن زيادة الكفاءة باستخدام موارد أقل بدأت تُلقي بظلالها على العمالة. فقد انخفض عدد منصات الحفر في "حوض برميان" بنحو 30% منذ بداية عام 2024، كما تراجع عدد الفرق المتخصصة في عمليات التكسير الهيدروليكي بنسبة 20%. وأصبح الانخفاض في عدد العاملين ملحوظاً في مدينة ميدلاند بولاية تكساس، العاصمة غير الرسمية للحوض.
وقال ويل هيكي، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "برميان ريسورسز" (Permian Resources Corp)، خلال مكالمة مع المحللين يوم الخميس: "النشاط تباطأ بالفعل هنا، ويمكنك أن تشعر بذلك في شوارع ميدلاند".
ومع ذلك، لا تزال الشركات تجد طرقاً لزيادة الإنتاج. فقد رفعت شركة "أوفينتيف"، ومقرها في دنفر ولها أصول تمتد من كندا الغربية إلى "برميان"، نقطة المنتصف لتوجيهاتها للإنتاج هذا العام بأقل من 1% لتصل إلى 209 آلاف برميل يومياً، مع الحفاظ على خطط الإنفاق المخفضة سابقاً.
أما "إكسون موبيل" فقد كانت صاحبة أكبر الزيادات، إذ رفعت توجيهاتها لإنتاج عام 2025 بنسبة 7% إلى 1.6 مليون برميل مكافئ نفط يومياً، وهي زيادة تعادل تقريباً الإنتاج الكلي لشركة مستقلة صغيرة مثل "ماغنوليا أويل آند غاز" (Magnolia Oil & Gas Corp).
ونسب الرئيس التنفيذي دارين وودز هذا الارتفاع إلى طرق التكسير الحديثة مثل استخدام المواد الداعمة خفيفة الوزن لتحسين معدلات الاستخراج، قائلاً: "هذا ما يميزنا عن منافسينا الذين يتحدثون عن تقليص الاستثمارات أو بلوغ ذروة الإنتاج أو الانتقال إلى مرحلة الحصاد (مرحلة جني الأرباح من الآبار الحالية من دون توسع كبير)".
مخاوف من فائض عالمي وضغوط على الأسعار
في ظل تخمة المعروض في سوق النفط العالمية، قد تكون الزيادات الأميركية ذات تداعيات عالمية واسعة. وقالت مجموعة "ماكواري" وهي من بين الشركات القليلة التي توقعت بدقة نمو النفط الصخري في 2023، إن الأسعار قد تضطر للهبوط إلى نطاق 50 دولاراً للبرميل قبل أن يبدأ القطاع في كبح النمو.
وقال والت تشانسيلور، الخبير الاستراتيجي للطاقة في "ماكواري" ومقره هيوستن، في مقابلة: "عند المستويات السعرية الحالية، لا تزال الشركات الأميركية متحمسة لزيادة الإنتاج. التوازنات تبدو مفرطة في المعروض إلى درجة أن السوق ستضطر لإرسال إشارة إلى المنتجين الأميركيين للتوقف عن النمو".
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: